عصام المطري
الوطن أبقى من أي مكاسب رخيصة ضيقة، فالذين يعملون للوطن يقدمون مصالحه على ما عداها من مصالح ومنافع أنانية، والذين يعشقون الوطن يدورون حوله، وإذا تقاطعت المصالح والمنافع فإنهم لا يقولون إلا بمصالح ومنافع الوطن، فهم يشربون من كأس الوطنية الترياق، ويلتفون حول وطنهم مهما باعدت بينهم السياسة العفنة التي تغلب مصالح ومنافع الفصيل السياسي ليس إلا.
الوطن غالٍ، والمخلصون يفتدونه بالأرواح، هذا فضلاً عن أن الوطن هو وطن الجميع، فهو ليس ملك فرد أو حزب أو عشيرة أو طائفة، إنما هو ملك للجميع، وعلى الجميع أن يتفانوا في خدمته مهما كلفهم ذلك من مشاق ولو كانت خدمة الوطن لا تجر عليهم أي فوائد مالية تذكر فالوطن أمانة في أعناق أبنائه، فمن الجرم أن ينتهج بعض أبناء الوطن التخريب. . تخريب الوطن وتعطيل مقدراته وإزهاق روح خيراته، وما يفعل ذلك إلا عشاق العمالة سواءً أدركوا أنهم عملاء أم لم يدركوا من أولئك النفر الذين يقعون بين مخالب التطرف والغلو والإرهاب والتنطع وحظهم في الدنيا أن يسيروا "بالريموت" من قبل العصابات الصهيونية واليهود عامة.
إن الوطن في أمس الحاجة إلى عقول أبنائه، فلا ينبغي أن تقصى الخبرات وتنحى إن لم تكن في الحزب الحاكم وتسود المنخنقة والنطيحة والمتردية وما أكل السبع، ومن لا تفقه شيئاً من فنون العلم والإدارة ، فإن صح ذلك فإن هذا الجرم يساوي جرم من أعلنوا العصيان على الوطن بانتهاج التخريب ، فوضع الرجل المناسب في المكان المناسب أمانة كبيرة ، فقد كان مسئولاً كبيراً في الاتحاد السوفييتي عميلاً للولايات المتحدة الأمريكية ، فلما كشفه السوفييت ، قالوا له كيف كانت عمالتك للولايات المتحدة الأمريكية فقال : كانت مهمتي أن أضع الرجل المناسب في المكان الغير المناسب ، وأضع الرجل الغير مناسب في المكان المناسب ، فهذا الصنيع يعد خيانة للوطن حتى ولو كان القائمون ليسوا عملاء مباشرين لقوى أجنبية ، فصنيعهم هذا أخطر من صنيع المخربين الذين يدمرون البلاد بالمكشوف.
إننا نريد وطناً معافى من الأسقام والأدران. . وطنٌ يفخر بصنيع أبناءه المخلصين الذين أفلتوا من سياسة الترويض ومن ثقافة التجهيل. . نريد وطناً يعمل فيه أبناءه كخلية نحل موحدين لا تفرقهم السياسة شعارهم (لكل حزبه والوطن للجميع) فمهما تعددت اتجاهاتهم السياسية ، ومهما تباينت مشاريعهم الثقافية والفكرية ، إلا أنهم في الوطن شئ واحد يعملون سوياً لخدمة الوطن ، مبرأون من الحسد والحقد. . يشربون من منهل القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة ، يعرفون مصالح ومنافع وطنهم فيحافظون عليها وينتمون إلى الوطن الكبير قبل أن ينتموا للأحزاب والتنظيمات السياسية. . أخوة متعاونون تجسيداً لقول الله سبحانه وتعالى في محكم آياته البينات (إنما المؤمنون إخوة).
وإذا كان الوطن في أمس الحاجة إلى إبقاء المخلصين ، فإن ذلك يستدعي تضافر الجهود من أجل زعزعة المستحيل في الفعل الوطني الواحد وعليها أن تتجه الأحزاب والقوى والشخصيات السياسية والاجتماعية إلى تمتين عرى الوحدة وعدم العزف على وتر المناطقية والمذهبية والطائفية والسلالية ، ذلكم أن الوطن لايقوى على تحمل المزيد في هذا الإطار وعلينا تقديم المحبة على الكراهية ، فالوطن ليس ملك الأخ/ علي عبدالله صالح رئيس الجمهورية ، والذي يختلف معه شخصياً عليه ألا يضر بالمصالح والمنافع الوطنية العليا للبلاد ، فالذين ليسوا راضيين بسياسة الرئيس عليهم أن يوجهوا اليه رسائلهم في الانتخابات الرئاسية ، لا كما يعمل البعض من قطع الطريق وإخافة السبيل وإعلان التمرد على الدولة وتحقيق الإنفلات الأمني ومس الثوابت الوطنية بالانتقاص من الوحدة والجمهورية ، الثورة ، الديمقراطية. . . في استخفاف بالعقول وخندقة الناس ضد الوطن الطيب المعطاء على وجه هذه البسيطة المطلقة.
ولئن كان الوطن أبقى فإنه حريٌ بنا أن نقدم أدلة دامغة على وطنيتنا مثل الالتزام بالديمقراطية أو كل الالتزام بالهامش الديمقراطي وبث ثقافة المحبة بدلاً من ثقافة الكراهية وتحقيق وحدة الوطن عن طريق نبذ كافة أشكال وألوان التفرقة من مناطقية ومذهبية وطائفية وسلالية وعنصرية وأن نغلق صفحات الماضي البغيض وتحقيق التصالح والتسامح الوطني وزعزعة مداميك الفرقة والغواية والوصول إلى تحاب سياسي ووفاق وتوافق وطني بين جميع شركاء العمل السياسي من أحزاب وتنظيمات وقوى سياسية واجتماعية فاعلة في الساحة الوطنية فالفعل السياسي العام في أمس الحاجة إلى توافق ووفاق وطني وإلا مزقتنا الحروب الأهلية لا سمح الله، فما هو البديل عن التوافق أو قل ما هو نقيض التوافق والوفاق؟ إنه الصراع المسلح والكراهية لا سمح الله والله من وراء القصد.