بقلم :ممدوح طه
من «استانبول» عاصمة الخلافة الإسلامية ومقر «الباب العالي» في زمن العثمانيين، حيث زار «المسجد الأزرق» و«متحف أيا صوفيا»، كنيسة البيزنطيين ومسجد العثمانيين، ومن «أنقرة» عاصمة الجمهورية التركية العلمانية الحديثة بغالبيتها الشعبية الإسلامية، وبأوروبية انتمائها الجغرافي وآسيويته، وبتاريخها الإمبراطوري وبدورها الإقليمي المتنامي والنشيط في العالمين العربي والإسلامي وفي وسط آسيا وأفريقيا، اختار الرئيس «باراك حسين أوباما» تركيا من بين عدة دول توقع المراقبون أن تكون إحداها، وباستبعاد طهران بطبيعة الحال لم يكن مطروحا سوى القاهرة والرياض وجاكارتا وكوالا لامبور.
وفي سعيه لبلد يمثل ملتقى للحضارات والقارات، ولبلد إسلامي ديمقراطي لمخاطبة الشعوب الإسلامية على اختلاف إثنياتها ومذاهبها فقد اختار أوباما البرلمان التركي ليوجه رسالته التى وعد بها إلى العالم الإسلامي لدعوته لفتح الطريق لعلاقات جديدة تقوم على الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة ولطي صفحة الخلافات مع العالم الغربي. .
قائلا: «إن أميركا رغم كونها ذات أغلبية مسيحية ليست دولة مسيحية ولكنها أمة متعددة الأديان الإسلامية واليهودية والمسيحية، وإن تركيا رغم كونها ذات أغلبية مسلمة فإنها دولة ديمقراطية علمانية تحترم الحرية الدينية وحقوق الإنسان». .
ومحاولا تصحيح الأخطاء الكارثية الأميركية بحروبها على البلدان العربية والإسلامية انطلاقا من مفاهيم غير بناءة لصدام الحضارات، حاول أوباما نفى أن حروب بوش الخاطئة كانت على الإسلام رغم أن ذلك لم يكن خافيا على أحد، خصوصا بينما كانت «تركيا تحتضن المؤتمر الثاني لتحالف الحضارات بعد أن تبنت مع إسبانيا تنظيم مؤتمره الأول في «مدريد» نفيا لفكرة صراع الحضارات، مؤكدا أن «أميركا لاتشن حربا على الإسلام، وهى تريد أن تتجاوز أخطاء الماضي وتفتح صفحة جديدة مع العالم الإسلامي تقوم على احترام الأديان» وهى الرسالة التي لقيت ترحيبا عربيا وإسلاميا كبيرا.
وبينما عبر أوباما في إطار مراجعته الشاملة لسياسات سلفه الرعناء عن تقديره للعالم الإسلامي في خطابه الأول في الكونجرس الأميركي، وفي انفتاحه على سوريا ورسالته الدافئة إلي إيران، وفي لقائه البالغ التقدير لخادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز في لندن قبل زيارته لأنقرة، فقد عبر الدكتور «أكمل الدين أوغلو» الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي عن تقديره لدعوة أوباما قائلا إنها «إيجابية وبناءة جاءت من رجل عاقل.
لكن هذه الدعوة تتنظر تصحيح الأخطاء المتبادلة والإقرار الغربي بمتطلبات العدالة والحقوق الوطنية في القضايا الإسلامية. . كما عبر الزعيم الليبي «معمر القذافي» عن تقديره كعربي مسلم لخطاب أوباما في البرلمان التركي واصفا الرجل بأنه «ومضة في الظلام الإمبريالي».
وبحكم الوزن التركي المؤثر في الحزام الإسلامي الشمالي للوطن العربي إلى جانب إيران وباكستان، لعبت الدبلوماسية التركية التى تحتفظ بعلاقات جيدة مع الدول العربية والأوروبية دورا ديناميكيا فاعلا خلال العقد الأخير، في مجالها الإقليمي والدولي، ويذكر العرب الموقف الحازم للبرلمان التركي برفض السماح لأميركا باستخدام القاعدة الأميركية فيها للعدوان على العراق، كما يذكرون موقفها المشرف في إدانة العدوان الإجرامي الصهيوني على غزة.
إن ما جرى من تحولات للمشهد السياسى والاقتصادي التركى بقيادة حكومة «العدالة والتنمية» هو ما يثير الاهتمام الدولي بها خصوصا الأميركي والأوروبي والروسي مع الاحترام الذى تحظى به في الجوار الإقليمي العربي والإسلامي.