عصام زيدان
علاقة إيران مع الدول العربية تتخذ أشكالا مختلفة ومسارات متعددة على حسب قابلية كل دولة وتناغمها ووضعها في خريطة الأهداف الثورية الإيرانية، فهناك دول تسمح وضعيتها باحتلال جزء من أراضيها، وأخرى بالتهديد وإعدادها لتكون قابلة للاستعمار، وثالثة بالاستقطاب خارج البيت العربي، ورابعة ببث الخلايا فيها وهكذا. .
فمع الإمارات العربية، لم تجد إيران مشكلة كبيرة في احتلال الجزر الثلاثة، مع التمسك بالرفض الدائم لإعادة هذه الجزر لأصحابها، أو الدخول في مفاوضات أو تحكيم بشأنها، وقدزعم المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية حسن قشقاوي مؤخرا أن الجزر الثلاث طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى، المتنازع عليها مع الإمارات العربية المتحدة، جزء لا يتجزأ من الأراضي الإيرانية وستبقى على هذا النحو دائما.
وأطلقت إيران عدة تهديدات مستهدفة دولة البحرين، واعتبرتها المحافظة الرابعة عشر التي يجب أن تستظل بظل الدولة الفارسية، ومن قبيل ذلك المقال الذي ورد بصحيفة "كيهان" الإيرانية الرسمية، حيث اعتبر فيه كاتبه "حسين شريعتمداري" المستشار الإعلامي لمرشد الثورة علي خامئني ومدير الاستخبارات الإيرانية السابق "أن للبحرين حسابا منفصلا عن دول مجلس التعاون في الخليج، لأنها جزء من الأراضي الإيرانية، وأن المطلب الأساسي للشعب البحريني حاليا، هو إعادة هذه المحافظة إلى الوطن الأم، ثم جاء من بعد ذلك تصريح "علي أكبر ناطق ناطوري" مستشار خامئني خلال الأيام القليلة الماضية ليعيد القضية مجددا إلى الساحة الإعلامية، معتبرا أن البحرين هي المحافظة الرابعة عشرة من إيران. .
واستغلت إيران الخلافات العربية واستثمرتها في شد الضلع السوري من المنظومة الثلاثية التي ضمت القاهرة والرياض إلى جانب دمشق، ودخل الطرفان السوري والإيراني في تحالفات سياسية واستراتيجية لم تفلح أية محاولات عربية لتفتيتها، بما في ذلك قمة الرياض الرباعية الأخيرة.
وتمكنت إيران من مد ذراعها القوي المسمى بحزب الله في لبنان، والذي يسعى لخطف البلد برمته لحساب المشروع الإيراني سواء بالمد العسكري أو بالممارسة السياسية، وهذا بات من المسلمات السياسية التي لا تحتاج إلى براهين وأدلة، بعدما اعترف به زعيم حزب الله حسن نصر الله في أكثر مناسبة، وأكدته الممارسات الواقعية.
وفي العراق امتدت اليد الإيرانية كذلك من خلال الفرق التي تدين لها بالولاء والطاعة سواء على المستوى العسكري أو السياسي، لإدخال بغداد في دائرة النفوذ الإيراني، وقد تم لها ذلك بالفعل على مستوى الوزارة الشيعية المتنفذة.
ثم يأتي دور الخلايا النشطة في ممارسة أدوارها في دول عربية أخرى لخدمة المشروع الإيراني على نحو ما يحدث في اليمن من تمرد الحوثيين على النظام، عسكريا، وعلو صوتهم السياسي المتمرد في المملكة العربية السعودية،ومطالبتهم بالانفصال بالجزء الشرقي من المملكة.
وأخيرا نجد الخلايا النائمة التي تكمن في بعض الدول العربية الأخرى في انتظار الوقت المناسب كي تؤدى أدوارها لخدمة المخطط والنفوذ الشيعي، وهذا ما اعترف به الرئيس الإيراني أحمدي نجاد في عام 2006، حينما هدد بتفعيل "دائرة الانتحاريين" لمهاجمة دول الخليج وأي دولة "صديقة للولايات المتحدة"، حين أثيرت أحاديث عن نية الولايات المتحدة مهاجمة إيران، وهذا ما أتضح مؤخرا في الخلية التابعة لحزب الله التي أوقفتها مصر مؤخرا.
والسؤال الذي يتبادر إلى الذهن عن ملابسات هذه العلاقة التي طرفها الإيراني فاعل باستمرار وفي سعي مستمر لخدمة مشروعه وايدلوجيته، والذي في مقابله الصف العربي في موقف المتفرج يكتفي بالكشف حينا عن خلية هنا ومجموعة كامنة هناك دون قدرة استراتيجية على المقاومة والأخذ بزمام المبادرة. . فهل إيران بالفعل هي ذلك الوحش الأسطوري الضخم الذي بمقدوره قلب الأوضاع العربية وتغيير الخريطة المذهبية والسياسية للمنطقة العربية ولا طاقة للعرب بمواجهته؟
بمعنى آخر: لماذا الصراع العربي الإيراني يسير دائما في صالح الطرف الأخير؟ وهل يقوى العرب على المواجهة؟
بداية نقول انه لا يستطيع أي قارئ للأوضاع الإقليمية أن يقلل من قوة إيران وقدرتها، والتي تستمدها من مصادر متعددة منها:
أولا: وجود المشروع الأيدولوجي الذي لا يختلف حوله الساسة وإن اختلفت طرائقهم في الوصول إليه والتعبير عنه. . فالدولة متوجهة ناحية مشروعها وتوظف له كافة إمكانياتها، ولا خلاف البتة يعوق هذا المشروع أو يقوضه أو ينقص من قيمته.
ثانيا:قدرة القادة على اختلاف توجهاتهم، السياسيين منهم والدينيين، على قراءة الواقع الإقليمي والعالمي بصورة متميزة، وحسن التعاطي معه وتوظيفه لخدمة المشروع الايدولوجي، مع حسن توقع استراتيجي يمكنها من اقتناص الفرص والإعداد الجيد لقادم الأيام.
ثالثا: الوفرة الاقتصادية من حيث مصادر الطاقة الممثلة في البترول أو الغاز الطبيعي، وهو ما يمكنها من تحقيق طموحاتها في الواقع العسكري والتقني، خاصة في المجال النووي، والتخلص من التبعية المستدامة للغرب.
أما على الصعيد العربي إجمالا، وعلى النقيض تماما، فثمة مظاهر لا تخطئها العين، تجعل من الدول العربية منطقة مفتوحة ومستباحة للمشاريع الخارجية وفي مقدمتها المشروع الإيراني ومنها:
أولا:غياب المشروع الداخلي لكل دولة على حده، والذي تلتف حوله القيادة ومواطنيها، ويملئ الفراغ الايدولوجي الذي بفقده تتطلع الدول المنافسة إلى ملئه بايدلوجيتها ومشروعها، وكذا غياب المشروع العربي الجماعي.
ثانيا:غياب الطموح السياسي عند غالب القادة العرب والرغبة في الاحتفاظ بالاستقرار الداخلي في بلدانهم ، على حساب الاهتمام بالوضع الإقليمي ومواجهة الرغبات والطموحات الخارجية.
ثالثا: الفشل في إحداث نهضة تنموية على كافة المستويات خاصة الاقتصادية والعسكرية، والدوران في الأفلاك الغربية والتعويل عليها برغم مما أحدثه ذلك من عثرات وتخلف خاصة في الجانب التقني والعلمي، بخلاف الجانب الإيراني الذي كسر هذا الطوق.
رابعا: الفشل في دمج الطوائف والعرقيات المذهبية في إطار الدولة الواحدة، وهو ما ساهم في استغلال الأطراف الخارجية لهذا الطوائف كطابور خامس ومحور ارتكاز يتسلل من خلاله للدول العربية محدثا الفتنة والقلاقل.
خامسا: فشل المنظومة العربية في احتواء الخلافات داخل الإطار العربي والدخول في تحالفات وصراعات وتكتلات مع الأنظمة والدول الإقليمية الأخرى، التي استغلت هذه الخلافات والتجاذبات لدعم مشروعها وتوجهاتها.
الفرق إذن بين إيران والدول العربية يكمن برأينا في أمرين اثنين:
الأول:في وجود المشروع الايدلوجي الحالم.
الثاني:في الإرادة السياسية الحاملة لهذا المشروع التي توظف كافة الطاقات والإمكانيات وتصهرها في بوتقة واحدة وتستخدمها كوقود لمشروعها.
ومع ذلك فإيران في وضعيتها الحالية، رغم وجود المشروع والإرادة، ليست ذلك الوحش الأسطوري الضخم الذي تحدثت عنه الأساطير اليونانية القديمة والذي مواجهته أو التفكير فيها ضرب من الجنون، بل هي كغيرها من الدول تعاني من إشكاليات سواء في الداخل أو في علاقتها مع البيئة الخارجية، ومواجهتها لا تحتاج إلا لقفزة خارج قفص العجز العربي،وحسن استغلال لموارد المتاحة على اختلاف أنواعها.
فالمشكلة الرئيسة نجدها في العجز العربي وليس في قوة إيران المطلقة.