;

تسابق الجنرالات والديمقراطية 752

2009-04-15 04:15:46

بقلم :بدر عبدالملك

الدول النامية أو ما كانت تسمى سابقاً بمصطلح العالم الثالث، هذا المصطلح الوسطي صار لا قيمة له بعد انهيار أحد ثنائي الصراع واختفاء طرفيه وبروز صارخ ومؤثر من قبل العالم الأول والذي طرح في سوق السياسة بشكل عاجل مصطلح بديل هو العولمة وعالم الشمال والجنوب، ولكنه سرعان ما شعر أنه مصطلح يحمل في ثناياه تناقضات كثيرة لا يمكن فيها صمود هذا المصطلح الهش، لهذا لم يعد منتشراً في الكتابات اليومية والتناول السياسي، غير انه ظل متداولاً فيما بين المختصين والباحثين. لهذا نعود إلى عالمنا النامي، والذي ظل يحمل من التناقضات الاجتماعية والسياسية المتباينة كل مجتمع على حدة.

ولكن أحد مؤشراته البارزة ظل يسطع في فضاء الحياة السياسية برغم الانهيارات الكثيرة في جبل الجليد غير ان مؤسساته القوية بقبضاتها الحديدية كمنت في وعي الجماهير إما لتاريخها الوطني ضد الاستعمار أو لمفرداتها الدائمة عند كل انقلاب يخرج فيه الجنرال نحو محطة الإذاعة ويعلن عن ان الانقلاب جاء للقضاء على الفساد والكذب وغيرها من الجمل ثم ينتهي بجملة ومصطلح صار مسمارا في جدار الحياة السياسية: «نحن مع حركة التغيير والإصلاح» فيتم التصفيق والعيش مع انتظار ذلك الأمل الذي يأتي به كل جنرال في مجتمع مصاب بحالة الإحباط والخيبة.

لقد كنا نتأمل في الأسابيع الماضية تلك الخارطة السياسية العالمية التي تشتعل بصناديق الاقتراع وبتلك الملصقات والدعاية الانتخابية، فيما راحت جماهير أخرى كموريتانيا تنادي بعودة الرئيس والديمقراطية.

هكذا بدوا جنرالات الماضي يظهرون على خشبة المسرح وهم أقوياء أكثر مما مضى خاصة عندما يشعرون بفرح أن الجماهير نسيت آلامها وغضبها ولكونها باتت بوعيها المحدود تصدق أن الجنرالات المرشحين يحملون في حقائبهم الانتخابية مصير التغيير والإصلاح وإنقاذ البلاد من ثلاثة مفاتيح كانت دائمة أسباب سقوط أو نجاح أي مرشح معلن، كمسألة التصريح والنداء بالقضاء على الفساد والعنف والبطالة، ولكنها كما نعرف تاريخيا أنها أحجار ثقيلة في الجبل لا يمكنهم حملها بلسان ناعم.

كانت خارطة الانتخابات الاندونيسية تعيد لذاكرة جيلنا ذلك التماسك العميق لحلفاء مؤتمر باندونغ واندلاع عالم مناهض للاستعمار وانقلابات عسكرية وطنية حقيقية. هذه المرة مثل كل المرات تنبت التربة الاندونيسية في حملة الانتخابات والمسار الديمقراطي، عالم واسع من الجنرالات وليس لجنرال واحد، هذا الفطر النابت في الأرخبيل يؤكد لنا بأنه مازال للبدلة العسكرية والهيبة الأمنية حضورها.

فكانت المؤشرات الدولية الحاضرة والمعنية بالمراقبة تميل اغلبها عن إمكانية نجاح سوسيلو بامبانج المنافس للرئيسة مييجاواتي فيما كان الجنرال السابق الآخر برانتو يسبح في مياه متقلبة لا يمكنها النجاح والانتصار على جنرال قبضته كانت حديدية في جهاز الأمن واستطاع خلال تلك الحقبة أن يؤسس له بنية داخلية في الجهاز وعلاقات متشعبة في محيط الجزر المتناثرة.

كانت تلك المؤشرات قبل إعلان النتائج تبرز لنا ظاهرة جديدة للديمقراطية الوليدة في مجتمعات ظلت لأكثر من ثلاثين وأربعين عاما مجتمعات تعيش في الظلام ولا تسمع إلا أصوات احتجاجية بين الحين والأخر تنتهي بحمامات الدم وكان على تلك الأصوات أن تخبو أو تملأ السجون، ولكن الكتابات الجدارية تظل تبث إشاراتها للناس بضرورة التمرد والتغيير.

في ظل تلك الحقيقة وواقعها، كان يترعرع في كنف الأنظمة القمعية العنف والفساد والبطالة أيضا فقد صنعها والآن ينادي بالقضاء عليها، والتي كثيرا ما ستكون سبباً للانفجار العفوي وخروج الناس بالمئات للشوارع، وسيكون على العسكر ببدلاتهم الانفجار كذلك تلبية لنداء الناس ومحنة الوطن مع الأنظمة متناسين قوانين الطاعة والانضباط، خاصة.

وان الجنرالات الكبار في الجيش ما عاد أغلبهم يمثلون نموذجاً للمثالية الوطنية والأخلاقية، فكل الصور والقصص المتداولة في الحياة السياسية تعلن عن استشراء الفساد في قمة المجتمع بل وقاعه البائس. كان على الخارطة السياسية التي نقرأها كل يوم مجتمع مدني هش وجماهير متمردة على شكل فقاعات هنا وهناك.

في البلدان النامية كانت الديمقراطية «فتاتنا الجميلة» يسعى الجميع لخطب ودها لكونها صارت الموضة السائدة، بل وضرورة لا بد من بنائها لنشوء عالم جديد من اجل التغيير والإصلاح ! ولكن عن أي تغيير وعن أي إصلاح من الممكن تحقيقه، هذا ما ينبغي أن يشعر به الناس أولا قبل الإعلان عنه في الانتخابات ولحظة التصويت والوقوف عند صناديق الاقتراع بملابس مدنية مزركشة وابتسامة ودودة لعدسات التصوير.

هكذا كان المسرح السياسي في اندونيسيا والجزائر وموريتانيا، حيث الصراع يظل ساخنا ويبقى لقوة وحضور الجنرالات المعلن أو الخفي حضورا متمكنا، فلديه من سطوة المال والحديد ما يجعله قادرا على النجاح. ربما ليست التجربة التاريخية لكل من نماذجنا الثلاثة واحدة، وليس لكل هذه المسارات الثلاثة متقلبات واحدة وتأثير في محيطه الإقليمي بالقدر نفسه.

ولكن ما يجمعهما اليوم تلك الظاهرة الواحدة هو التشبث بقبضة السلطة، وبشعارات متماثلة لا يمكن أن تغيب عنها الملصقات، فالجميع طبع مفردة الحياة الدستورية واحترام الديمقراطية وإرادة الشعب، ومن ثم التأكيد على مسألة التغيير والإصلاح وبقضية لا يمكن نسيانها وهي تشع في الشوارع بعبارة محاربة الفساد والعنف والبطالة.

هذه الديمقراطيات المتقلبة في مجتمع مدني بحاجة للتشكل، ولوعي أكثر حاجة لفهم معنى الخيار الديمقراطي كشكل وحيد للصراع السياسي، حيث لا يمكن للعنف أن يكون قادرا على التغيير بحمامات الدم وقتل الأبرياء والتدمير لكل ما أنجزه الإنسان. إن طبيعة عصرنا الجديد يتطلب فهم ذلك بل ويتطلب تعميق هذا الفهم بالقضاء دائما على مستوطنات الفساد المستمرة وبتعميق المسار الديمقراطي الطويل.

من يعتقد ان ليس للديمقراطية تكلفة باهظة فهو واهم مثل وهم أولئك الذين يخبئون تحت إبطهم مشاريع قتل الحياة والناس بمفخخاتهم المجنونة.

  

الأكثر قراءة

الرأي الرياضي

كتابات

كلمة رئيس التحرير

صحف غربية

المحرر السياسي

سيف محمد الحاضري

2024-10-14 03:09:27

القضاء المسيس ..

وكيل آدم على ذريته

أحلام القبيلي

2016-04-07 13:44:31

باعوك يا وطني

أحلام القبيلي

2016-03-28 12:40:39

والأصدقاء رزق

الاإصدارات المطبوعة

print-img print-img
print-img print-img
حوارات

dailog-img
رئيس الأركان : الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر

أكد الفريق ركن صغير حمود بن عزيز رئيس هيئة الأركان ، قائد العمليات المشتركة، أن الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر، مبيناً أن تشكيل مجلس القيادة الرئاسي الجديد يمثل تحولاً عملياً وخطوة متقدمة في طريق إنهاء الصراع وإيقاف الحرب واستعادة الدولة مشاهدة المزيد