محسن الصفار
يحكى أنه في قديم الأيام كان هناك تاجر منّ الله عليه ورزقه من المال الوفير, وكان الجميع يتحدث بالنعمة التي أنعمها الله عليه وكان طيب القلب ويؤدي كل ما عليه من فروض وزكاة لماله ويتصدق ولكنه كان في نفس الوقت مكروهاً من قبل بعض الناس بسبب عادة غريبة لديه وهي رفضه إعطاء أي قرض لأي شخص مهما صغر مبلغ القرض أو علت مكانة الشخص!! حتى أن بعض الأشخاص ضاق ذرعاً بهذا الأمر فذهبوا واشتكوا الأمر إلى القاضي الذي استدعاه إلى مجلسه وخاطبه قائلاً:
- أصحيح يا أبا أحمد ما يقال عنك؟ أيعقل أن يبدر هذا منك؟
- وما يقال أيها القاضي الفاضل يا من يعرف الجميع أنك تقي وعادل؟
- يقال انك لا تقرض أحداً المال مهما اشتدت حاجته وضاقت به الحال.
- هو كذلك أيها القاضي هو حق وليس بالكلام الفاضي!!
- وكيف ذلك وأنت الكريم؟ ولا يرد حاجات الناس إلا اللئيم.
- هو يا سيدي أمر لي فيه حكمة وانا قلبي طيب ولم تعدم فيه الرحمة.ولكني اهرب من اعطاء القرض كما يهرب الجسم السليم من المرض !!فاعفني من هذا الأمر كفاك الله كل شر
- سأرأف يا أبا أحمد بحالك, وأعطيك الفرصة يوماً كي تقرض رجلاً من مالك, فإن لم تقرض أحداً حتى الغد فسأقيم عليك الحد.
- أمرك أيها القاضي ,يا من كلامه كحد السيف ماضي
خرج أبو أحمد من عند القاضي مهموما وذهب إلى دكانه وجلس فيه بينما خرج المنادي يعلن في كل المدينة ان كل من يريد أن يطلب قرضاً من التاجر أبو أحمد عليه أن يأتي إلى دكانه ويقابل أبو أحمد ويقدم طلبه وقبل صلاة العشاء سيكون أبو أحمد قد اختار رجلا واحدا يقرضه المال ويعطيه إياه.
تجمع الناس حول دكان أبو أحمد وكل يمنّي النفس بأنه هو من سيحصل على القرض فتح أبو أحمد باب الدكان وجلس في المقدمة وجلس إلى جانبه كاتب المحكمة وشاهدين كي يثبتوا عملية إعطاء الدّين.
دخل أول رجل إلى الدكان وسلّم وقال:
- السلام عليكم أيها الكريم يا من أدعوا الله له بالرزق المستديم.
أجابه أبو أحمد:
- عليكم السلام أيها الأخ الحبيب أبلغنا حاجتك وسنحاول أن نجيب.
- أنا لي حاجة من الدنانير عشر, أردها لك قبل ان ينتهي الشهر.
- وكم مرة في الأسبوع تستحم كي يرتاح بدنك ويستجم؟
تعجب الجميع من هذا السؤال الغريب والغير متوقع من أبو أحمد ولكن الرجل ردّ عليه:
- أستحم مرة كل أسبوع, إما في النهر أو في ينبوع.
- اعتذر منك أيها الحبيب فلست لطلبك مجيب
خرج الرجل كسير الخاطر ودخل رجل آخر إلى الدكان وسلّم على أبو أحمد ولما سأله أبو أحمد كم يطلب من المال أجاب:
- لي حاجة من الدنانير مئتين أردها إن شاء الله بعد شهرين.
كرر أبو أحمد سؤاله الغريب حول الإستحمام فردّ الرجل:
- أستحم مرتين كل أسبوع ولكن ما دخل هذا بالموضوع؟
- أعتذر لك أيها الصديق, فلن أقدر أن أرفع عنك ما بك من ضيق.
خرج الرجل حزيناً ومتعجباً من السؤال الغريب لأبي أحمد ودخل بعده رجل آخر سلّم على أبي أحمد وردّ على سؤاله حول المبلغ الذي يريده بالقول:
- أريد من الدنانير ألفين لا اردها إلا بعد عامين!!
ولما سأله أبو أحمد عن الاستحمام أجاب:
- أستحم كل يوم فأنا مثل البط أحب العوم!
- أبشر ايها الحبيب فأنا لطلبك مجيب
ناول أبو أحمد المال للرجل وسط ذهول كل الشهود وكاتب المحكمة الذي لم يستطع أن يصبر وسأل أبو أحمد:
- ما هذا التصرف الغريب, أترفض من يرضى بالقليل, ومن يطلب الكثير تجيب؟
- هذا هو واقع الحال ,وسجل عندك أنني قد أقرضته المال, كما أمر القاضي وقال.
- ولكن ما علاقة الاستحمام, بإقراض المال والاستلام؟
- أقول لك ايها الصديق, بكلام حساس ودقيق, اليوم يأخذ الرجل المال برضاه, ولكننا لن نسترده حتى نقبّل قفاه, فقررت وأنا الضعيف, أن أقرض الرجل النظيف, حتى إذا اضطررت لاسترجاع مالي أن أقبل مؤخرته, لم تزهق روحي من كريه رائحته! هل فهمت الآن؟
وكل قرض وأنتم بخير.