بقلو/ محمد خالد الأزعر
من أقدار الفلسطينيين والعرب مع المشروع الصهيوني أن عليهم إثبات ما هو بديهي، والجدل السفسطائي المكرور حتى الملل حول حقائق يفترض أنها تخرق الأعين ولا تخفى صحتها حتى على ذوي الدراية المحدودة بتاريخ فلسطين وجغرافيتها واجتماعها الإنساني. . وكذا بتاريخ اليهودية العالمية ومداراتها السياسية في هذا العالم الفسيح.
الدعاوى الصهيونية الإسرائيلية الرامية لاختطاف القدس وطيها تحت عباءة يهودية صرفة، بتهافتها وتفاهتها تكاد أن تذهب بعقل أكثر الخلق حلماً. . ومع ذلك نحن مكرهون على مقارعة هذه الدعاوى طالما أن في عالمنا من يستمع إليها ويلوكها بغير علم.
في واحدة من مناسبات إحياء القدس عاصمة للثقافة العربية بالقاهرة، صرخ أحد المتحدثين في الحضور متسائلاً: كيف يسوغ لإسرائيل الزعم بأن القدس يهودية لمجرد الدفع بملكية مبنى واحد في عمران مدينة عمرها خمسة آلاف عام أو يزيدون يدعى هيكل سليمان؟. لنفترض أن ثمة مبنى كهذا موجود بالفعل، ماضياً أو في الوقت الحاضر، هل تكفي هذه المنشأة للاستيلاء على مدينة بحجم القدس، بتاريخها وعمرانها المترامي فلسطينياً وعربياً إسلامياً ومسيحياً؟!.
ومن باب الحديث في المسلمات نتأمل في مقولة ان اليهود لم يكن لهم على مدار التاريخ من عاصمة سوى القدس فنرى أن زعماً كهذا يسخر من تاريخ اليهود أنفسهم، على اعتبار أنه كانت لهم ومازالت عواصم بعدد الدول التي عاشوا بين ظهرانيها ويعيشون كمواطنين أقحاح.
إذ أين هو اليهودي الذي يعاني حالة «البدون» باحثاً عن بطاقة هوية وجواز سفر في طول هذا العالم وعرضه؟. بالمناسبة، في إسرائيل زهاء مليون يهودي من حملة الجنسيات المزدوجة وأكثر من جواز سفر!.
زهو القوة والسيطرة على القدس بكاملها منذ 1967، أنسى الصهاينة أنهم قبلوا مشروعي تقسيم فلسطين لعامي 1937و 1947 رغم خلوهما من القدس ضمن الأقسام المخصصة لليهود. وينسى هؤلاء أيضاً أن بناة مشروعهم الاستيطاني طوروا تل الربيع، المعروفة بتل أبيب ليتخذونها عاصمة لكيانهم، الأمر الذي تم لهم لاحقاً.
وبغض النظر عن صحة اقتطاع تل أبيب من الجسد الفلسطيني الأم، فإن تطوير هذا الحي اليافاوى، الذي صار مدينة كبرى، عاصمة لإسرائيل يتسق وسيرورة هذه الدولة. فهي أول مدينة يهودية أقيمت في فلسطين، وكانت منذ نشأتها المركز الأكبر لليهود هناك اجتماعياً واقتصادياً ثم سياسياً. ومنها صدرت أوسع الصحف اليهودية انتشارا وقامت أكبر دور النشر وتكونت الفرق المسرحية.
وكانت مقراً للحركات السياسية والأحزاب والنقابات ومختلف المؤسسات. . ولذا، فإن نقل هذه الظواهر إلى القدس غداة احتلالها جزئياً عام 1948 وكلياً منذ 1967، يمثل عملية استزراع واصطناع تروم توكيد الرواية التوراتية حول مركز المدينة يهودياً بحقائق رديفة لا دينية. والظاهر أن العالم ينصت لهذه الرواية ويتابع عملية الاستزراع هذه لكنه لم يقتنع بها ولا اعترف بنتائجها قانونياً ولا سياسياً حتى الآن. <