بقلو/ طلال عوكل
بالرغم من طابعه الهادئ الظاهر على محياه، وما تفرضه أحكام السن وطول وعمق التجربة، إلا أن المبعوث الأميركي لعملية السلام السيناتور جورج ميتشل لم يكن ليغادر إسرائيل دون أن يترك أثراً، فما سمعه من مضيفيه كان كافياً لتوليد الإحباط وربما الغضب، لكن السياسي المخضرم وكأنه لا يكترث.
في مستهل زيارته الأولى بعد الانتخابات الإسرائيلية، افتقد المبعوث الأميركي حسن ضيافة وزير الخارجية العنصري المتطرف أفيغدور ليبرمان، الذي أسمع الضيف كلاماً لا يليق بممثل للحليف التاريخي والاستراتيجي القوي، الذي ما قصر يوماً في إظهار أقصى التأييد والدعم لإسرائيل.
ليبرمان رد على ميتشل الذي جاء إلى المنطقة لتنشيط المفاوضات وعملية السلام، رد عليه بقول مباشر بأن الطريق إلى السلام باتت مسدودة، وبعد انتهاء المؤتمر الصحفي أدار ظهره للضيف وغادر القاعة كأنه يريد استكمال توضيح رسالته.
وبالرغم من أن رجلاً كميتشل لا تفوته مثل هذه الإشارات، وما تنطوي عليه من معاني في السياسة، إلا أنه حافظ على هدوئه، ولم يبدر منه ما يفيد انزعاجه، مستكملاً طريقه إلى رئيس الحكومة بينيامين نتنياهو الذي أظهر بدوره عنصرية وتعنتاً يفوق ما بات معروفاً عن وزير خارجيته.
نتنياهو أكمل الرسالة، بتدمير كل أمل في إمكانية تنشيط المفاوضات وتفضيل عملية آنابوليس، حين اشترط علنياً على الفلسطينيين ضرورة الاعتراف بالطابع اليهودي لدولة إسرائيل، وفي الحقيقة يعرف نتنياهو وكذلك ميتشل أن الشرط الذي يطرحه رئيس الحكومة الإسرائيلية لمعاودة المفاوضات، يشكل الوصفة الأفضل لإنهاء كل حديث عن السلام. يعرف هؤلاء وينبغي أن يعرف من لا يعرف بأن العالم سيمل انتظار فلسطيني واحد يقبل بهذا الشرط، الذي يعني بدون شرح أو تفسير وقوع نكبة أخرى شبيهة بنكبة العام 1948.
إن اعتراف الفلسطينيين بالطابع اليهودي لإسرائيل يعني بالضبط الموافقة على أن تقوم الدولة العبرية بطرد كل الفلسطينيين المتمسكين بأرضهم المحتلة منذ عام 1948، فضلاً عن وضع المزيد من التراب على حق اللاجئين بالعودة إلى الديار التي أرغمتهم العصابات الصهيونية على مغادرتها عام 1948.
شرط الاعتراف بيهودية الدولة الإسرائيلية يعود لشارون الذي طالب عام 2002 بتعديل خارطة الطريق، بما يشمل أربعة عشر تحفظاً بما في ذلك مسألة يهودية إسرائيل.
في حينه ومن واقع إدراكه لخطورة هذه المسألة، اكتفى الرئيس الأميركي السابق جورج بوش الابن، بالقول إنه سيأخذ هذه التحفظات بعين الاعتبار عند تطبيق المبادرة، ولكنه عاد وضمنها في رسالة الضمانات التي قدمها لشارون في الرابع عشر من ابريل عام 2004، وكرر التأكيد عليها في أكثر من مناسبة.
الفلسطينيون ردوا على الفور، بما معناه أن إسرائيل هي المسؤولة عن تعطيل عملية السلام، واشترطوا لعودة المفاوضات، أن تتوقف حكومة نتنياهو عن سياسة توسيع وتسمين المستوطنات، وأن تعلن التزاماً صريحاً برؤية الدولتين وكذلك وقف سياسة تهويد القدس.
ولو حاولنا تجاوز مساحة الخلاف الواسعة بين الفلسطينيين والإسرائيليين فإن ما يتم الإعلان عنه، من سياسات ومواقف يشير إلى أن حكومة نتنياهو تقف على طرف يتناقض نظرياً مع المجتمع الدولي بما في ذلك الولايات المتحدة.
ما صدر حتى الآن عن إدارة الرئيس أوباما يشير إلى أنها جادة في دفع عملية السلام، وبذل جهد قوي في هذا الاتجاه لتحقيق سلام شامل على كل المسارات التفاوضية وليس مع الفلسطيني وحسب، وإنها تدعم بقوة الحل وفق رؤية الدولتين وفي إطار عملية آنابوليس.
بالمقابل تتحدث إسرائيل عن أنها لن تتنازل عن هضبة الجولان السورية المحتلة، وأنها لن تعترف بحق عودة اللاجئين، وستواصل التمسك بالقدس عاصمة أبدية موحدة لإسرائيل، وتشترط لقبول حل الدولتين أن يعترف الفلسطينيون بالطابع اليهودي لدولة إسرائيل. ولأن حكومة نتنياهو تقف على هذه الأرضية السياسية فإنها تخرج باستنتاج صحيح من أن الطريق إلى عملية السلام مسدود.
على أنه ما إن غادر ميتشل إسرائيل والأراضي المحتلة، حتى انشغلت حكومة نتنياهو في البحث عن كيفية التهويد، مما شاهد وسمع المبعوث الأميركي والعالم من صور وتصريحات وإعلانات لا تجد من يتعاطف معها بما في ذلك قسم من اللوبي اليهودي الأميركي.
نتنياهو عاد ليقول إن مسألة اعتراف الفلسطينيين بالطابع اليهودي لإسرائيل لا يشكل شرطاً لمعاودة المفاوضات، وإنما كان القصد من الإعلان أن تؤخذ هذه المسألة بعين الاعتبار وبعد ذلك عقد لحكومته اجتماعاً خاصاً ظهرت خلاله خلافات واسعة بين أطراف الائتلاف الحكومي بشأن الموقف من المفاوضات وعملية السلام، وانفض الاجتماع دون اتفاق.
ويبدو أن حكومة نتنياهو تبحث في الواقع عن أسباب ووسائل للتهرب من تقديم إجابات واضحة، والمراهنة على سياسة المماطلة والتأجيل واستهلاك الوقت إلى أن تتمكن من إشعال حروب ضد ما تسميه الإرهاب، حتى تحرف الأنظار لبعض الوقت عن التركيز المطلوب على مهمة تنشيط ودفع العملية السلمية.
كان نتنياهو قد طلب من السيناتور ميتشل بضعة أشهر، حتى يتمكن من بلورة الإجابات السياسية على أسئلة المبعوث الأميركي بشأن عملية السلام، غير أن طلبه الغريب قوبل بعدم الموافقة، وربما الاستهجان، مما أدى إلى تأجيل زيارة نتنياهو لواشنطن إلى نهاية شهر مايو المقبل، بدلاً من بدايته كاستجابة جزئية للطلب الإسرائيلي.
هذه المواقف والسياسات، قدمت إلى الواجهة الموقف العربي من مبادرة السلام العربية، وهو موقف اختلف بشأنه العرب رغم أن الأغلبية في قمة الدوحة أصرت التمسك بها ارتباطاً بأفق زمني، وحملها الملك عبد الله ملك الأردن نيابة عن العرب إلى واشنطن التي يُحملها العرب بما في ذلك الفلسطينيين المسؤولية عن تليين السياسة الإسرائيلية.
وكاستكمال لهذه الوجهة التي تستهدف تعزيز العمل السياسي العربي على المستوى الدولي ظل الفلسطينيون يؤكدون التزامهم بالسلام، وكذلك فعل الرئيس السوري بشار الأسد، الذي قال إن موقف بلاده من السلام مبدئي ولا يرتبط بما تتخذه أو لا تتخذه إسرائيل أو غيرها من مواقف وسياسات إزاء هذه المسألة. <
كاتب فلسطيني