نبيل مصطفى الدفعي
ألقيت التحية على الجميع في المقهى فردوا التحية بأحسن منها إلا الشيخ عبدالرحمن الذي كان جالساً في طاولة أمامية محاذية للشارع ظل صامتاً فجلست إلى جانبه وألقيت تحية خاصة له لأنني قلت يمكن لم يسمعني قبل ولكن الرجل لم يرد وهذه ليست من عاداته فقلت في نفسي ترى ماذا جرى له؟ فجسم الرجل في المقهى ولكن ترى أين عقله؟ بل أين يحلق وفي أي سماء؟ مددت يدي نحوه وحركته وقلت له مالك يا شيخ لا ترد التحية التفت نحوي وقال: أهلاً يا بني كيف حالك اعذرني يا ابني لم اسمعك فقلت له ما عليش ولكن قل لي هل أنت مريض لا سمح الله؟ أجاب مسرعاً لا الحمد لله ولكني كنت أفكر في واقع هذه الحياة المرير أفكر في الحاضر وأقارنه بما مضى مستعرضاً أمام عيني شؤون الناس وشجونهم ومتنقلاً من فكرة إلى فكرة ومن مشهد إلى مشهد مكيفاً الأمور على هواي وقدر المستطاع وأسأل نفسي إلى أين سيسير بنا العالم؟ وإلى أي مدى سوف نتوغل في التمدن والتقدم؟ وإلى أي حد نتخبط في موجة اسمها التغيير؟ قلت له مهدئاً خليها على الله يا شيخ فقال نعم على الله ونعم بالله! ولكن يا بني لاحظ كل شيء لمسه التطور والتغيير ما كان ممنوعاً بالأمس صار مباحاً اليوم وغداً الله يعلم! باختصار لقد انقلبت المقاييس رأساً على عقب في الماضي مثلاً كان للرجل في بيته مهابة واحترام واليوم سلطته في البيت تحولت للمرأة والأولاد وقيمة الوالدين قد تدنت كثيراً الحرية الخلقية تخطت الحدود المرسومة لها حرية الكلام المباح وغير المباح حرية قول النكات البذيئة في أرقى الأماكن وحتى بعض الصحف صارت تعمد إلى الأدب المكشوف لترضي قراءها فأي حد ستبلغه هذه الحرية في المستقبل؟ قاطعت الشيخ عبدالرحمن الذي كان يتحدث بحرقة ومرارة قلت إن شاء الله الدنيا بتصلح بسرعة رد علي قلي كيف؟ بالأمس كان الشاب مجبراً على العودة إلى بيته مع غروب الشمس والبنت كانت تخرج مع أمها واليوم تخرج لوحدها وإذا غير ذلك تعتبر في بعض الأوساط متأخرة وغير متمدنة حسب قولهم كيف بتصلح الدنيا والشباب سراويلهم يبدأ تعليق ما بعد خط المؤخرة وما فوق من ثياب لاصقة في الجسم وكأنها قطعة من الجلد الأدب تطور وتغير والشعر تحول نثر والموسيقى ايقاعات فارغة وكذا الغناء حتى أصبح الإنسان المستمع يسأل أيش يقول المغني؟ الأفراح والمأتم أيضاً تغيرت وتطورت في المأتم أصبح أهل الميت يتضايقون من طول العزاء ويكلفتون العزاء ناقص ما يقولوا في إعلان نستقبل العزاء ساعتين فقط يا بني كل شيء تغير باسم التغيير والتطوير حتى الجار أصبح لا يحمل ولا يصبر على جاره وضاع الحب والود بين الإخوان يا بني الله يستر كلما قارنت بين الماضي والحاضر وقستهما على المستقبل وضعت يدي على قلبي خوفاً وقلت اللهم أحفظنا وأرفق بنا.
ضاعت كل الكلمات والتعابير وصمت موافقاً الشيخ عبدالرحمن ورددت معه اللهم احفظنا من كل مكروه والله من وراء القصد.