بقلم / ممدوح طه
عندما أظهرت استطلاعات الرأي الأوروبية منذ عامين في عهد «بوش» أن إسرائيل وأميركا هما الأكثر تهديداً للسلام في العالم، وعندما تظهر استطلاعات الرأي التي أجرتها مراكز إسرائيلية هذا العام في عهد «أولمرت» أن ثلثي العالم تعتبر إسرائيل دولة عدوانية، وعندما يظهر استطلاع الرأي بعد ست سنوات من الاحتلال والمقاومة في العراق، أن أكثر من ثلثي الشعب العراقي يعتبرون العدوان الصهيو أميركي على العراق «حربا صليبية» فإن آراء هذه الأغلبية الكبيرة لا يجانبها الصواب في الواقع.
وعندما جابت المظاهرات الشعبية شوارع المدن العراقية تطالب بخروج قوات الاحتلال في الذكري السادسة للغزو الأنجلو أميركي للعراق واحتلال «بغداد» لتدمر بلد الحضارة الإنسانية العريقة التي علمت العالم حروف الكتابة، ولتدمر عاصمة الخلافة الإسلامية بحضارتها الزاهية في عصر العباسيين، ولتخصم القوة العراقية المساندة للانتفاضة الفلسطينية من قوة الأمة العربية، فلقد شنت أميركا هذه الحرب العدوانية في الواقع لحساب العدو الصهيوني حماية أمن إسرائيل من تهديد العراق !
وعندما تؤكد المواثيق الدولية أن العدوان جريمة وأن الاحتلال جريمة وأن المقاومة ضد الاحتلال هو حق مشروع بل واجب مفروض على الشعوب لتحرير أوطانها المحتلة، فإن هذا الإرث العدواني الصليبي الأميركي على العراق وأفغانستان والصومال والسودان، مضافا إليه هذا النهج العدواني العنصري الصهيوني المستمر على المقاومة العربية في لبنان وفي فلسطين بدعم غير محدود من إدارة «بوش» «المسيحية الصهيونية» السابقة هو الذي أفقد أميركا صورتها وهيبتها ومصداقيتها، وأطاح ب«المحافظين الجدد» بعد أن أفقدهم ثقة الشعب الأميركي لتهبط شعبية الرئيس الأميركي السابق إلى أدنى درجة، ولتصعد بشعبية الرئيس «باراك أوباما» إلى أعلى درجات السلم.
ولهذا، فمنذ اللحظات الأولي لتوليه الرئاسة الأميركية حاول الرئيس «باراك أوباما» القيام بمراجعة شاملة لتصحيح تلك الأخطاء الكارثية لإدارة «جورج بوش»، ولتعديل السياسات الأميركية تجاه الملفات العالمية، ولتحسين الصورة الأميركية في العالم لاستعادة الثقة والمصداقية، بعدما حمل هذا الإرث العدواني الحربي، مضافا إليه هذا الإفلاس المالي والاقتصادي الكارثي الأكثر وطأة بسبب هذه المغامرات الحربية.
وذلك الإفلاس الأخلاقي الأميركي الخطير،بعدما فشل الرئيس بوش وإدارته في كل شيء عسكريا وسياسيا واقتصاديا وأخلاقيا، ونجح في شيء واحد هو تلطيخ الصورة الأميركية بالعار في العالم وعلى الأخص في العالم العربي والإسلامي.
ولإدراكه أن أكبر الجرائم الأميركية قد وقعت في العالم الإسلامي بدعم الاحتلال الصهيوني في فلسطين، والتورط الأميركي باحتلال العراق بعد غزو أفغانستان، وبالتهديدات لسوريا تارة وإيران أخري، وبمحاولة تقسيم السودان والصومال وشن الهجمات على المدنيين في باكستان، بتحريض ومشاركة صهيونية بهدف محاولة تدمير أو تحييد أي قوة عربية أو إسلامية تهدد أمن الكيان الصهيوني العنصري المفروض بالقوة في فلسطين..
فلقد قرر الرئيس الأميركي «باراك أوباما» وضع حد للخسائر الأميركية بالانسحاب العسكري وإعادة العراق للعراقيين، ووضع استراتيجية للخروج من أفغانستان، وتوجيه رسالة صداقة إلى العالم الإسلامي في ذكرى الغزو الصليبي لبغداد من تركيا ومن العراق لفتح صفحة جديدة قائلا: إن أميركا لا تشن حربا على الإسلام وتمديدها إلى العالم الإسلامي لبدء علاقات جديدة.. وهو كلام إيجابي بحاجة لترجمة.. ولكن يبقى السؤال، ومن يعوض العراقيين بعد الانسحاب عن خسائرهم؟!.<