الهادي الزريبي
"اتفق العرب على أن لا يتفقوا"، شاع هذا التعبير بين الأوساط العربية، ولكنني كنت أمقته وأثور في حماس تلقائي- في وجه كل من ينطق به؛ وها إني بكل أسف أفتتح به مقالتي لا طوعا مني واختيارا وإنما غيظا وإحباطا.
غريب أمرنا، والله كلما شعرنا، بل قل قبل أن نشعر بالابتهاج والارتياح لما أسفر عنه مؤتمر الدوحة من نتائج، وقعت النكسة، وانتكاساتنا كثيرة وكأنها مكتوبة على الجبين، لذلك ها أننا نرى رأي العين ونسمع ملء السمع ونحن لا نصدق ما نرى وما نسمع ما يقع بين مصر وحزب الله.
إن تصريح الوزير الأول المصري صبيحة يوم الثلاثاء 15 الماضي / 4 يكشف عن عمق الأزمة التي تعيشها الحكومة المصرية فهي متألمة وثائرة، ولعل ذلك شعور طبيعي يعبر عن عمق الأزمة، ولكن غير الطبيعي أن تتخذ هذه الحكومة من حزب الله ذريعة لما تشعر به من فشل على عدة أصعدة: فشل على الساحة الداخلية حيث تنامت المعارضة وتوحّدت صفوفها من طلاب وعمال وأحزاب. وفشل ذريع وإحباط مؤلم على مستوى الساحة الخارجية.
نعم لقد شعرت بعد رحيل بوش أنظمة عديدة بشيء من الاهتزاز، وتصرفت كل منها حسب ما أملته عليها ظروفها، بل قل معدنها وطبعها؛ وإن كل من راهن على بوش الصغير واعتمد عليه وبنى سياسته ومستقبله على مخططاته شعر الآن، لا بالألم فقط، وإنما بالخيبة المرة، وهو ما فهم من تصريح أبو الغيط "إن مصر لا يمكن أن تكون وصيفة للملكة الفارسية المتوجة، لأن مصر أميرة في محيطها" كلمة قصيرة ولكنها معبرة وصادقة لأنها تكشف عما في النفس من حسرة على المجد الضائع الذي ساهم في صنعه الشيطان الكبير الذي رجمته أحذية العرب في العراق الجريح.
صحيح، إن مصر كانت أميرة في محيطها لما كانت دولة من دول الطوق والممانعة، دولة تصون ولا تخون، تجمع ولا تفرق، تقوي ولا تضعف؛ ولكن لو كانت كما إدعى وزير خارجيتها أميرة في محيطها لما غابت عن قمة الدوحة وما"..." وما "...".
وقد تبين الآن أن غيابها كان بسبب انشغالها بمخطط تنسف به ما اتفق عليه العرب في هذه القمة وتطعنهم في ظهورهم.
إن كلمة أبو الغيط صادقة فعلا لأنها أكدت الحقيقة التي يماري البعض فيها أحيانا ويشكك: أين مصر العروبة؟ أين مصر الصمود؟ من المؤكد أن الشعب المصري الأصيل، والمناضل لا يرضى بمثل هذه المواقف المخزية وسيعمل على إخماد هذه النار المشتعلة.
كثيرون يستمدون قوتهم من الغير ولا يعتمدون لا على الله ولا على أنفسهم وإنما على قوى، لا أقول وهمية، وإنما قوى زائلة وغير صادقة ومخادعة ومتقلبة، ومع ذلك فهم يعتمدون ويراهنون عليها لأن وجودهم مرهون ببقائها، لذلك عبدوها وخضعوا لها واستكانوا. لقد تغيرت الأمور فالسياسة الأمريكية الحالية غير السياسة السابقة بحيث لم يعد التهديد بتقسيم منطقة الشرق الأوسط قائما، كما سقطت مقولة شرق أوسط جديد موسع؛ كذلك تراجع الأمريكان عن تصدير الديمقراطية وفرضها بالقوة.
لقد حدث تطور واضح في سياسة البيت الأبيض، ولكن بعض العرب مازالوا على منهجهم القديم، فنحن قوم نوفي بالوعد، وملكيّون أكثر من الملك، وإن التغيير الحاصل في أمريكا سينتج عنه مما لا شك فيه تغيير في العالم عموما وفي المنطقة العربية بالخصوص، وسيكون الأمر خطيرا إن لم نستفد من هذا التغيير.
لقد أيقنت شخصيا أن المصالحة العربية كانت بدافع ذاتي من الرؤساء العرب وقد أملاها وعجل بها الوضع الدولي والإقليمي، ويظهر أن مصر لم تكن مقتنعة برأي الأغلبية لذلك غابت عن القمة.
كما أعتقد أن ما يجري حاليا في الساحة العربية وبالذات المعركة المفتعلة بين مصر وحزب الله ليست مسألة خاصة، ولا يعتبر الحديث فيها تدخلا في الشؤون الداخلية، وإنما يقتضي الواجب منا المساهمة في معالجة هذه القضية الخطيرة ومحاولة تفكيك هذه القنبلة الموقوتة التي سيتطاير شظاها في أنحاء الوطن العربي، وستلحق الضرر بالجميع، والمستفيد الوحيد من ذلك هو العدو الصهيوني وحكومته المتطرفة بحيث يساعدها ذلك على إنجاح مخططاتها.
إن المسألة جد خطيرة وعلى الشعب العربي وبخاصة في المنطقة المشرقية أن يكون أكثر وعيا بما يجري حوله، ومدركا لأبعاد هذه المآمرة التي تحيكها أيدي الصهيونية وينفذها الحقد والأنانية.
