حصار صنعاء 1967 1968
وتستمر الذكريات مع مغادرتي المنطقة إلى العاصمة صنعاء فراراً من الواقع الذي كنت أعيشه لرغبتي في مواصلة التعليم ومعرفة العاصمة صنعاء والإمام يحيى، وكان ذلك وأنا في سن الخامسة عشر تقريباً وفي صنعاء تم قبولي في المدرسة الثانوية بعد مراجعة طويلة وشاقه، عشت بعدها عامين متتالين في العاصمة صنعاء مثلت لي فترة تنوير اكتشفت فيها شيئا أسمة الوطن والمواطن وأنه يجب إن يكون البديل الشرعي الوحيد للإمامة والإمامين والواجبات بلا حقوق، وبعد الانتهاء من دراسة الثانوية في عام "1947" بدأ التفكير بمغادرة العاصمة صنعاء واليمن لمواصلة التعليم في القاهرة وحينها وقفت أمامي صعوبات كثيرة جعلتني حائراً منها استحالة الحصول على جواز سفر وبالتالي مبلغ كبير من المال،
وهنا جاءت فرصه لا تقدر بثمن وهي إبتعاث أربعين طالبا للدراسة خارج الوطن في العام 1947م وحالفني الحظ فرحة فريدة من نوعها،
وحتى نهاية المراحل التعليمية في الكلية الحربية المصرية عام 1965م، كان التخصص في الكلية الحربية بناءاً على متطلبات الوطن وبدون مبالغة كانت جميع مراحل التعليم وحصول على معرفة الأحداث وغيرها من أجل الوطن، صاحب تلك المراحل الوعي الوطني من الأحداث والتي منها ثورة 48 الدستورية وانقلاب 55 في تعز وسبق ذلك تحرر بلدان كثيرة ن الاستعمار الفرنسي والإنجليزي بما في ذلك سوريا ولبنان وقيام ثورة فلسطين وحتى قيام ثورة مصر العظيمة وقبل ذلك الثورة الفرنسية. . . الخ كل ذلك حدث في فترة زمنية لا تتجاوز التسعة أعوام تقريباً "1947 1956" منذ أن غادرت اليمن وحتى التخرج،
وجاءت الحياة العملية وكانت البداية قد صاغت مجموعة الذكريات لتصبح مشروعاً ثورياً للتغيير الجذري في شمال الوطن وجنوبه ولمدة ستة أعوام "1956 1962"، ثم تفجرت الثورة وبعد ما يقارب ستة أعوام "1962 1968" أصبح المجموع اثني عشر عاماً، بالإضافة إلى ثلاثة أعوام في منطقة وادي بناء وعامين في العاصمة صنعاء وتسعه أعوام خارج الوطن وليصبح مجموع الأعوام ستة وعشرين عاماً حتى حدوث الحصار وبهذا أصبح المولود عمره 26عاماً ولا يمكن زحزحته والتغلب عليه،
من خلال المراجعة السريعة والعاجلة والتي هي بحاجة إلى تفاصيل كثيرة يجمعها سؤال "هل هذا الكفاح الطويل والتضحيات الجسيمة لشعبنا العظيم هل سينتصر الحصار؟
الجواب: "لا وألف لا" رغم الأخطار الجسيمة التي كانت تحيط بالعاصمة صنعاء وبالتالي الثورة والجمهورية، جاءت أفكار وتصورات فيما لو أن الحصار انتصر كم سيحدث من مجازر ومذابح نتيجة خمسة أعوام مضت فرضت الحرب على الجمهورية فرضاً؟
وبالمقارنة إلى ما سبق من أحداث في اليمن وهي في مجموعها لا تتجاوز أيام وأشهر وكانت تلك المذابح والمجازر في كل من صنعاء سنه 1948م أبيح خلالها العاصمة صنعاء وكذلك الحال كان سيحدث في تعز وتم تشريد الكثير وسجن الكثير من رجالات اليمن وحتى جاءت سنة 1957م تحت عنوان الخديعة الكبرى لمحاربة الإنجليز في حريب وهي في حقيقتها خسارة في الأواح والمعدات على اليمن وضد اليمنيين بعضهم البعض،الشمال داخليته والجنوب في داخليته والشمال والجنوب بعضهم ضد البعض الآخر،
وكذلك ما حدث في 1959م وتحدي الإمام للشعب اليمني في خطابة الشهير " هذا الفرس وهذا الميدان ومن كذب جرب" بعد عودته من روما عندما ذهب لتلقي للعلاج، وتم إلقاء هذا الخطاب في الحديدية متحديا الشعب اليمن ومشاعره ومفتتحا سلسلة من المذابح والسجون كان بدايتها قطع يد النقيب شرف المروني وإجهاض كل الإنجازات التي دفع من اجلها المخلصون الوطنيون الغالي والنفيس على طريق شق مستقبل جديد يؤثر على السياسة الحميديه،
إلى أن جاءت أحداث 1961م وكما كانت الحديدة ساحة المبارزة التي حددها الإمام بقوله " هذا الفرس وهذا الميدان" وعلى الرغم من أن نواة تنظيم الضباط الأحرار كان في بداية تشكيلة إلا أن الاستجابة كانت سريعة وفوريه كما طالب الإمام وباسم الجيش والشعب فلم تمض سوى فترة محدودة حتى كانت رقبة الإمام تحت أقدام البطين الشهيدين الملازم/ عبد الله اللقية والملازم/ محمد عبد الله العلفي وصاحبهما محسن الهندوانه، وكانت رصاصتهما فيما بعد هي التي أودت بحياة الإمام وجعلته يعيش مراحل احتضار عانى خلالها وتجرع أمر الكؤوس التي جرعها للأحرار وكاد نشاطه أن يتوقف ثم جاءت ثورة 26 سبتمبر لتجتث من على وجه الأرض اليمنية السياسية الخبيثة التي لم يعد لها قرار وبالتالي أسقطت وإلى الأبد كل تلك المظالم والسياسية القاتلة للشعب قضي عليها وإلى الأبد وعلى كل مظاهر الزلة وفتحت الأبواب على مصراعيها أمام اليمن ليطل على العالم بوجه جديد مادا يده لكل عون من الأشقاء والأصدقاء لمعالجة مختلفات الإمامة والإرث من الكراهية ومن الفقر والجهل والمرض والبطالة والخوف لم يستجيب بعض الجيران لنداء الثورة الإنساني والتعاون معها إلا أنهم وقفوا إلى جانب أعداء الشعب اليمني وعلموا على نصرة الباطل للأسف الشديد،
ولما هبطت الطائرة في مطار صنعاء الجنوبي والذي كان على وشك السقوط بعد سقوط المطار الدولي شمال العاصمة توقف شريط الذكريات ليبدأ التفكير في كيفية التعامل مع الواقع وهذا سيتم شرحه انطلاقا من مواجهة الحصار بالسماع والمشاهدة والممارسة في الموقع الثاني
كان هبوطنا في المطار والضربات تتواصل على المطار الجنوبي بصورة مستمرة، لكن نجونا ولم نصب بأي شظية من الشظايا التي انتشرت جراء الضرب وإذا بسيارة لا أتذكر تبعيتها نقلتنا من المطار إلى المنزل.
الباب الثاني: "الموقع الثاني التعامل مع الحصار داخل الوطن"
الفصل الأول: استكمال جمع المعلومات من الزيارات الميدانية
تقدير الموقف العام على الواقع المعاش:
كان الهدف والهم الأول منذ هبوط الطائرة في المطار الجنوبي المعرض لضربات العدو تقييم الموقف العام على الواقع حتى يمكن المقارنة بالمعلومات الأخيرة التي حصلت عليها قبل مغادرتي مصر بأيام قليلة، وكانت المعلومات الأخيرة التي حصلت عليها قد أوجزت باستبيان يوضح بنسبة مخيفة تقدر ب99% تفوق قوات الحصار على القوات التي تدافع لصد الحصار،
وبعد مغادرة المطار الجنوبي ودونما أضرار تصيبنا نتيجة الطلقات المؤثرة على المطار ولانشغالي بالتفكير في الحصار لم أعرف من قام بتوصيلي إلى المنزل، وعند وصولي فوجئت بآثار قذائف وأحدثت فجوة كبيرة في جداره وكانت آثار الشظايا واضحة على الجهة الشرقية من المنزل وكونه مبني من "اللبن" فأنه لم يتضرر كثيراً. غيرت ملابسي واتجهت بسرعة ناحية ثكنات الجيش في العرضي ابحث عن القائد العام الفريق / حسن العمري في مكتب وأخبرت أنه غير موجود في المكتب، وما لاحظته في العرضي وفي الساحة خارج المكاتب كان عبارة عن تجمعات صغيرة أكبرها تجمع لوزير الدفاع / عبد الكريم السكري وأخبرت أن القائد العام متواجد في الجهة الشمالية الشرقية "الحصبة" ذهبت إلى هناك ووجدت مجموعه من السيارات عليها السائقين وسألت عن القائد العام فأشاروا إلى ناحية الشرق، فتركت السيارة ومشيت فشاهدت الحرس الخاص بالفريق العمري فأسرعت بالمشي حتى وجدت الفريق وتعانقنا بحرارة لفترة قصيرة وجميعنا يفكر بكيفية الوقاية من الضربات الموجهة من المواقع الإستراتيجية ناحية العاصمة صنعاء، فالعاصمة كلها وبلا استثناء كانت معرضه للضربات بالأسلحة الثقيلة خفيفة الحمل كبيرة التأثير، تأكدت أن الحصار كان مفاجئ وبقوات كبيرة كانت قد اكتسحت مواقع قوتنا من الجهة الشرقية وهو قادم من جحانة ولديه خطط نارية وحصارية وحرب نفسية وإعلامية وقام العدو في تكتيكه بتقسيم صنعاء إلى أربع محاور الجنوبي والغربي والشرقي والشمالي، وكان لدى كل محور من المحاور قيادة مستقلة تتكون من ثلاثة أشخاص في المقدمة أحد الأمراء يليه شيخ ثم رجل عسكري، أو أمير فرجل عسكري فشيخ، يرافقهم بعض المستشارين والخبراء الأجانب المرتزقة والعاملين على الأسلحة الحديثة الخطرة والتي صنعت كما قيل حينها خصيصا لمرتفعات اليمن بشكل عام والمرتفعات المحيطة بصنعاء بشكل خاص، وبعد مقابلة القائد العام وإجراء حوار صغير معه حول مباشرة العمل توجهت إلى ثكنات الجيش في العرضي مرة أخرى وتحديدا إلى مكتب تم تخصيصه لنائب القائد العام للشئون المالية والإدارية والذي عينت فيه قبل مغادرتي للقاهرة، ومنذ تلك اللحظة بدأ التفكير بعمق في كيفية معرفة تفاصيل أكثر دقة، وفي تقدير الموقف العام إلى جانب دعوة أفراد من الشباب واللقاء معهم، وقد تم اللقاء بالمجموعة الأولى من الشباب القادمين من بستان السلطان،
كان من المهم أولا تحديد مصادر ومواقع ضرب النار للعدو حيث كانت قادرة على ضرب أي موقع في صنعاء ولمعرفة ذلك توجب القيام بزيارات ميدانية منها على سبيل المثال زيارة مبنى الإذاعة وقد تمت أثناء الضرب عليها من المرتفعات عيبان والتي كانت تتولى مواصلة الضربات المؤثرة والموجعة على المواقع العسكرية المدافعة والصامدة بالقطاع الجنوبي بالتنسيق مع المحور الشرقي والتي كانت تضرب صنعاء بالإضافة إلى الإذاعة، وقد حدث الضرب قبل غروب الشمس بفترة قصيرة كنت متواجدا خلالها مع الفريق العمري وبعض الأخوان في منزله القريب من الإذاعة وكان الفريق العمري قد أراد أن يذهب إلى المبنى كانت الطلقات متواصلة إلى درجة أن إحدى القنابل الصاروخية الخطيرة والمؤثرة قبل سقطوها بثواني على الحديقة المجاورة للإذاعة مرت بارتفاع لا يتجاوز السنتيمترات من السيارة التي استقلاليتها ومع ذلك وصلت مقرا الإذاعة ووجدت أفراداً من الفنيين يتحفزون لمباشرة إصلاح آثار ما تم ضربه ولكن بعد غروب الشمس وحلول الظلام وهو الوقت الذي تتوقف فيه القذائف الصاروخية عن السقوط على صنعاء حيث كان هذا من العيوب التصميمية لسلاح العدو لحسن الحظ كونه لو تم الضرب ليلا سوف يكشف مكانه ولهذا كان ينحصر الضرب بهذا السلاح في ساعات النهار فقط. <