حصار صنعاء1967 1968
معركة جسر عصفره:
وقبل خوض معركة جسر "عصفره" الإستراتيجية وحفاظاً على أرواح النساء والأطفال بشكل خاص في كل من القريتين المطلتين على الجسر وتجنبا لسفك الدماء بشكل عام كان لا بد من إجراء محاولة غير مباشرة مع قائد حامية الجسر "الهادي" وكنت قد تعرفت على الشيخ / علي الموجاني والذي قدم نفسه وتأييده للثورة وللجمهورية. وكوني كنت أجري كل مقابلاتي وحواراتي في نطاق من السرية إلا إن النقيب / أحمد المطري لاحظ وجود الشيخ الموجاني بالقرب مني وبادر بالحديث عنه من أنه ملكي، ومع احترامي للنقيب / أحمد علي المطري إلا أن جوابي " كان أن عليك الاهتمام بعملك الذي أنت مكلف به وحديثي مع الشيخ الموجاني هي فرصة لاختبار ومعرفة مصداقيته".
كان حديثي مع الشيخ الموجاني بعد أن انصرف النقيب المطري حيث كلفته بالذهاب إلى قائد الحامية "الهادي" ليطرح عليه التسليم وله الأمن والأمان من قبل الثورة والجمهورية بعد أن يقوم بتسليم الأسلحة الثقيلة والمتوسطة إن وجدت ويحتفظ بالأسلحة الشخصية وله حرية الانطلاق إلى أي مكان يشاء هو ومجموعته ويا حبذا لو انظم للحملة مع جماعته وتم دخولنا صنعاء سوياً.
ذهب الشيخ / علي الموجاني إلى قائد حامية الجسر وطرح عليه المقترح حقنا للدماء وكان جوابه التحدي ومن خلال الألفاظ التي حملها الشيخ الموجاني أنه لم ولن يسلم أو يستسلم إلا إذا مرت جنازير الدبابات على أجسادهم. كنت اعتقد أنه أكثر ذكاء وأنه سوف يقدر أن موقفه أصبح خطيراً من خلال سقوط موقع هامة جداً كانت تحميه وتحمي الجسر كما ذكرت سابقاً كجبال المكحلة وسفوح النبي شعيب وأنه لم يتبقى له سوى أعالي القمم في جبل النبي شعيب، المواقع لن تكون قادرة على السيطرة على تلك المواقع. ولكني ولحرصي الشديد على حقن الدماء كلفت الشيخ / علي الموجاني أن يعود مرة أخرى إليه برسالة مكتوبة خلاصتها ما سبق في الرسالة الشفوية حتى تكون وثيقة للتاريخ وبراءة للذمة، وأضفت هذه الفرصة أعطيناها لك وهذه رسالة مكتوبة كوثيقة، أملاً أن تعيد تقدير الموقف والمهلة المتاحة أمامك ليست إلا ساعات قليلة فقط وليس لدينا من الوقت ما نضيعه. وأتذكر أن الشيخ علي الموجاني وقبل أن يذهب بالرسالة المكتوبة قال لي : "يا إبني هذه بندقيتي مع بندقيتك، لدي القناعة الكاملة أنهم سوف يرفضون" ، ذهب الشيخ الموجاني بالرسالة وعاد ليؤكد رفضهم واستعدادهم للقتال، فقلت في قرارة نفسي هذه إرادة الله. كان قائد كتيبة المشاة الهجومية قد دفع بما يساوي فصيلة إلى نهاية بيت القرماني القريبة من الجسر والمعرضة إلى أخطار ضربات من مواقع العدو في أعلى قمم جبل النبي شعيب، ورغم بعد المسافة فقد أصابت بعض تلك المقذوفات بعضاً من قواتنا ببعض الأضرار.
كانت الأوامر قد صدرت إلى أطقم الأسلحة الثقيلة بالقيام بمهمتين الأولى هي الاشتباك مع مواقع العدو في أعالي قمم جبل النبي شعيب والثانية هي القيام بعمليات عسكرية لتطهير منطقة جسر عصفرة وكانت المجموعة الأولى قد باشرت الضرب بين الساعة الثانية والثالثة من بعد ظهر ذلك اليوم أما المجموعة الثانية فقد باشرت الضرب حوالي الساعة الخامسة على حامية الجسر وأثناء الضرب وقبل حلول الظلام تصادف أن إحدى قذائفنا أصابت مخزنا كبيراً للأعلاف فأحرقته وسببت اشتعالاً كبيراً، وبما أن الظلام قد حل وكانت ألسنة اللهب ما زالت تتصاعد سبب ذلك انتشار الهلع والفزع بين السكان وهروب الأطفال والنساء وقد ساعد ذلك الحملة في الهجوم بضراوة وشراسة بعد أن ضمنوا أن النساء والأطفال قد تم فرارهم.
كانت كتيبة المشاة الهجومية على أتم الاستعداد لمباشرة الهجوم وبدأت الأسلحة الثقيلة الملحقة بها من مدافع هاون مباشرة الضرب على المواقع لتطهير ما تبقى من جيوب للأعداء، وفي حوالي الساعة الثانية من صباح يوم 6 فبراير احتلالها وفي الصباح الباكر كنا قد استطعنا الاستيلاء على المواقع كاملة وتم تسليم تلك المواقع إلى القوات الدفاعية التي كان قائدها النقيب / أحمد المطري. وفي هذه الأثناء كانت الوحدة الميكانيكية قد باشرت عملها بإصلاح طريق مؤقتة بجوار الجسر بقيادة المهندس / محمد مريط بالرغم من أن بعض الطلقات النارية من الأسلحة الخفيفة ما زالت تسمع هنا وهناك مما أدى إلى إصابته بإحدى الطلقات وبهذا تكون قد منحته وسام شرف ، وقد استمر إصلاح تلك الطريق بصورة مؤقته إلى اليوم التالي. حيث وأن إصلاح الجسر الرئيسي سوف يتطلب وقتاً أطول ولم تكن الإمكانيات ولا الوقت متاحة لذلك.
ويمكن تلخيص بقية أحداث هذا اليوم بالتالي:
1- استمرار ومواصلة الضرب على مواقع العدو في القمم الإستراتيجية لجبل النبي شعيب من قبل أطقم قطع الأسلحة الثقيلة،
2- مواصلة إصلاح الطريق
المؤقت بجانب جسر عصفرة بقيادة المهندس/ محمد مريط.
3- في الصباح الباكر طلبت من رئيس المجلس الجمهوري بالحديدة تحريك قافلة الإمداد والتموين المعدة للعاصمة صنعاء المحاصرة والتعجيل بوصولها وفعلاً تم تحريكها فوراً وفي ظهر ذلك اليوم تم وصول قافلة الإمداد والتموين وقد ساعد وصولها في إضعاف معنويات العدو حيث وقد خُيل لهم بأنها قافلة قوات مسلحة إضافية جديدة "كان لوصولها أثر كبير في أعماقي".
4- تم استقبال بعض المجاميع من أهالي القرى المجاورة وكان أهمها أهالي قرية يازل حيث قدموا ولاءهم للثورة والجمهورية، وقد شكرتهم على ذلك. وأصر أهالي قرية يازل ومن معهم من القرى المجاورة على تقديم عدد من الأبقار والأغنام الصغيرة كبادرة حُسن نية وتعبيراً عن تأييدهم للثورة والجمهورية، وأضافوا أن تلك الذبائح ضيافة للحملة أما ضيافة القائد فستكون لدينا غداً في قرية يازل لتناول وجبة الغداء. لم أكن أبداً لأتنبه لما هو المراد من الضيافة وما وراءها من غدر علماً بأن الواجب كان يحتم علي الحذر والتدقيق في بعض التفاصيل أثناء الهجوم على حامية الجسر فيما يخص مصير قائد الحامية وأفرادها، ولكني ونظراً لعدم ميلي إلى سفك الدماء اعتبرت أن فرارهم سيوفر علينا الوقت وسيساهم بالتسريع في الدفع بقافلة الإمداد والتموين إلى العاصمة صنعاء. وكنت قد قررت أنه أثناء انشغال المضيفين بإعداد وجبة الغداء سوف يتم استغلال هذا الوقت في تمرير قافلة الإمداد والتموين عبر قرية يازل في طريقها إلى العاصمة صنعاء تفادياً لأي احتمال بأن يكون وصل للعدو أي معلومات عن الحملة واستطاع ترتيب قواته في كلٍ من سفوح جبل عيبان الغربية وجبل النبي شعيب الشرقية وبالتالي جبل عيبان الغربية وجبل النبي شعيب الشرقية وبالتالي التحكم في قاع السهمان الذي يقع فيه الطريق الإسفلتي ومحاولة منا لإعاقة هذا الاحتمال فالأفضل أن ندفع قافلة الإمداد والتموين في رابعة النهار وأن نحتفظ بمسافات واسعة بين عرباتها لتخفيف الأضرار.
5- إعطاء راحة لكتيبة المشاة القتالية الهجومية استعداداً للمشاركة في العمليات الحربية الأخيرة على مواقع الأعداء على قمم جبل النبي شعيب.
وعلى أساس أحداث يوم 6/2/1968م، تم وضع برنامج العمليات الحربية لليوم التالي 7/2/1968م.
أحداث يومي 7-8 فبراير 1968م:
كانت مواقع العدو في المحور الغربي تتساقط الواحد تلو الآخر بفضل الضربات القوية للحملة الرئيسية التي نفذت حسب برامج العمليات الحربية اليومية ولم يتبق إلا المواقع الأخيرة على أعالي قمم جبل النبي شعيب لتعدد تلك القمم وكانت خطط العمليات الحربية لاحتلاله قد وضعت إلى جانب خطة العمل فيما يتعلق بدفع قافلة الإمداد والتموين إلى العاصمة صنعاء. كان من الأهداف الهامة إلى جانب دفع القافلة والتي يجب أن تصل إلى صنعاء مهما كانت الأخطار هو منع العدو من التمركز في قمم جبل النبي شعيب واحتلال المواقع الإستراتيجية الهامة على طول المحور الغربي من قبل قواتنا المسلحة.
بدأنا بتنفيذ خطة دفع قافلة الإمداد والتموين إلى العاصمة صنعاء في الساعة الثانية عشرة والنصف ظهراً وكان الاقتراض أن المضيفين مشغولون بتجهيز الغداء لضيافة القائد ، وكنت قد رأيت أن هذه فرصة ثمينة للتحرك إلى العاصمة صنعاء مهما كانت العوائق مع القافلة، وبمجرد ظهورنا على مغربة يازل وإذا بالضيافة التي دعي إليها القائد من قبل أهالي يازل تتحول إلى وابل من الرصاص بمختلف أنواع العيارات النارية من سلاح خفيف ومتوسط تم توجيهها إلى سيارة القائد ومن حسن الحظ كانت القافلة لم تتحرك بعد سيارة القائد لقرب المسافة وأصبحت سيارة القائد تشبه المنخل لكثرة الرصاص الذي أصابها إلا أن الأقدار السماوية قد تدخلت ولم يصب أحد من الخمسة الأفراد بمن فيهم القائد بأي أذى أعطيت الأمر للسائق بالعودة للوراء وبسرعة قفزت أثناء حركة السيارة إلى مجرى سيل إسمنتي كان يوجد على جانب الطريق من الناحية اليسرى كانت القفزة قوية وسريعة وكان اتكائي على القدم اليسرى شديداً مما سبب إلتواء شديداً ولجأت إلى أقرب ساتر طبيعي وكان السائق قد عاد بالسيارة إلى الخلف والرصاص لا يزال مستمرا وبصورة كثيفة وأعطيت الأمر فوراً لجميع قطع الأسلحة والناقلات والتي كانت قد شكلت صفاً واحداً أبتداءً من الجسر إلى قبل مغربة يازل بعدم التحرك مهما كانت النتائج وعدم نشر أو تفشي خبر هذا الكمين بأي شكل من الأشكال وكان المرافقين والأخ / محمد قائد عنقاد " الذي أصر على مشاركته ومرافقتي رغم محاولتي إقناعه بالبقاء في صنعاء كونه وحيد والده إلا أنه أصر على المشاركة لوطنيته ولم يفارقني حتى الانتصار" قد اكتشفوا تجويفاً ترابياً على بعد عدة أمتار من مغربة يازل كان واقي لهم تم اللجوء إليه إلى جانب ذلك كانت طلائع القافلة التي عبرت جسر "عصفره" وشكلت صفا واحداً بمسافات منتظمة قد حماها التل الترابي الكبير الكائن بين قرية يازل وقرية حسن القارة، ونتيجة لفشل الكمين فقد تغيرت مواقع إطلاق النار وانتقلت من على قرية يازل إلى أعلى المواقع في قمم جبل النبي شعيب واستمر إطلاق القذائف بكثافة على مقدمة قافلة الإمداد والتموين من الساعة الوحداة تقريباً وحتى ما قبل حلول الظلام.