حصار صنعاء 1967 1968
وبمجرد دخول أول ناقلة من الإمداد والتموين العاصمة صنعاء توجهنا إلى قصر السلاح لنشق العاصمة صنعاء مروراً ببير العزب "متحدثين مع كل من وجدناه من المواطنين أنه قد تم فك الحصار عن طريق الحديدة - صنعاء وأن النصر قد تحقق ولم نكن نشعر بأي ابتهاج من المواطنين وما كنا نلمسه هو أنهم لم يستطيعوا استيعاب أو تصديق ما نقول لهم كون اليأس قد وصل إلى أقصى درجاته وكذلك كان لإذاعة الحصار دور حيث كانت تذاع أن ما يرونه ليس إلا عربات تخرج من قصر السلاح وتعود إليه بالرغم من أن الناس كانا يشاهدوننا أمامهم إلا أنه كان يخيل لهم بأن هذا مجرد حلم. وصلنا بير العزب ونزلنا في سكن العمل العقيد المرحوم/ قائد أحمد عنقاد لعد وجود العائلة والأولاد حيث لا يزالون في القاهرة وكنت قد علمت فيما بعد أن الشيخ عبدالعزيز الحبيشي والأستاذ عبدالحفيظ بهران قد نزلا في فندق الأخوة أما النقيب أحمد العواضي والنقيب أحمد المطري والنقيب سنان أبو لحوم والنقيب حمود الصبري فقد عادوا إلى متنه.
كنت أفكر بأنه سيكون هناك استقبال حافل وكبير للحملة تقديراً وإجلالاً لما حققته من نصر عظيم حيث كانت الأغلبية الساحقة في الداخل والخارج تؤكد سقوط العاصمة صنعاء بالإضافة إلى اعتقادي بأن هذا الاستقبال كان سيؤثر وبشكل كبير على معنويات العدو وحتى تتم مواصلة هزيمته ودحره من بقية المواقع الإستراتيجية في الجهة الجنوبية الشرقية وكنت أتصور أن من يدرك أبعاد وتأثير هذا الاستقبال سيكون هم القادة بالدرجة الأولى والمثقفون ولكن ومن المحزن حقاً أن هذا لم يحدث مما سبب لي حزناً مؤقتاً ولكنه لم يؤثر على كثير وما كان يجول في خاطري حينها هو إيصال الإمداد والتموين لمن هم صامدون في صنعاء وللمقاتلين الأبطال فيها وسكانها الذين تحملوا كل تلك المصاعب.
وكما ذكرت سابقاً بأن النقيب/ أحمد العواضي والنقيب سنان أبو لحوم والنقيب / أحمد المطري والنقيب/ حمود الصبري قد عادوا إلى متنه ، وعلمت بأنه تم اللقاء بينهم وبين الفريق العمري وهناك أقاموا حفلاً مصغراً بعيداً عن قائد الحملة تم بعدها توجيه الفريق العمري إلى الحديدة لمقابلة القائد الأعلى للقوات المسلحة رئيس المجلس الجمهوري. وكان هذا الخبر قد وصلنا عبر الإذاعة وأعقب ذلك تهنئة من رئيس المجلس الجمهوري والقائد الأعلى بمناسبة فك الحصار، كما تم إرسال برقية شخصية لقائد الحملة بالتهنئة لم يتم إذاعتها في الإذاعة وكان ردي على تلك البرقية فيما أتذكر ما معناه "أشكركم على التهنئة وأرجوا الوفاء بالوعود مشيرا ً إلى إصدار قرار التجنيد الإلزامي بعد أن أوفينا بوعدنا وتم فك الحصار وأنا في الانتظار لوصولكم".
مفاجئة غير متوقعة:
بعد تحقيق الانتصار في الصباح الباكر من ذلك اليوم المشهود الثامن من شهر فبراير الأغر 1968م والأيام الأربعة التي تلته، والتي تأخر فيها وصول رئيس المجلس الجمهوري إلى صنعاء من الحديدة كان الواجب حضور جميع القادة الذين شاركوا في الحملة بداية من رئيس المجلس الجمهوري وهو القائد الأعلى وواحد من المشاركين في الحملة كما كان الواجب يحتم على القائد العام وجميع القادة المشاركين استقبال رئيس المجلس الجمهوري القائد الأعلى في منطقة متنه ودخول الجميع العاصمة صنعاء مع قافلة الإمداد والتموين،وكذلك كان الواجب قيام الإخوة والآباء بتهيئة الأجواء والظروف للقيام باستقبال الحملة وكل من شارك من جميع القوى الوطنية في العاصمة وإقامة الاحتفالات في العاصمة وفي جميع المحافظات لرفع المعنويات من جهة ومواصلة خفض معنويات الحصار من جهة أخرى. كان تصوري لاستثمار ذلك الاستقبال ليس في اليمن وحدها ولكن في جميع البلدان أصبح لنا فيها علاقات دبلوماسية وعلى الأقل إظهار الحق ضد الباطل والعدل ضد الظلم. . الخ.
كانت بعض الأفكار لبرامج أعمال قد بدأت تراودني بغض النظر عن التأثيرات التي تسبب فيها عدم القيام بواجب استقبال الحملة بمشاركة مختلف القوى السياسية والسكان في صنعاء والقوى الصامدة وكان لتلك الأفكار أهمية لا تقل عن أهمية وضع برنامج وخطط العمليات الحربية اليومية منذ البداية وهي ما تزال صفرا وما دون الصفر حتى تحقق الانتصار.
من البرامج والخطط التي كنت قد بدأت أفكر فيها ما يلي:
أولاً: وقبل كل شيء وبعد وصول القائد الأعلى رئيس المجلس الجمهوري والقائد العام رئيس الوزراء الفريق/ حسن العمري سوف أطالب بتنفيذ ما كان الاتفاق عليه وفي المقدمة إصدار قرار التجنيد الإلزامي.
ثانياً: عقد جلسات لقاء تقيم فيها المعارك ويتم فيها إعطاء كل ذي حق حقه من تشجيع وتسليم شهادات تقديرية ليحتفظ بها للتاريخ له ولمن بعدهن من أولاده وأحفاده بالإضافة إلى توزيع بعض المكافآت المالية الرمزية والأوسمة.
ثالثاً : مواصلة بناء القوات المسلحة بحيث تتضمن تشغيل كل الضباط الذين ليس لديهم وحدات سواء من كانوا داخل الوطن أو خارجه لاستكمال الملكات في القوات المسلحة وحتى أعلى تشكيل وهو لواء من الضباط والصف والجنود.
رابعاً: استمرار ملاحقة ومتابعة العدو حتى يعود إلى منطلقاته الأولى لمن بقي منهم على قيد الحياة واكتساح وانتزاع بقية المواقع الإستراتيجية المحيطة بالعاصمة صنعاء مما تبقى على المحور الجنوبي والمحور الشرقية والمحور الشمالي وتمكين القوات المسلحة من تلك المواقع بحيث تكون مترابطة ومتماسكة ومتلاحمة مع جميع المواقع الإستراتيجية الهامة التي سبق اكتساحها وانتزاعها من الأعداء، عندما التقى جبل "المسار" بجبل "المنار" وتم اكتساح مواقع العدو في جبال "المكحلة" وعلى سفوح جبل " النبي شعيب" الجنوبية ثم "جسر عصفره" فقمم جبل النبي شعيب وبالتالي جبل "عيبان" وضمهما إلى جبل نقم وبراش. وهذا بدروه سوف يشكل ضمانة أكيدة على المدى القريب والبعيد لتصبح العاصمة آمنة ومستقرة.
وبينما كان التفكير يسير على هذا المنوال إذا بسماع بعض إجراءات عكست ما كان التفكير عليه منها على سبيل المثال إذاعة أن قائد الحملة العميد/ عبداللطيف ضيف الله قد سلم قيادة الحملة إلى العميد / حسين الدفعي. . الخ، حدث هذا بينما لا تزال الأوامر والتوجيهات تصدر من قائد الحملة بطلب مشاركة إخوة منهم الشيخ / عبدالوهاب شرهان والشيخ/ حامد خيران والعقيد ناجي علي الأشول بالتحرك السريع لقطع الطريق على القيادة الأمامية الذين يواصلون سيرهم هروبا من قمة جبل عيبان وغيرة على طول المحور الجنوبي من الغرب من جهة والوصول إلى قرية حدة وغيرها من جهة أخرى مع الإطلاع على أي أعمال فيها ضرر على المواطنين، علماًُ بأن قائد القطاع الجنوبي العقيد / ناجي الأشول كان قد أفاد بنفس اليوم عن رعيان الغنم أنهم رأوا مجموعة من المقاتلين انطلقت من المواقع الجنوبية وعلى وجه التحديد قبل غروب شمس ذلك اليوم وهم يجرون تارة وبالخطوة السريعة تارة أخرى ولسان حالهم يقول بعبارات واضحة هذه إرادة الله ومن متابعة الأخبار تأكد أن القائد العام الأمير / محمد ابن الحسين والقادة المشاركون معه وفي أجواء من الخوف والرعب ما يذلل كثير من الصعوبات لاستثمار جانب هام من جوانب مكاسب الانتصار وبينما كن التفكير غارق في أحداث برامج أعمال وقد مضى من الزمن أربعة أيام تقريبا وصل رئيس المجلس الجمهوري وكانت المقابلة فور وصوله وأثناء اللقاء فوجئت ببداية حديث تمخض عن مصارحتي باختبار أي سفارة في الشرق أو الغرب، لقد كانت مفاجأة لم أتوقعها على الإطلاق وكنت قد تململت للتفكير بما كان عليه الاتفاق قبل الدخول في إيجابيات الحملة والتي تكونت وكما يقال من الصفر لمواجهة قوات حصار مسيطرة ومتحكمة تعدادها يتطلب منا على أقل تقدير خمسين ألف مقاتل وكما سبق الحديث لقد كان رئيس المجلس مصر على تنفيذ ذلك القرار الذي وصل إليه ما أظهر أن هناك ضغوطاً جعلته يتغلب على ما كان رئيس المجلس والقائد العام قد قبلا به والتزما به. . إلخ.
وأمام ذلك القرار السلبي والهام بالنسبة لي مع عدم إتاحة أي فرصة للحديث فقد طرحت مقترحين لا سواهما وهو عدم عودتي للعمل في القوات المسلحة مهما وكيفما تكون الأحوال والظروف كما طرحت طلب عمل في القطاع المدني وحددت ذلك الموقع في محافظة إب وكانت الموافقة على ذلك الطلب فوراً وكأنني خففت عليه ما كان قد أمر به بالنسبة للعمل في الخارج ونظراً لكونه رئيس المجلس الجمهوري والقائد العام فلم أواصل الحديث لأعرف أسباب القرار المفاجئ ولو كان رئيس مجلس الوزراء كنت على الأقل عرفت الأسباب والمسببات التي كانت قد ألغت اتفاقاً جاداً وصادقاً وهاماً أحدث ذلك القرار سلبيات منها:
1. أولاً وقبل كل شيء عدم تسليم مدافع الهاون التي كانت لازمة لتسليح كتيبة المشاة الهجومية والتي كانت عهدة لديها
2. كان الواجب يلزم ويحتم مواصلة ملاحقة الحصار واستثمار انخفاض الروح المعنوية.
3. ترك الحصار في مواقعه الأولى التي وصل إليها هارباً متوقعاً ملاحقته ومتابعته الفورية التي أهملت.
4. استمرار ترك الحصار لما يقارب الستة أشهر في مواقعه الأولى يواصل نشاطه في مؤامرات خطيرة إلى جانب مواصلة الطابور الخامس وحرب العصابات من جهة أخرى.
5. عدم مواصلة بناء القوات المسلحة مع فتح أبواب غاية في الخطورة لمواصلة نشاطها في مواصلة تلقي بذور الاختلافات والخلافات وتلك تعتبر خدمة للحصار ربما لم يسبق لها نظير.
6. مواصلة الاختلافات والخلافات لحوالي ستة أشهر والقوات المسلحة في ضعف عام وشامل والعكس ما كان عليه الحصار من تمكنه لزج تلك القوات في مواصلة اختلافات وخلافات وحتى أصبحت القات المسلحة تشكل فريقين متصارعين ومتعاركين وصولاً إلى معارك قتالية شرسة وضارة بالقوات المسلحة مدعمة لأهداف الحصار بشكل مباشر وغير مباشر في ما كان قد فرض وتم حدوثه فعلاً من شروخ وشقوق ستوصل القوات المسلحة إلى هاوية خطيرة وبالتالي الوطن عند تحقيق أهدافه بتقسيم الوطن إلى ثلاثة دويلات قد تستمر فيها الحرب لفترات زمنية طويلة. . . إلخ.
وحتى ذلك الوقت والاعتقاد الخاطئ الراسخ عند كل فريق خلاصته القضاء على الآخر وكلا الفريقين يعتقد أنه بوسعه بعد ذلك القضاء على الحصار والحقائق المتوقعة العكس من خلال وقوع القوات المسلحة في ضعف عام وشامل في حين أن الحصار ينمو ويتقوى على حساب ما يجري وقد أصبح عاملاً أساسياً في صب الزيت على النار وهو ما أوصل إلى أحداث أغسطس 1968م التي إن شاء الله تتوفر الفرصة لسرد أحداثها لإنصاف الحقيقة.