;

الفجوة الرقمية والتبعية المنظمة 889

2009-04-18 03:42:06

بقلم :د. محمد قيراط

في مقال سابق تكلمنا عن الإعلام الجديد والإمكانيات والفرص الهائلة التي يوفرها لدول الجنوب لكسر آليات الرقابة والتحكم والعزلة والتهميش ومصادرة المعلومة والرأي.

الإعلام الجديد سلاح ذو حدين قد يفيد إذا أُستغل بطريقة مسؤولة ومدروسة ومنهجية وقد يؤدي إلى التبعية والتهميش والذوبان في ثقافة الآخر وقيمه وأفكاره وأيديولوجيته في حالة الاستخدام العشوائي وغير المسؤول.

لقد تفاءل الكثيرون بالثورة المعلوماتية والمجتمع الرقمي واستشرفوا مستقبلاً زاهراً للديمقراطية وحرية التعبير والرأي والمشاركة السياسية والحكم الراشد في الدول التي عانت لعقود طويلة من مصادرة الحريات والحكم الشمولي السلطوي المستبد.

لكن ما حدث في أرض الواقع هو العكس تماماً حيث بقيت الأمور على حالها لم تتغير، بل ما حدث في الواقع هو تهميش مزدوج، الأول حدث على المستوى الدولي بين الذين يملكون والذين لا يملكون، وتهميش على المستوى الوطني المحلي بين القلة التي تملك وتسيطر وتهيمن والأغلبية التي ما زالت تعاني التهميش والأمية والفقر.

فالإعلام الجديد لا يستطيع أن يحقق ما فشل في تحقيقه الإعلام القديم، كما أن تكنولوجيا الإعلام والاتصال لا تستطيع أن تفرز الديمقراطية وحرية الفكر والرأي إذا لم تتغير آليات الحكم وتؤمن وتقتنع الأنظمة بالتناوب على السلطة والتوزيع العادل للثروة واحترام الحريات الفردية وضرورة تغيير العقليات والذهنيات.

أصبحت الشبكة العنكبوتية اليوم وسيلة العصر والأداة الاستراتيجية المحورية في كل مجال من مجالات حياة المؤسسات والمنظمات والأفراد. نجد هذه الأداة الاستراتيجية في التجارة وفي السياسة وفي التعليم وفي التربية وفي الرياضة وفي الصناعات الثقافية والإعلامية وفي الدبلوماسية. . . الخ. ففي الواقع جاءت الثورة الاتصالية لتكرس تفوق الشمال على الجنوب ولتزيد الأغنياء غنى والفقراء فقراً.

فالثورة الاتصالية أدت إلى ظهور الشركات العملاقة المختصة في الصناعات الإعلامية والثقافية والتي تفوق ميزانياتها ميزانية دول بأكملها، بل قارات في بعض الأحيان. هذه الشركات أغرقت العالم بإنتاجها وأدت بذلك إلى توحيد الرؤية والفكر حسب المعطيات والمبادئ والقيم التي يفرضها صاحب السلطة والمال.

والإشكالية المطروحة في الثورة الاتصالية والإعلام الجديد هي أن الدول الصغيرة والفقيرة قد أقدمت على شراء التكنولوجيا لتواكب التطور، لكنها عجزت عن إنتاج المعلومة والمعرفة والرسالة الإعلامية التي توزع عبر هذه التكنولوجيا، وهكذا فإنها وجدت نفسها مضطرة إلى اقتناء المحتوى والمادة التي تُبث وتُوزع عبر الوسائل والتكنولوجيات المختلفة.

والإشكال المطروح هنا هو أن هذه المنتجات الإعلامية والثقافية وهذه المادة، التي تُقبل معظم الدول في العالم على اقتنائها من حفنة من الشركات العالمية العملاقة المتخصصة في الصناعات الإعلامية والثقافية، تحمل في مضامينها وطياتها قيماً ومبادئ قد تتنافى وتتعارض مع القيم المحلية لغالبية شعوب العالم، وهذه السيطرة على الإنتاج تؤدي كذلك إلى عولمة الثقافة ومن ثم تهميش الذي لا يستطيع الإنتاج والمساهمة في التراث الفكري العالمي.

هذه الظواهر لم تأت هكذا بطريقة عفوية أو بطريقة بريئة وإنما هي نتيجة لشبكة من الميكانيزمات والآليات التي تتحكم فيها قوى خفية تسيطر على المركب العسكري الصناعي الاتصالي على المستوى العالمي.

وهكذا تأتي الثقافة العالمية كجزء لا يتجزأ من العولمة والنظام الدولي الجديد الذي يفرض نفسه بقيادة الولايات المتحدة الأميركية في غياب القطبية الثنائية. الثقافة المعولمة في إطار النظام الدولي الجديد لا تؤمن بالتنوع الثقافي ولا بالخصوصيات الثقافية عند مختلف شعوب العالم وإنما تؤمن بقانون البقاء للأقوى.

فمقولة الوسيلة هي الرسالة تفرض نفسها في عالم اليوم حيث نلاحظ ان حفنة من دول العالم تتحكم في محتوى شبكة الانترنت على سبيل المثال، وعندما تكون لغة هذه الشبكة هي اللغة الإنجليزية ب 85 وأن ثلاثة أرباع المواقع الموجودة على الشبكة مواقع أميركية وأن شبكة الهواتف في مدينة نيويورك تفوق بكثير شبكة الهواتف في قارة إفريقيا بكاملها.

وهكذا نلاحظ أن الهوة بين الدول المالكة لتكنولوجيا الاتصال وللصناعات الثقافية والإعلامية والدول المستهلكة سواء للتكنولوجيا أو لمحتواها تزيد عمقاً يوماً بعد يوم ولصالح الحفنة القليلة التي تملك وتنتج حسب قيمها وأهدافها واستراتيجيتها.

وهكذا فإن ظهور المجتمع المعلوماتي في الربع الأخير من القرن العشرين يفرض تحديات كبيرة ومهمة أمام دول الجنوب حيث ضرورة إعادة النظر في سياسة البحث العلمي وصناعة المعرفة والاستثمار في الصناعات الثقافية والإعلامية.

لم تُستغل الفضائيات العربية، التي يفوق عددها ال 500، كما ينبغي ولم تقدم في غالبيتها شيئاً يذكر للثقافة العربية وللموروث الثقافي العربي سواء على المستوى المحلي أو الدولي، حيث نلاحظ أنها تتسابق في تقديم المنتج المستورد المعلب.

فالحل إذن، يكمن في وضع سياسة اتصالية وإعلامية تقوم على أسس علمية وعلى معطيات ودراسات على مستوى كل دولة عربية، ثم التفكير في توحيد الصفوف ووضع استراتيجية اتصالية وإعلامية على مستوى الدول العربية وهذا لمواكبة المجتمع المعلوماتي وحتى لا يبقى العرب يعيشون على الهامش يستقبلون ولا يرسلون.




 

الأكثر قراءة

الرأي الرياضي

كتابات

كلمة رئيس التحرير

صحف غربية

المحرر السياسي

سيف محمد الحاضري

2024-10-14 03:09:27

القضاء المسيس ..

وكيل آدم على ذريته

أحلام القبيلي

2016-04-07 13:44:31

باعوك يا وطني

أحلام القبيلي

2016-03-28 12:40:39

والأصدقاء رزق

الاإصدارات المطبوعة

print-img print-img
print-img print-img
حوارات

dailog-img
رئيس الأركان : الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر

أكد الفريق ركن صغير حمود بن عزيز رئيس هيئة الأركان ، قائد العمليات المشتركة، أن الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر، مبيناً أن تشكيل مجلس القيادة الرئاسي الجديد يمثل تحولاً عملياً وخطوة متقدمة في طريق إنهاء الصراع وإيقاف الحرب واستعادة الدولة مشاهدة المزيد