حصار صنعاء 1967 1968
بدأ الكادر الفني التابع للإذاعة بإجراء الإصلاحات وبجدية وتفاعل وصدق مع النفس كخلية نحل، حاولت البقاء معهم والمساعدة بما لدي من خبرة متواضعة في مجال أجهزة الاستقبال والإرسال ومن حسن الحظ أمكنني الإطلاع على كيفية إنجاز موقع تبادلي لجهاز الإرسال وما يتعلق به من أسلاك بعيداً عن تأثير الضربات ومن مصاحبتي لجهاز الاستقبال في الموقع الأول خارج الوطن وما كانت تقوم بها الإذاعة من أعمال في غاية الأهمية بواسطة برامج لا يزال تأثيرها في نفسي حتى اليوم والذي تم ذكره سابقاً كانت الإذاعة هي الموقع الأول الذي قمت بزيارته،
كان الموقع الثاني الذي قمت بزيارته ميدانيا هو اللواء العاشر والذي يقع على إحدى مرتفعات عصر القريب من العاصمة وكانت تلك الزيارة في منتصف اليوم أي وقت الظهر تقريباً وكان هناك ضرب من قوات العدو القادمة من المرتفعات المتسلسلة لجبل عيبان الاتجاه الشمالي الغربي، لقد كان تأثير هذه الضربات واضحاً.
صور نادرة للبطولة:
بمجرد الوصول إلى قرب موقع اللواء العاشر وعلى بعد عدة أمتار من الطريق الإسفلتي وجدنا مكاناً للسيارة دونما تأثير لحسن الحظ،
كانت الزيارة مفاجأة لمن كان في الموقع وقد كانوا مقسمين إلى مجموعتين منهم من يقوم بحفر قبور واسعة لدفن الشهداء، والمجموعة الأخرى تتولى الرد على تلك الضربات والتي لا زالت تصوب عليهم من قبل العدو في موقعهم الهام جداً والذي إذا ما تمكن الأعداء من السيطرة عليه سيسبب أخطار جسيمة ويسهل مهمة الأعداء لدخول صنعاء، وأهم ما أتذكره من تلك الزيارة رغم أستمرار الاشتباك مع العدو ودفن الشهداء أن الإذاعة الملكية كانت تذيع في حينه ما مفهومه ولفظه "نداءات إلى الشعب اليمني أن الشيوعيون الذي يقاتلون الشعب اليمني مذهبهم لا زوجتك لك ولا بقرتك لك ولا حقك لك" إذا ببعض أفراد من اللواء العاشر يعلق على ذلك، هذا ما كان يحدث في عهد الملكية أما اليوم فنحن أتينا للتجنيد ونعرف أن زوجتك لك وحقك لك. . . الخ،
وإن دل هذا على شيء فإنما يدل على صور نادرة من صور البطولة والصمود والمقاتلين محاصرين وصامدين.
أرواح الشهداء محلقة في السماء:
أثناء قيام أفراد اللواء العاشر بدفن شهدائهم في مواقعهم اقترحت عليهم أن ينقل الشهداء إلى العاصمة ليتم تشييعهم ودفنهم بأعداد رمزية من أفراد المعسكرات فكانت الإجابة "إن أرواح الشهداء محلقة في السماء وما يتم دفنه هنا بالمعسكر ليس سوى أجسادهم وهذا أشرف لهم وأكثر ضماناً لنا في حماية الثورة والجمهورية والعاصمة"، لفت انتباهي أن من بين أفراد اللواء العاشر عدد من الضباط على قدر كبير من الوعي والفهم ولكن لعدم توفر وحدات يمكن أن يتولوا مهمة قيادتها لم يكونوا أكثر من أفراد يدافعون عن الوطن،
الخلاصة: أن الصمود والوعي الوطني هو ما يمكن الرد به على إذاعة الملكية والملكيين.
الموقع الثالث الذي قمت بزيارته ميدانياً في ثكنات الجيش كان العرضي، وفي العرض كان هناك مستودع صغير توجد فيه كمية قليلة من الذخيرة الحية ولكنها هامة بالنسبة لنا، ولم يكن يعرف مكان ذلك المستودع " إلا إبليس" ومع ذلك فقد استطاع العدو معرفة وتحديد مكانه وتمكن من ضربه وحال سماعي لصوت الانفجار اتجهت إلى العرضي مباشرة وإلى المستودع، كان ولا يزال الضرب مستمر عليه ووجدت على بعد أمتار قليلة من ذلك المستودع عدداً من الأخوان يختبئون في بهو قريب من المستودع يقيهم من تأثير تلك الضربات وأثناء سماع إنفجارات الذخيرة في المستودع سألتهم" لماذا أنتم هنا تسمعون إنفجارات الذخيرة ولا تقومون بإنقاذ ما يمكن إنقاذه وأنتم تعرفون أهميتها بالنسبة لنا وحاجتنا إليها؟"
لقد لاحظت انه قبل سقوط القذيفة على الأرض يسمع لها أزيز ما سمح بسحب وإنقاذ بعض الذخائر من المستودع والعودة بها إلى البهو، وقد تم إنقاذ كمية لا بأس بها من الذخيرة وحماية ووقاية أنفسنا في نفس الوقت ساعد في ذلك وجود ثلاثة جدران من "اللبن أمكن دفعها وتغطية المستودع بأنقاض هذا الجدران الذي غطى كمية من الذخيرة،
كانت منطقة السواد شمال العاصمة صنعاء هي تقريباً الموقع الرابع الذي قمت بزيارته وهو أحد المواقع العسكرية الهامة وكانت الزيارة أثناء اشتباك قواتنا مع قوات العدو كمحاولة حيث كانت القوه المعادية تقوم بالضرب مع المحور الشرقي وتصب قذائفها على هذا الموقع بعد استطلاع لمعرفة مكان الوقود المخزن في الموقع ومحاولة توجيه الضربات لإحراقه بالإضافة إلى ضرب قطع الأسلحة الثقيلة وعدد من الدبابات ومدافع الميدان أثناء مشاهدة الحريق هرعت للمساعدة وكان الوقت تقريباً قبل غروب الشمس محاولاً المشاركة بالتغلب على إطفاء الحريق وتشجيع المدافعين على مواصلة عملية الصمود، الموقع الخامس الذي تم زيارته مع العميد الأخ/ حسين الدفعي نائب القائد العام للشئون الحربية، كانت الزيارة لمجموعة فصائل من سلاح المظلات، تمت الزيارة أثناء الليل وكان أفراد هذا السلاح يقومون بحراسة المنطقة من أي اعتداء قادم بشكل حرب عصابات، كنا نتصافح مع الجنود في جنح الظلام بعد معرفة كلمة السر ولازلت حتى الآن أتذكر تلك الأيادي التي كانت برودتها مقاربة لبرودة الثلج، تصافح بحماس وبحركة يملؤها الفخر والاعتزاز،
مصنع الغزل والنسيج كان الموقع السادس الذي قمت بزيارته حيث كان هناك عدد قليل من الخبراء الصينيين يتواجدون في المصنع، لقد كانت الضربات الموجهة للمصنع من المحور الشرقي متواصلة على ما يقارب الساعتين ، تم التنقل بين ردهات المصنع المختلفة بالرغم من تلك الضربات وذلك لرفع الروح المعنوية لدى العاملين وما يستحق تسجيله هنا هو ملاحظة بقاء القائم بالأعمال الصيني بالعاصمة والقائم بالأعمال السوري فقط، أما بقية السفارات فقد غادر بعضهم العاصمة والبعض الآخر غادر اليمن،
جاءت الزيارة السابعة إلى موقعي نقم وبراش وقد ساعدت هذه الزيارة في مشاهدة مواقع الأعداء لارتفاعها ومعرفه تكرار محاولة احتلال هذين الموقعين بواسطة حرب العصابات أثناء الليل،
كانا هاذان الموقعان من المواقع الهامة والإستراتيجية رغم محدودية مساحتها، وبالنسبة للجهات الأربع فإن حمايتها للعاصمة صنعاء ضد الهجوم كان مهما للغاية لوجود كهوف لا يزال فيها بعض الذخائر والأسلحة القديمة وبالتالي يمكن حماية قصر السلاح، المركز الرئيسي لتمويل الجيش والعاصمة،
لقد كانت العاصمة صنعاء معرضه للضربات الثقيلة الموجهة من المرتفعات الجنوبية والشمالية الشرقية بشكل مكثف، كما تضمنت تلك الزيارات المستودع الرئيسي الممثل بقصر السلاح وبعض مخازن فرعية لبعض الوحدات لمعرفة مدى توفر الإمداد والتموين وكانت النتائج مخيفه إلى أبعد الحدود مما ضاعف الاهتمام للقيام بعمليات هجومية من داخل العاصمة وخارجها، كذلك تم زيارة عدد من المواقع العسكرية الأخرى والتي تتواجد فيها المدفعية وتقع في السهول الجنوبية ، لقد كانت هذه المواقع صامدة صموداً بطولياً يصاحبه تضحيات جسيمة ولكن وبصفة عامة كانت معظم هذه المواقع تقوم بعمليات دفاع ولم يكنه لديها المقدرة على القيام بعمليات حربية هجومية من داخل العاصمة بأي شكل من الأشكال إلا نادراً، ومن هنا يتضح أن السيطرة والتحكم من قبل قوات الأعداء المحاصرين للعاصمة صنعاء تفوق قدرات المدافعين عن صنعاء.
وما لاحظته أن الأخ/ عبد الكريم السكري كان لا يزال يمارس أعمال وزير الدفاع بالرغم من أن هذا المنصب قد ألغي وحل محله منصب القائد العام، كان التسابق في الاجتهاد ظاهرا وواضحا وهذا بدوره أثر على التسلسل القيادي، صحيح انه كان نافعاً في ذلك الوقت ولكنه ترك أثراً سلبياً على القوات المسلحة فيما بعد، إن النقص الواضح في ملكات الجيش من ضباط وصف وجنود كبيراً والأهم هو عدم وجود إمداد وتموين بسبب إحكام الحصار على المثلث الذي كان يدعم القوات المسلحة ويمدها بإمكانيات كثير بشرية ومادية، لقد قطع الحصار شريان الحياة على مستوى البر بحصار طريق صنعاء تعز وطريق صنعاء الحديدة واستطاع شل حركة مطار صنعاء الدولي وتمكن من محاصرة المطار الجنوبي والمطار المؤقت في الحصبة ومحاصرة العاصمة صنعاء من قبل السبع فقد تمكن من قطع السلع التي كانت صنعاء تتبادلها مع السبع القبل تمكن من قطع السلع التي كانت صنعاء تتبادلها مع السبع القبل ومنها أعواد الحطب للوقود واللحوم من الأغنام والأبقار مقابل ما تحتاجه السبع القبل من السلع التي هي بحاجتها من صنعاء، لقد استطاع الحصار منع عملية تبادل السلع هذه في حين قدم بعض السلع الضرورية والهامة للسبع القبل.
واستكمالا لحصار العاصمة فقد قام العدو بضرب المستودعات التي تضم المواد والذخائر التموينية الأخرى داخل العاصمة نفسها حيث كانت العاصمة والقوات الصامدة من الجنود والشباب والجيش الشعبي في أمس الحاجة إلى الإمداد والتموين ومن هنا أتضح بأنه إذا لم يتم إسعاف العاصمة بالإمداد والتموين بأسرع وقت ممكن فإن الحل لن يكون إلا التسليم أو الاستسلام، خلال الإقامة في العاصمة صنعاء لما يقارب العشرين يوماً بعد العودة إلى الوطن كان الموقف العام قد أظهر جوانب هامة من خلال الزيارات الميدانية والأهداف التي تمخضت عن تلك الزيارات حيث تم الوقوف على واقع يدل بوضوح على تفوق العدو.
كان القاضي عبد الرحمن الإرياني رئيس المجلس الجمهوري القائد الأعلى متواجداً في الحديدة والفريق حسن العمري رئيس الوزراء والقائد العام في صنعاء، ولا يزال وزير الدفاع حسين السكري يمارس عمله كوزير دفاع، معظم الإجراءات تتم بالاجتهادات وهذا بدوره يؤثر إلى حد كبير على مفاصل القوات المسلحة وإن كان مفيداً في الظروف الراهنة حين ذاك إلا أن له تأثيرات سلبية في المستقبل القريب والبعيد، وما علمته عن غرفة العمليات عدم وجود تخطيط وبرامج يوميه منطلقة على المدى القريب والبعيد وأن ما يجري ويحدث هو التنسيق المنطلق من الاجتهادات لا من حيث الأوامر العسكرية المترتبة على التسلسل القيادي الذي يعتبر غاية في الأهمية لاستمرار الصمود. <