شكري عبدالغني الزعيتري
رجل شهد له بين أهالي حارته ولدى أبناء قريته بتقواه وأمانته ونزاهته و القرب من الله تعالي بصلواته والحفاظ على أوقاتها وزيارة المرضى وأداء الأمانات إلى أهلها والحفاظ عليها حتى اهتمامه بإزاحة الأذى عن الطريق وغير ذلك من أعمال الخير والبر وكان لوجود هذا الورع والتقوى وأعمال الخير والصلاح والإصلاح طبيعة نفسه وشخصيته التي كانت تتصف بالرأفة للغير من ود للرجال ورحمة بالنساء وعطف على الأطفال . فقوة الإيمان بالله ورقة النفس ورهافة المشاعر الإنسانية هي من كانت تحرك جسده نحو العمل لكل ما هو خير ونحو التعامل مع الآخرين بكل ما هو طيب . كما انه رجل يتحلي بالزهد عن الدنيا لا تهمه ولا تشغل باله ولا يلهث نحو مادياتها ولهذا كان فقيرا لا يملك العقار ولا المال إلا بما هو كاف لقوت يومه والذي كان يحصل علية كراتب شهري عن تقاعده من وظيفته العامة التي كان يعمل بها منذ سن شبابه وحتى حان خروجه للتقاعد وكان لورعه و تقواه الذي اشتهر به وحفظه لأمانات الناس وحرصه على أداءها لأصحابها كثيرا ما يدفع غيره من الأشخاص لإيداع الأمانات لديه سواء من صكوك بصائر أراضيهم وممتلكاتهم أو أموالهم ومجوهراتهم .. ولهذا فقد اجتمعت لديه كأمانات مودعة للآخرين مجوهرات ومبالغ مالية نقدية قدرت قيمتها ( بخمسة مليون ريال ) ومجموعة بصائر أراضي لآخرين وكانت محفوظة في منزله وبصندوقه الخاص الذي كان مقفلا ومخبأً بحفرة تحت بلاط غرفة نومه .. وحيث كان له من الذرية ابنه وقد قام بتزويجها وكانت الأكبر واثنين من الذكور في سن الشباب وعزم على تزويج الابن الأكبر الذي انهي دراسته الجامعية وحصل على فرصة عمل فكلف الأم والابنة بالبحث عن فتاة عروس لابنه فكان ذلك بان وجدن فتاة مناسبة من بنات قريتهم وبعد التنسيق مع أهلها سافر الأب وزوجته وابنيهما إلي القرية لخطبتها وكان لهم ذلك أن تحقق وحدد موعد إقامة العرس فعادوا إلي مدينة تعز التي كانوا يسكنونها ومستقرين فيها لإعداد الترتيبات والتجهيزات للعرس وعند اقتراب اليوم الذي حدد فيه إقامة العرس عزم الرجل التقي الأب السفر وكافة أفراد عائلته للقرية لإقامة العرس فيها لان تكاليف الزواج في القرية اقل من المدينة فشد رحاله وأبنائه ومتاعهم وتجهيزات عرس ابنه وسافروا إلي القرية وهناك أقيم زواج ابنه وكان الجميع فرحا بهذا الزواج وحين أتموا الزواج جمعوا باقي متاعهم وهداياهم التي حصلوا عليها من ضيوفهم الذين توافدوا لإجابة دعوة الرجل التقي الأب ومن كافة المستويات الاجتماعية إذ منهم من سافر من مدينته لمجابرة عرس ابن هذا الرجل التقي الصالح والعديد من الضيوف حملوا له ولابنه الهدايا حبا وإجلالا للأب.. عادت الأسرة والعروس إلي مدينة تعز وحين وصلت السيارة التي أقلت الأسرة جميعا وتوقفت أمام باب المنزل نزلت الأسرة منها و فتح الرجل التقي باب منزله ودخل إلي منزله وجميع أفراد أسرته وحين اتجه هو إلي باب غرفته فإذا به يري بابها وقد هشمت مغلقته وكسر قفله فدفع الباب ودخل الغرفة إذا به يري مخبئه الخفي وقد نبش وصندوقه وقد كسر قفله ومفتوح فأصابه حينها الهلع وجلس أمام الصندوق ليفتش محتوياته فرأي أن المجوهرات والمال النقدي قد سرق ولم يبقي السارق إلا الأوراق (مجموعة البصائر ) فجلس أمام الصندوق يمعن النظر مفجوعا مذعورا متعجبا يغرق مع أفكاره صامتا ودخلت عليه زوجته ورأته ورأت المنظر فهلعت ولطمت وبكت وقالت له اذهب بلغ العسكر والأمن فحينها لم يكن يجمع حسا وعقلا وفكر وبعد مرور ساعتان من الحزن بداء يرجع إليه التفكير حتى استقر ذهنه واطمأنت نفسه بإيمانه بالله القوي .. وعليه انطلق إلي قسم الشرطة المختص بالنطاق الجغرافي الواقع فيه منزله وحين وصل دخل وطلب مقابلة مدير قسم الشرطة فدله احد الجنود علي مكتبه فذهب متجها إليه ودخل علية ووقف أمامه ويداه تنتفض رعشا وكلامه يتلعثم مفجوعا وبدا بسرد شكوى قصته لمدير قسم الشرطة وذاك يسمع منه وحين انتهي قال له مدير الشرطة حرر بلاغ خطي واشرح فيه ما ذكرت ففعل الرجل التقي وقدمها لمدير الشرطة الذي بدوره دون عليها توجيها قال فيه الأخ مندوب البحث الجنائي لاتخاذ اللازم ولما ورد ببلاغ الشاكي وأمره بالذهاب به إلي مكتب مندوب البحث الجنائي المجاور لمكتبة ففعل وحين قراء مندوب البحث الجنائي التوجيه الخطي . أمر بتجهيز سيارة الشرطة وأربعة جنود وخبير البصمات وقبل الانطلاق تحدث بصوت خفي هامسا في إذن الرجل التقي قائل له أعطيني ثلاثون ألف ريال أجرة العسكر وأتعاب خبير البصمات وقيمة بترول للطقم فاحمر وجه الرجل وغير راضي دفع وبعدها انطلق مندوب البحث وجنوده إلي منزل الرجل وتم اخذ البصمات من علي الصندوق وأبواب المنزل والبحث لعلهم يجدون دليل ما وبعد ثلاث ساعات عاد جميعهم إلي قسم الشرطة وتم أخذ أقوال الرجل التقي من خلال توجيه الأسئلة له : س : هل تشك في احد .. ؟ أجاب : ( لا ) . س : هل لك أعداء أو خصوم ... ؟ أجاب : ( لا ) . س : هل رأيت أحداً غريب نهاراً أو ليلا يتجول في الشارع أو حول منزلك خلال هذا الشهر أو من قبل .. ؟ أجاب : (لا) .... الخ من أسئلة واستجواب وانتهي يوم عمل مندوب البحث إذ كان الوقت قد قارب الساعة الحادية عشر ليلا . فقال مندوب البحث للرجل عد إلي منزلك وغدا تأتي نستكمل الإجراءات . وباليوم الثاني جاء الرجل إلي قسم الشرطة حسب الموعد منذ الصباح وحين رآه مندوب البحث أمر بتجهيز سيارة الشرطة وأمر الخبير بإحضار ما اخذ من آثار البصمات وقال للرجل التقي سنذهب وتأتي معنا إلي الإدارة العامة للبحث الجنائي لكي تتطلع علي صور فوتوغرافية لأصحاب سوابق من السرق لعلك تعرف احد رايته يوما في شارع منزلك أو يحوم حوله وأيضا لإيصال البصمات للمعمل الجنائي لتحليلها ومقارنتها مع بعض بصمات السرق أصحاب السوابق ففرح الرجل لهذه الإجراءات . وإذا بمندوب البحث الجنائي يقول له أعطني أربعون ريال سوف نوزعها عشرين ألف لأصحاب المعمل الجنائي وعشرة ألف لأصحاب الأرشيف حق الصور وعشرة ألف أجرة جنود القسم والبترول للطقم فاحمر وجه الرجل التقي ودفع غير راضي ... المهم استمرت الإجراءات الأمنية ومضي أسبوع وقد خسر وتم ابتزاز الرجل التقي مبلغ وصل إلي مائة وعشرين ألف من رجال الأمن الذين لجاء إليهم لمتابعة قضيته والبحث عن السارق ودون جدوى .. وعدت أنا من مدينة تعز بالأسبوع الماضي حيث وقد كنت أنا في تعز حينها لعمل خاص بي ومتابع للحكاية كفضول كاتب صحفي .. ولم يتم التوصل للسارق بعد وإجراءات البحث مستمرة وعملية ابتزاز ونهب الرجل التقي من مختصين بالأمن لجأ إليهم لم يتوقف ومفتوحة ... ونخلص في الأخير إلي القول الرجل التقي سرق منه ما أؤتمن علية من أموال وحاجيات الناس أصحاب الأمانات ويخشي أن يطعن في نزاهته وتقواه وهو أمين ..وأمام هذا لم يكتفي رجال الأمن ممن لجأ إليهم بأن الرجل المسروق و قد يتعرض للسجن من احد الأشخاص أصحاب الأمانات فيسعوا هم وكاختصاص امني بان يدفعوه للتورط أكثر بان يذهب للاقتراض من هذا وذاك لتغطية مصاريف وأجرة وأتعاب رجال الأمن ممن لجأ إليهم لمتابعة قضيته ولتغطية مصاريف مالية للقيام بواجب عملهم وعلية تصبح خسارة الرجل التقي خسارتين : الأولي من فعل رجل سارق مدني . والثانية من فعل ابتزاز رجل امني عسكري مبتز وينهب .. إذن رجل تقي أمين أتمن فكبل إذ قد يقيد بالقيود وتحبس حريته ظلما . وأمام هذا نقول أنا لله وأنا إلية راجعون .. ولا حول ولا قوة إلا بالله .. وحسبه الرجل التقي ربه .