شكري عبدالغني الزعيتري
استكمالا لما بدأناه في حلقتنا السابقة نواصل الكتابة بالقول: انه من أهم أسباب وجود الأزمة الاقتصاديةواتساعها وتفاقم آثارها الاجتماعية والأمنية السلبية التزايد والنمو السنوي في عدد السكان وبالمقابل تقلص الموارد الطبيعية المتاحة ونلقي الضوء علي هذا الجانب بإيراد وحسب البيانات الصادرة عن الجهاز المركزي للإحصاء بأنه كان عدد السكان عام 2000م(17461000 ) وأصبح عدد السكان في 2008م حسب الإسقاطات (22190000) نسمه أي بزيادة في عدد السكان عن عام 2000م بعدد (4729000 ) نسمه أي بمعدل نسبة نمو حتى العام 2008م وقدره (27 % ) عن العام 2000م. وعليه يتضح أن النمو السكاني الذي يحدث في اليمن كبير وخاصة إذا ما قارنا بمعدل النمو السكاني الذي يحدث في غالبية البلدان العربية إذ أن نسبة النمو السكاني السنوي في اليمن تصل إلي (3. 5% ) من إجمالي عدد السكان وتعتبر اليمن من الدول العربية ذات المراكز الأولي في نموها السكاني وهذا له علاقة كبيرة في التأثير علي الاقتصاد الوطني سلبا إذ ما كان حاصل التكاثر السكاني يميل إلي الاستهلاك أكثر من الإنتاج فعند التحليل للظروف الاقتصادية والعوامل الاقتصادية السلبية و المؤثرة تأثيرا كبيرا في إعاقة النمو الاقتصادي انه ظهر أن الحالة الاقتصادية عند الفرد اليمني تأخذ سلوك الاستهلاك و أنماطه التبذيريه بل الإفراط في مستوياته عند كثيرين و لجميع السلع و الخدمات ( الضرورية و الكمالية ) والذي يفوق سلوك الإنتاج وأنماطه ومستوياته الذي يمكن أن يعمل علي ردف الاقتصاد وزيادة في الناتج القومي وبالتالي نمو في متوسط نصيب الدخل للفرد من إجمالي الناتج القومي الإجمالي ومع كثافة السكان واستمرار النمو السكاني والذي يؤدي إلي فقدان التوازن بين الناتج والدخل القومي (الإيرادات) وبين النفقات وهذا احد أهم أسباب رئيسية سبب التأزم الاقتصادي الوطني للبلد. . وهذا التأزم الشديد الحادث اليوم هي حصيلة تراكم سنوات ماضية إذ نوضح ذلك من خلال التوصيف وتشخيص ظروف اقتصادية وأخري حدثت في سنوات ماضية لسنوات سابقة ولهذا نقسم الحالة وتلك الظروف ما بين الفترة من عام1990 - 2008 م إلي عدة مراحل إذ لكل مرحله ظروفها الخاصة والتي أسهمت في ترحيل وتفاقم الأزمة الاقتصادية القائمة اليوم وكل مرحلة زمنية تختلف عن الأخرى من الناحية الاقتصادية وظروفها و علي المستوي العام والخاص والذي انعكس علي مستوي دخل الفرد اليمني وكلها ظروف صبت في السالب الاقتصادي وهنا نوصف لك عزيزي القاري كل مرحلة زمنية وبما يلي. أولا : المرحلة ما بين الفترة الزمنية من عام1990 - 1993م : تميزت هذه الفترة بتعرض الاقتصاد الوطني لانتكاسات كبيره ترتب عليها تراجع الناتج المحلي الإجمالي بسبب حرب الخليج وتوقف المساعدات و توقف القروض التي كانت تحصل عليها البلاد بالإضافة إلي تدني التحويلات للعملة الصعبة للمغتربين. والذي أدى إلي انخفاض نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي وقد وضحنا ذلك في مقالتنا بالحلقة الأولي ليوم أمس وتلك الظروف والعوامل عكست بدورها أن ساعدت في إشعال نمو في معدل التضخم والبطالة. ثانيا : المرحلة ما بين الفترة الزمنية 1994 - 1995م : تميزت هذه الفترة بمزيد من الاهتزازات للأوضاع الاقتصادية وتدهورها الكبير لاستمرار الحصار علي البلاد وتوقف المساعدات وتصاعد أسعار الصرف وما تبع ذلك من ازمه داخليه تفاقمت بانفجار حرب الدفاع عن الوحدة اليمنية في صيف 1994م وما تبعها من تأزم حاد للأوضاع الاقتصادية ومن ثم تدني دخل الفرد بانخفاض مقدار نصيب الدخل للفرد وانخفاض أسعار الصرف للعملة بالفترة من1994 1995م. ثالثا : المرحلة ما بين الفترة الزمنية 1995 - 1998م : تميزت هذه الفترة بتحول النظام الاقتصادي لليمن من نظام مغلق إلي نظام الاقتصاد الحر وسعي اليمن إلي الانضمام إلي منظمة التجارة العالمية الذي فرض علي اليمن وحكومته تنفيذ برامج اصلاحيه ماليه وإداريه وبالتعاون مع صندوق النقد والبنك الدوليين بدأت في مارس 1995م وذلك لوقف تدهور الاقتصاد الوطني وإزالة الاختلالات الهيكلية لتحقيق التوازنات الاقتصادية ونتج عن ذلك إعادة الهيكلة للاقتصاد الوطني وإزالة التشوهات السعريه مثل الدعم للسلع الضرورية التي كانت تتحمل أعباءها الخزانة العامة للدولة وأيضا سعت الحكومة لتحديث قوانين الاستثمار وبما يتناسب مع التغيرات الاقتصادية في المحيط الدولي بهدف الوصول إلي مناخ اقتصاد يساعد علي رفع كفاءة الإدارة وبما يؤدي إلي زيادة الإنتاج والإنتاجية و من ثم تحقيق نمو اقتصادي قابل للاستمرار ونتج عن هذه الإصلاحات تحمل المواطن لأعباء اقتصاديه ( علي المستوي الفردي ) كانت الدولة تتحملها عنه ( الحكومة ) مثلا إزالة دعم السلع الضرورية والذي أدي أن شعر المواطن اليمني بارتفاع وغلاء أسعار للمواد الغذائية الأساسية. . . الخ مما عزز في معانة المواطنين لظروف اقتصادية ومعيشية صعبة و توجه الفرد نحو المزيد من ترشيد نفقاته ومزيد من تقليص الاستهلاك وأخذت السلع الكمالية النصيب الأكبر من هذا التقليص في استهلاك الفرد رابعا : المرحلة ما بين الفترة الزمنية 1999 2006م : تميزت هذه الفترة بتحسن الأحوال الاقتصادية ولكن بدرجه متدنية إذ لم تصل بالوضع الاقتصادي العام والمعيشي للمواطنين بما يمكننا القول انه احدث ذلك ازدهار وتقدم للاقتصاد الوطني ونمو معدل دخل الفرد إلا انه مع هذا حدث تدني لمعدل التضخم و تدنت معدل البطالة لتنفيذ الحكومة لإجراءات عملت علي تحقيق ذلك كما تم إشراك القطاع الخاص بالعمل في مجالات وأنشطة كانت محتكرة للدولة فمثلا إشراكه في العمل في مجال التعليم ومجال الصحة ومجال الصناعات الاستخراجيه والطاقة. . . . الخ وتشجيع المنافسة وتحديث قوانين ذات علاقة بالاستثمار. . . الخ مما أدي إلي إيجاد فرص عمل وتدني نسبة البطالة وارتفاع في مستوي دخل الفرد ولكن ليس بالقدر الذي أدي إلي الازدهار ومستوى التقدم في الاقتصادي الوطني والرفع لمتوسط دخل الفرد عند الحد الذي يقره الاقتصاديون كناتج ازدهار وتقدم اقتصادي. ويمكن القول بأنه أسهمت في وجود هذه الظروف والعوامل الاقتصادية الايجابية ما تحقق حينها من استقرار سياسي وامني في هذه المرحلة خامسا : المرحلة ما بين الفترة الزمنية 2007 2009م فالظروف الاقتصادية التي حدثت بالعامين السابقين و أسهمت في أن أدت إلي أن تتحول التراكمات للتأزم الاقتصادي ليكون أزمة اقتصادية تتعمق منذ العام قبل الماضي واتبع ذلك تدني مستوي ظروف معيشة المواطنين ولعبت عدة عوامل خارجية في ذلك منها ارتفاع الأسعار عالميا. . أضف إلي أنه زاد من تعمق الأزمة الاقتصادية وبشدة وظهرت جليا علي ارض الواقع المعاش لأسباب منها تقلص الموارد الطبيعية إذ علي سبيل المثال وليس الحصر وكاستدلال لنا نقول أن أهم مورد طبيعي هو النفط والذي يمثل مصدر أساسي لدخل وإيرادات خزانة الدولة و يمثل بما نسبته (70% ) من إيرادات خزينة الدولة حيث أن اليمن كان ينتج حتى عام 2004م (450 ألف) برميل نفط وتناقص إلي (320 ألف ) برميل نفط عام 2008م وزاد من تعميق الأزمة الاقتصادية التي تعانيها اليمن اليوم حدوث الأزمة المالية العالمية التي ظهرت نهاية العام الماضي 2008م حيث جثمت علي العالم وطالت أضرارها اليمن وشعبه إذ أدت إلي تدني سعر برميل النفط من 147 دولار أمريكي إلي 43 دولار منذ النصف الثاني للعام الماضي 2008م وقد جاءت مؤشرات عائدات النفط مطلع السنة الحالية 2009م مثيرة للفزع إذ سجلت إيراداته خلال شهر يناير 2009م ادني مستوياته منذ تسع سنوات ماضية حيث بلغت عائداته خلال شهر يناير 2009م (73 مليون) دولار مقارنة بعائداته في نفس الشهر يناير من العام الماضي 2008م والتي بلغت مبلغ (317 مليون ) دولار. . كما أنه لعبت ومازالت تلعب عوامل أخري في تراجع سلبي للاقتصاد الوطني اليمني منها انحسار رقعة الزراعة بسبب قلة الأمطار والجفاف. . وأيضا الضربات الموجعة التي تتلقها السياحة في اليمن بسبب تنفيذ العمليات الإرهابية ضد الأجانب والسياح الزائرين لليمن (من اختطافات وقتل ) وتمول وتصدر من الخارج لإلحاق الضرر باستقرار اليمن. . وأيضا تأزم العلاقة بين الحزب الحاكم وأحزاب المعارضة (اللقاء المشترك) مما احدث أزمة سياسية وحدوث اختلالات أمنية من وقت لآخر. وأيضا تكبد الاقتصاد لنفقات مالية عسكرية من جراء الحرب في صعده بين الحكومة والحوثيين والتي أهدرت إمكانيات مادية للدولة. . وأيضا تكبد الاقتصاد لنفقات مالية معيشية للمتقاعدين ورفع رواتب ومستحقات المدرسين وغيرهم. . و أيضا تكبد الاقتصاد لنفقات مالية أمنية وإنشائية لمواجهة آثار تحريض أعداء الوحدة اليمنية وسعيهم إلي تنامي النزعة الانفصالية لدي بعض أبناء الجنوب والذي أفرزت آثارها بإحداث عمليات تكسير وتخريب وتقطع لطرق وإخلال بالأمن العام وغيرها. . وأخيرا وأمام هذا وما يحدث ويتعمق للازمة الاقتصادية اليوم ويرحل للغد نخشى بان تؤدي آثارها بان يختل استقرار البلد إذا تفجرت وأنتجت آثارا لأزمات أخري اجتماعية وأمنية و سياسية (بالغد أو بعده ) ولأسباب اقتصادية منها اتساع دائرة الفقر وارتفاع نسبة البطالة وتزايد عدد أفرادها وتفشي حالة الجوع المدقع واستمرار استشراء الفساد المالي والإداري في جهاز الدولة وعدم الجدية في مواجهته والقضاء علية وزيادة نمو حالة الاستهلاك وأنماطه وتفوقه وبالمقابل تراجع وقلة حالة الإنتاج وغيرها من الأسباب. وعلية فانه يكون مطلوب من الجميع وعلي وجه الخصوص الحزب الحاكم وقيادته كون مقاليد الأمور في يده أكثر من غيره. . ومع قولنا لهذا فانه لا يعفي بأنه مطلوب أيضا إسهام أحزاب المعارضة وقيادتها وكل أبناء الشعب وكلا في حدود إمكانياته وقدراته المتاحة للإسهام لأجل الخروج للوطن والشعب اليمني من أزمتها الاقتصادية القائمة وأيضا لخروج من الأزمة السياسية وذلك لاحتواء أي اختلالات أمنية واجتماعية عامة قد تحدث مستقبلا. <