عصام المطري
* عاش الأعراب قبيل بعثة النبي والرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم أزمة دين بما تحتويه الكلمة من معنى، ولم يتحصلوا على دين شامل يهديهم إلى الصراط المستقيم، فكان من عمرو بن يحيى أن أمرهم بعبادة الأصنام وهو في أحد سفرياته إلى المدينة المنورة، فعبد الأعراب الأصنام التي ليس لها شريعة تنظم كافة مجالات الحياة السياسية والاقتصادية والثقافية والعلمية والأمنية والعسكرية وغيرها الكثير من مجالات الحياة المتعددة والمتنوعة، فاتخذوها عبادة لهم في تلك الفترة التي انقطعت فيها علاقة السماء بالأرض، وانقطع الوحي.. وانقطع ابتعاث الأنبياء والرسل، فعاشوا أزمة دين حقيقية، وبعضهم تعبد على الحنفية الإبراهيمية كورقة بن نوفل، فاشتد البلاء واشتدت معاناة الناس.
* ومن جديد وبعد معاناة ساحقة عادت علاقة السماء بالأرض واختار الله عز وجل لهذه المهمة محمد بن عبدالله الصادق الأمين عليه أفضل الصلاة وأبلغ التسليم، فبعث النبي والرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم وعادت علاقة السماء بالأرض، فواجه العرب بهذا الدين ودعاهم إليه فالتحق وانضم إليه من يرغب بالالتحاق والانضمام لهذا الدين الجديد ولم تعد هنالك أزمة دين مطلقاً، فالدين الإسلامي الحنيف جاء مبدداً لهذه الأزمة العصية المدوية، ورفع الرسول والنبي الأعظم صلى الله عليه وسلم شعار المرحلة الجديدة "لا إله إلا الله" فعرضوا عليه الرئاسة والزعامة والمجد فرفض كل ذلك وقال: "والله يا عمي لو وضعوا الشمس عن يميني والقمر عن يساري على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتى يظهره الله أو أهلك دونه".
* فقام الرسول والنبي الأعظم عليه أفضل الصلاة وأبلغ التسليم بواجب الدعوة وكان أن مكن الله للإسلام فانتشر انتشاراً عجيباً ودخل الناس في دين الله أفواجاً وجماعات، وأقام الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم الدولة الإسلامية الأولى في المدينة المنورة، وشاد أعظم حضارة إنسانية على وجه التاريخ وجاء الخلفاء من بعده وانتشر الإسلام في أرجاء المعمورة، وأقيمت أعظم وأنبل حضارة إنسانية أسعدت العالم بأجمعه، وكفلت حرية الأديان استجابة إلى قول الله سبحانه وتعالى في محكم الآيات البينات: "لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي"، وهكذا امحت أزمة الدين وتدين الناس بالدين الإسلامي الحنيف، وتمسكوا به عقيدة وشريعة ومنهاج حياة وكان أن نظم الدين الإسلامي الحنيف جميع مجالات الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والعلمية والإعلامية والأمنية والعسكرية وتوالت على الإسلام أيام عداء وفتك كادت أن تعصف بهذا الدين عصفاً، ومرت أزمات عديدة في ظل حكم هذا الدين هي راجعة في الأساس إلى أزمة التدين، فعندنا اليوم أزمة تدين نعاني منها الشيء الكثير، فالمسلمون اختلفوا وانقسموا مذاهباً وشيعاً وأحزاباً، فكان لكل مذهب قول ورأي، وما تذكرنا نعمة الدين الإسلامي الحنيف قرآناً وسنة.
* إن أزمة التدين في العصر الحديث هي أزمة مدوية وعصية على الحل والتبديد فمختلف الأقطار والأمصار الإسلامية والعربية تعاني من هذه الأزمة المدوية التي أكلت الأخضر واليابس وأهلكت الحرث والنسل وقضت على كل شيء جميل في هذه الحياة، فاليوم ما عادت هنالك أزمة دين وإنما الدين بين ظهرانينا بيد أننا نعاني من الطريقة في التعبد به، فتعبدنا به غير صحيح لأننا انقسمنا مذاهباً وشيعاً وأحزاباً وكل حزب بما لديهم فرحون، والأصل ألا نغلب الانتماء المذهبي بل نجسد حقيقة الانتماء لهذا الدين الحنيف عقيدة وشريعة ومنهاج حياة قرآناً وسنة نبوية مطهرة، فلنغلب انتماءنا للدين الإسلامي الحنيف قرآناً وسنة نبوية مطهرة ذلكم أن هذا هو الحل الوحيد لهذه الأزمة المدوية فليس من الدين أن يقتل أبناؤنا وأخواننا وآباءنا في غزة ونحن واقفون نتفرج فهذه هي أزمة التدين التي منعتنا من الجهاد في سبيل الله لنصرة الشعب الفلسطيني الأعزل.
* ولئن كانت أزمة التدين مدوية وعصية على التبعيد والحل فإن ذلك يستدعي منا بذل الممكن والمستحيل من أجل تبديد سحب هذه الغمامة ونؤكد على انتمائنا للدين الإسلامي الحنيف قرآناً وسنة نبوية مطهرة، ونترك التعصب المذهبي الذي لا يثمر في العصر الحديث، ذلك أن الناس تقدموا وتطوروا ونحن ما زلنا نراوح في مكاننا، فالواجب علينا أن نتدين كما أمرنا الله سبحانه وتعالى في الكتاب المبين القرآن الكريم، ونتدين كما أمرنا الرسول والنبي الأعظم في السنة النبوية المطهرة، فعقيدتنا واحدة ورسولنا واحد وديننا واحد علينا أن نعض عليه بالنواجذ من أجل الحراك الإسلامي الراشد، وتحطيم قيود الأغلال والانهزام والتقهقر في زمن صعب لا يرحم إلا الأقوياء ويدوس على الضعفاء والأمة الإسلامية والعربية ضعيفة بالانقسام المذهبي والحزبي فهي تحت الأقدام، في هذا الزمن الرديء الذي لا يرحم أحداً والله المستعان.