عصام المطري
* ثمة العديد من الدوائر الانتمائية التي ينتمي إليها الفرد السوي العاقل ويولد الدافعية ومن ثم سلوك ما، فهنالك الانتماء للدائرة الذاتية، وهنالك الانتماء للدائرة الأسرية وهنالك الانتماء لدائرة العشيرة والقبيلة، وهنالك الانتماء السياسي والحزبي، وهنالك الانتماء الوطني، وهنالك الانتماء الديني، فالفرد لا يستطيع الاستغناء عن أي من هذه الانتماءات، فالفرد السوي العاقل هو الذي يجسد انتمائه إلى هذه الدوائر تجسيداً طبيعياً فيعطي لكل ذي حق حقه من الانتماء، ولا يخلق اضطراباً بين هذه الانتماءات، فهو ينتمي لذاته ولكن ليس على حساب الانتماء الأسري، فلا يغلب انتمائه الذاتي على انتمائه الأسري، وهو أيضاً ينتمي إلى الأسرة ولكن ليس على حساب الانتماء العشائري والقبلي، فيعطي انتماءه الأسري حظه من الرعاية والاهتمام ولا يهمش انتمائه العشائري والقبلي، وهو أيضاً ينتمي إلى العشيرة والقبيلة ولكن ليس على حساب انتمائه السياسي والحزبي، وليس على حساب انتمائه الوطني وانتمائه الديني، فيعطي لكل ذي حق حقه من الرعاية والاهتمام.
* إن الأزمة الاقتصادية والأزمة السياسية والأزمة الاجتماعية وكل الأزمات التي يعيشها الوطن اليمني والتي يعيشها العالم الإسلامي والعربي والتي يعيشها العالم الإنساني الكبير مردها إلى الكائن الإنساني الفرد الذي يخلق إضطراباً كبيراً بين دوائر الانتماء لتظهر ما يطلق عليها بأزمة الانتماء، فهنالك فرد أناني جداً للغاية يغلب انتمائه الفردي على انتمائه الأسري، وعلى انتمائه القبلي والعشائري وإلى انتمائه السياسي والحزبي وعلى انتمائه الوطني وعلى انتمائه الديني، فكل شيء له، وكل شيء حقه، وليس للآخرين أدنى حق، وهو على صح والآخرون على خطأ، هكذا يعتقد، وهكذا نجده متمثلاً في الزعامات والقيادات العربية والإسلامية التي ترى أنها تملك الوطن وأي معارضة لهم في ذلك خروج عن الولاء الوطني، كما نجد ذلك متمثلاً في الإدارة الأميركية التي تحكم العالم وتغلب انتمائها إلى ذاتها حتى لو كلفها ذلك مصادرة حق من حقوق الإنسانية وهو التمتع بالحرية، فتقضي على حرية واستقلال الأوطان باحتلالها كما حدث في احتلال أفغانستان واحتلال العراق.
* فحل هذه الأزمة المستعصية إنما يكمن في الفرد الإنسان السوي العاقل الذي يجب عليه أن يخرجنا من هذه الأزمة المدوية من خلال خلق الانسجام وعدم الاضطراب بين الدوائر الانتمائية من خلال انتمائه الطبيعي لكل دائرة من دوائر الانتماء، فينتمي إلى الذات في الحدود المعقولة قال الله سبحانه وتعالى مؤكداً هذا المعنى الأصيل: "ولا تنسى نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن الله إليك"، ولا يكون الانتماء الذاتي هذا على حساب الانتماء الأسري أو على حساب الانتماء القبائلي والعشائري، أو على حساب الانماء السياسي والوطني والديني، وهذا أي لن يتأتى التوافق في تجسيد الانتماءات المتنوعة إلا من خلال جعل الدين الإسلامي الحنيف هو المنظم الوحيد لتلك الانتماءات، فالدين يقول كلمته الفصل في تجسيد العديد من الانتماءات وهذا يعد حلاً لهذه الأزمة المستعصية فالانتماء الديني هو الذي يحدد علاقة الفرد السوي العاقل بدوائر الانتماءات العديدة، فنحن لا نستطيع مصادرة ومنع أي انتماء لأن ذلك سيكون خروجاً عن الفطرة مثلما الشيوعية حرمت على الإنسان حق الملكية وهذا يعد مصادماً للفطرة الإنسانية السوية التي فطر الله سبحانه وتعالى الناس عليها، فمن حق الإنسان أن يملك شيئاً حلالاً من حقه أن يملكه وليس أن يكون مديراً ويستولي على الأراضي الزراعية وغيرها بوجه حرام وليس له حق فيها فهذا مخالف للشريعة ومخالف للفطرة البشرية السوية التي فطر الله سبحانه وتعالى الناس عليها.
* إن أزمة الانتماء هذه عصفت بكل شيء جميل في هذا الوجود، وهي من وراء تخلفنا في العديد من مجالات الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والعلمية والتعليمية والتربوية والإعلامية والأمنية والعسكرية وغيرها الكثير من مجالات وميادين الحياة المتعددة والمتنوعة وهذا بفعل عدم تفعيل الدين الإسلامي الحنيف وجعله ضابطاً للسلوك الإنساني المستقيم وعدم مراقبة الله سبحانه وتعالى والبعد عنه، فذلك مصير الشيوعية والاشتراكية من الانهيار والتردي والسقوط والضياع، وهذا نصيب الرأسمالية البعيدة عن الله من أزمة مالية واقتصادية خانقة تبشر بسقوط المعسكر الغربي تلو المعسكر الشرقي ببضع سنين ليبقى شرع الله عز وجل هو الفيصل والمتمسكون بهذا الدين الإسلامي الحنيف هم وحدهم الذين سوف يسيطرون على العالم لكن نقصد بالمتمسكين بهذا الدين الإسلامي الحنيف هم أولئك الناس الذين يغلبون الانتماء للدين الإسلامي الحنيف على غيره من الانتماءات وهم الذين لا يعيشون أزمة انتماء أو اضطراب في العديد من الانتماءات والله المستعان.