عبد الجبار سعد
إن لصاحب الحق مقالا يجب أن يسمعه كل ذي سلطان وإن لصاحب الهوى والباطل فتنة ينبغي أن تقمع لأنها أحابيل الشيطان.. والفتنة أكبر من القتل والفتنة أشد من القتل.
من أجل ذلك خاطب الحق جل وعلا نبيه الكريم الذي أرسله رحمة للعالمين .. فقال له عن طائفة من المرجفين الذين يثيرون الفتنة ويروعون الناس بالأخبار الملفقة وبالتهويلات وبالأباطيل التي من شأنها إثارة البغضاء بين الناس والإغراء بالتقاتل فيما بينهم قال عزمن قائل..
" لئن لم ينته المنافقون والذين في قلوبهم مرض والمرجفون في المدينة لنغرينك بهم ثم لا يجاورونك فيها إلا قليلا .. ملعونين أينما ثقفوا أخذوا وقتلوا تقتيلا .. سنة الله في الذين خلوا من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلا .."
وكان من النفر الذين أمر رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم بقتلهم يوم فتح مكة حتى لو تخفوا بأستار الكعبة المشرفة شاعر و مغنية وهما الذين يمثلان وسائل الإعلام في ذلك الزمان .. واعتبرهما مجرمي حرب لا تؤويهم ولا تؤمنهم حتى الكعبة التي جعلها الله ملاذا للخائفين.
ذلك أن وسائل الإعلام هي سلاح للقوي وللضعيف وهو سلاح للمحق وللمبطل ..فإذا كانت بيد صاحب الحق فإنه سيعلم كيف يستخدمه لنشر الفضيلة والسلام والوئام وقمع الباطل وإذا كانت بيد المبطلين فينبغي الحجر عليهم والتضييق حتى لا يتوصلون من خلالها إلى باطلهم الذي من شأنه تدمير السلام الاجتماعي بين الناس وخلق الفتنة وهي مهمة صاحب السلطان إذا اتقى الله وعلم ما يصلح الناس مما يفسدهم ..
حدود التعبير وبعيدا عن كل قانون وعرف محكوم في بلادنا ودستورنا بتشريع إسلامي صارم ومحدد والقاعدة الأصولية في التشريع الإسلامي "أينما وجدت المصلحة فثمَّ شرع الله ".
وفي تشريعنا الإسلامي هناك مقياس للقول يعتمد على قاعدة الحق والباطل
فالحق ليس هو الصدق دوما والباطل ليس بالضرورة هو الكذب .
من أجل ذلك اعتبر الحق جل وعلا أن الغيبة والنميمة باطل ومحرمة مع أنهما من الصدق وحين سئل الرسول صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم عن الغيبة فقال أنها ذكرك أخاك بما يكره قال له السائل أرأيت إن كان في أخي ما أقول قال الرسول .."إن كان في أخيك ما تقول فقد اغتبته وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهتّه "أي رميته بالبهتان .
وهكذا قال الخليفة العظيم عمر بن عبد العزيز لواحد نقل له عن آخر وشاية فقال له انتظر حتى نتحقق مما تقول فإن صدقت كنت من أصحاب هذه الآية "ولا تطع كل حلاف مهين هماز مشاء بنميم " وإن كنت كاذبا كنت من أصحاب هذه الآية " يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا... "
بل إن الرسول الأكرم اعتبر أنه ليس الكذاب الذي يسعى بين الناس ليقول خيرا أو ينمي خيرا فمخالفة الصدق قد يكون مستحبا لإصلاح ذات البين ولنشر الوئام بين الناس وموافقة الصدق يصبح حراما حين ينشر الفحشاء والبغضاء بين الناس ..
بناء على كل هذا فإن قمع من يقوم بنشر الفتن وإشاعة البغضاء بين أبناء الأمة هو واجب شرعي يجب أن يقوم به كل الناس كل في حدود صلاحياته باليد أو القلب أو اللسان ولا يدخل هذا في نطاق القول المباح والواجب الذي يعبر عن الظلم بشتى الطرق والفرق واضح وبيّن .
نحن نعرف أن الكثير من الإعلاميين قد مارسوا خلال الفترة الماضية أعلى حالات التحريض والإثارة التي أوصلت الناس إلى التقاتل وإراقة الدماء خدمة لأعداء الأمة ولغير سبب غير إشاعة الفتنة وهذا هو منتهى الظلم والإساءة .
ولئن جاز لأحد أن يتسامح مع مثل هذا لجاز لنبي الله الذي أرسله الله رحمة للعالمين .
نحن لا نريد أن نحيل الذين يتباكون على حرية التعبير إلى ما فعله بوش وإدارته منذ غزو العراق حتى منتهى فترته لأنه ليس حجة لنا وإن كان حجة لهم ولكن ليتذكروا أنه قد أخرس كل الأصوات لكي يحتل أرض الغير وليمارس الغزو الفاجر.. وهذا موضوع واسع إذا كان لا بد من الخوض فيه فسنعود إلى سامي الحاج لكي يحدثنا عنه ..
فيا ولاة الأمر أوقفوا الفتنة ولا يروعنكم الروع في طريق الحق والعدل والسلام وأصلحوا ما استطعم واحرصوا على الخير للأمة أجمعين .