بقلم :ممدوح طه
الفارق كبير بين أن نحيا ونعيش .. والناس كي تستطيع العيش لن تأكل سياسة ولن تسكن فلسفة، ولن تعالج بالشعر أو بالخطب، ولكن السياسة هي المسؤولة عن توفير الطعام لكل فم والصحة والسكن لكل أسرة والتعليم والعمل لكل فرد، بتحقيق الأمن الاقتصادي والاجتماعي والصحي والتعليمي والثقافي، وذلك بتوفير الغذاء الرخيص والسكن الرخيص والعلاج الرخيص وفرص العمل الشريف المنتج، وهذا واجب السياسة باعتبارها علم إدارة الحكم الذي يحكم حركة المجتمع ويرسم أهدافه ويحل مشاكله ويحقق طموحه.
فلا اقتصاد سليم إلا بسياسة اقتصادية سليمة، ولا مجتمع صحيح إلا بسياسة اجتماعية صحيحة ولا ثقافة غير مريضة إلا بسياسة ثقافية غير مريضة، والعكس صحيح أيضاً فالاقتصاد المختل هو نتيجة لسياسة مختلة، ولا مجتمع مضطرب إلا انعكاساً لسياسة مرتبكة، السياسة إذاً هي أم الهموم، لكنها أيضا هي أم الحلول.
وإذا كانت السياسة تؤثر في كل شيء لأن القرار السياسي يحكم أو يتحكم في الشؤون الاقتصادية والاجتماعية بل تقريبا في كل شيء، فهي أيضا تتأثر بكل شيء لأنها أيضا نتاج لمدى سلامة الثقافة والاقتصاد والتوازنات الاجتماعية، فالثقافة السليمة أساس السياسة السليمة، ولا قوة سياسية بلا قوة اقتصادية، ولا سياسة متوازنة بلا مجتمع متوازن، ولا مجتمع متوازن بلا عدالة اقتصادية واجتماعية.
حيث إنها مصدر المشاكل الاقتصادية والاجتماعية والأمنية إذا كانت منطلقة من محددات فكرية خاطئة أو متخلفة وتابعة لا مستقلة، أو ترتبط بالتزامات خارجية لا داخلية، أو لأقلية طبقية أو فئوية أو جهوية لا للأغلبية الشعبية، و تقلد تجارب غيرها دون مراعاة اختلاف ظروف مجتمعها عن ظروف غيرة أو متأثرة بفلسفات مناقضة المبادئ ومصالح شعبها حيث ان دورها الحقيقي في تصور سهل هو حل مشاكل الناس وتحقيق الحياة الحرة الكريمة للجماهير .
لكن السياسة وسيلة لا غاية، فهي الأداة المجتمعية للتفكير في وضع الحلول لسائر المشكلات والتحديات الداخلية والخارجية، وهي وسيلة المجتمع لوضع الخطط والبرامج القصيرة والطويلة المدى لتحقيق الطموحات الشعبية في حياة كريمة ومستقرة وآمنة لكل أسرة بل لكل فرد والناس لا يمكن أن تحيا قبل أن تتمكن من العيش، والقدرة على المعيشة دون جوع أو فقر أو خوف هو الحد الأدنى التي تسعى البشرية إلى ضمانه، لكن الحياة الإنسانية التي تليق بإنسانية الإنسان هي ما يحقق للإنسان ليس فقط الإحساس بالأمن، ولكن بالأمان أيضاً..
ومهمة الحكومات العربية الأساسية والوحيدة هي تأمين الحد الأدنى من متطلبات المعيشة، والتخطيط للتنمية الإنتاجية الشاملة لرفع مستوى المعيشة باستمرار للانتقال بمحدودي الدخول إلى مستوى متوسطي الدخول وبالانتقال بمتوسطي الدخول إلى مستويات عالية الدخول، والشراكة في اتفاقيات التعاون والتكامل الاقتصادي الإقليمي العربي والجغرافي لإنجاز التنمية العربية بمعدلات عالية، ومواجهة أزمات العالم الاقتصادية التي لن يمكن لاقتصاد دولة منفردة مهما كانت قدرته مواجهة تحدياتها منفردا والانتقال بالمجتمع ككل إلى مستوى العيش الآمن.
مطلوب أنسنة السياسة، حتى تتحول الأرقام والإنجازات المكتوبة إلى واقع حقيقي معاش يلمسه الناس، عندما تتوفر لكل فرد في المجتمع وكل أسرة جديدة فرصة للتعليم الجيد دون عبء، و للعمل دون عناء أواسطة، وللسكن المناسب دون مغالاة، وللأمن الصحي دون كلفة، والغذاء الكافي دون غلاء.. هذا هو الحد الأدنى لكي يعيش الإنسان عيشاً كريماً يليق بإنسانيته في الطريق لأن يحيا حياة حرة وكريمة.