بقلم :نواف الزرو
ذكرنا الرئيس الأميركي باراك أوباما بعيد «الفصح اليهودي» حينما «دعا مؤخرا أصدقاء مقربين وعدداً من موظفي إدارته إلى عشاء خاص في البيت الأبيض قدمت خلاله وجبة خاصة بمناسبة عيد الفصح اليهودي الذي حل الخميس الماضي».
وقال مسؤولون في البيت الأبيض «إن وجبة العشاء تتكون من مأكولات تم إعدادها وفق المطبخ اليهودي، ويسمي اليهود وجبة العشاء هذه سيدر الفصح»، وقالوا «إنهم يعتقدون أن هذه المرة الأولى التي يستضيف فيها رئيس أميركي في البيت الأبيض عشاء يهودياً، وقوبلت بادرة أوباما بالثناء من قبل «المجلس الوطني الديمقراطي اليهودي»، الذي قال في بيان «من خلال استضافته أول وليمة عيد فصح يهودي في تاريخ أميركا، يظهر الرئيس أوباما العلاقة الشخصية والعميقة التي يقيمها مع الجماعة اليهودية».
فهل يا ترى الرئيس اوباما في صورة حقيقة العلاقة مثلا ما بين «الفصح» و«الدم». أو بين الفصح ورقصات الدم اليهودية. . . ؟ أم أن المسألة مجرد «مجاملة للمجلس اليهودي لإرضائه أو للتكفير أمامه عن التصريحات الأخيرة المتعلقة ب«حل الدولتين» والتصعيد الإعلامي المدروس. . ؟!
فجزء كبير من الأحاديث والأقاويل التاريخية حول رقصات الدم اليهودية في أوروبا استندت إلى طقوس حقيقية وليست وهمية كما يزعمون، فقد استخدم اليهود دماء المسيحيين في عيد الفصح اليهودي. وهذه الحقيقة جاءت مؤخرا على لسان المؤرخ اليهودي البروفيسور «ارئيل طوئيف» من جامعة بار ايلان، وذلك في إصدار جديد له بعنوان: «فصح الدم» الذي صدر في ايطاليا، وقد أثار هذا الكتاب «الاعتراف» الوثيقة الإضافية ردود فعل غاضبة وقلسية اسرائيلية يهودية ضد المؤلف.
ففي حديثه من روما مع صحيفة «هآرتس العبرية» أصر المؤرخ طوئيف على موقفه بشأن استخدام الدماء من قبل اليهود الأشكناز في القرون الوسطى، وقال: «لن أتنازل عن التمسك بالحقيقة والحرية الأكاديمية، حتى لو صلبني العالم»، وعلى الرغم من حملات الاستنكار التي وجهت ضده، فقد أصر على» أن الإدعاءات التي أوردها في كتابه، ومنها بعض الاتهامات بشأن «فرية الدم في أوروبا لها أساس حقيقي». وقال المؤرخ طوئيف «انه حاول إثبات أن العالم اليهودي في تلك الفترة كان عنيفاً».
وقال: «في داخل اليهود الأشكناز كانت مجموعات متطرفة على استعداد للقيام بذلك، وجعله مشروعاً». وأضاف «أنه توصل إلى هذه النتائج بعد أن اكتشف أن بعض الشهادات التي تم شطبها في محاكمة مقتل الفتى سيمونينو مترانتو في العام 1475، لها أساس حقيقي ولا يمكن إلغاؤها».
وقال: «منذ العام 2001 وأنا أدرس في بار إيلان عن فرية الدم، وأخذت الشهادات التي تظهر في التحقيقات في مقتل الفتى سيمونينو، وقمت بدراسة التفاصيل الواردة فيها، من أجل فحص إذا كانت مفتعلة وتم إدخالها بشكل تعسفي من قبل المحققين، ووجدت أن هناك أقوالاً وبعض شهادات ليست جزءاً من ثقافة القضاة المسيحيين، ولم يكن بإمكانهم افتعالها وإضافتها».
وكشف المؤلف النقاب مؤكدا: «أنه تمكن وعلى عشرات الصفحات، من إثبات أن مسألة الدم هي مركزية في عيد الفصح، وتوصل إلى نتيجة أنه تم استخدام الدم في عيد الفصح، وخاصة لدى اليهود الأشكناز، الذين كانوا يعتقدون بوجود مزايا طبية لدماء الأطفال، وعليه فقد استخدموا مساحيق مصنوعة من الدم». وأضاف أنه عثر على أدلة تشير إلى سماح الحاخامات اليهود باستخدام الدماء، بما فيها الدماء البشرية أيضاً، وبرأيه فقد كان الدم مركباً مهماً في الطب الأوروبي في القرون الوسطى، وأن تجار الأدوية في ألمانيا كانوا يبيعون الدماء البشرية.
وفي السياق ذاته كانت مجلة «دير شطيمر» الألمانية قد أصدرت في الأول من مايو 1934 عددا خاصا تظهر في مركزه صورة طفل ألماني ممدد على الطاولة وحوله عدد من أصحاب الذقون والقبعات يمصون دمه بواسطة أنابيب طويلة معلومة من تعليق على «فصح الدم» نشرت في هآرتس 2007/2/20/»،.
وهذه لم تكن سوى واحدة وحالة في سلسلة طويلة من القصص التي تتحدث عن «فصح الدم»، وجاء في صحيفة هآرتس أيضا «ان البداية كانت في نورتش في انجلترا في القرن الثاني عشر حيث ذكر ان يهودا اشتروا طفلا مسيحيا قبل عيد الفصح فشربوا دمه وصلبوه تحت تعذيب قاس. . !
وهكذا تمتد القصص وصولا إلى أوروبا المسيحية كلها: فهناك قصص مشابهة وقعت في تورينو الايطالية وفي غفاردة الاسبانية في القرن الخامس عشر، وكذلك في بولندا وهنغاريا واليونان وفرنسا وروسيا ومرة أخرى في ألمانيا في القرن السابع عشر والثامن عشر، وصولا الى قصة «فصح الدم» المشهورة عن بيليس في القرن الحادي عشر في كييف في اوكرانيا، يضاف اليها كلها قصص شرب الدم التي انتشرت في دمشق عام 1840 وفي بيروت عام 1887 و1892.
وانتقالا الى الراهن الماثل في فلسطين يمكننا أن نثبت في أعقاب الحقائق الكبيرة أعلاه التي يكشف عنها المؤرخ طوئيف والمعززة بجملة اخرى من الشهادات والوثائق، بداية اننا لن نضيف جديداً جوهرياً بتأكيدنا مجدداً ان الطبيعة الصهيونية الارهابية الدموية هي قائمة كامنة بالأصل في ذلك التراث.
وهي إذ تبلغ في السنوات الأخيرة ذروة جديدة في تجلياتها، فهذا أنما يؤكد تلك الحقيقة حول جذور فكر التكفير والدم والارهاب لديهم. ونقصد بالطبيعة الصهيونية حصراً: ذلك الوجه البشع، وتلك المقارفات الدموية الشاملة، التي تمارسها دولة الاحتلال الاسرائيلي، ببالغ الاجرامية المنهجية المبيّتة، ضد وطننا الفلسطيني. .
وضد اهلنا وارضنا وشجرنا وتراثنا وهويتنا. . فلطالما تابعنا التجليات الارهابية الصهيونية عبر سلسلة لا حصر لها من المجازر الجماعية وسياسة الحرق والتجريف والتدمير الشامل والترحيل الجماعي، والتي ما زلنا في فضاءات أحدثها: محرقة غزة، او محرقة الاطفال والنساء، فالطبيعة الصهيونية في ذروة تجلياتها الاجرامية في فلسطين مخلفة وراءها المجازر الجماعية والخراب والدمار. . وفاتورة الدماء والمعاناة الفلسطينية تتضخم. . والجميع يتفرجون في عز الجريمة.
كاتب فلسطيني