محمد ناجي المنتصر
حدوث خلافات هنا أو هناك أمور بديهية بل ضرورية لنصرة الحق في نهاية المطاف عند معرفة الباطل من خلال حوار عبر قنوات شرعها الإنسان لنفسه لمناقشة أي خلاف ومعرفة الحق ونصرته والباطل وإزهاقه فالخلافات صفة إنسانية فطر الله الناس عليها فهذه الخلافات تحدث وسط أخوة من أم وأب وفي بيت واحد وإذا كان هذا هو الحال علينا أن لا نخاف من بروز خلافات بين أبناء وطن واحد بما يحملونه من تناقضات فكرية وحزبية ومصلحية وحتى دينية، لكن الذي يخيفنا عندما تخرج هذه الخلافات خارج إطار القنوات الشرعية والدستورية فالله تعالى يقول "وإن اختلفتم في شيء فردوه إلى الله ورسوله "صدق الله العظيم والإنسان شرع لنفسه دساتير وقوانين من أجل هذه الغاية بحيث لا تخرج هذه الخلافات عن الأطر الشرعية وتتحول من خلافات طبيعية إلى إحداث ضرر بحق العامة ومنجزاتهم "فالحرية محددة بأوامر الله ونواهيه وفي نطاق قدرة الإنسان على إتيان عمل لا يضر بالآخرين" قد تكون المقدمة مملة وللدخول في صلب الموضوع علينا أولاً أن نعترف بوجود أزمة خطيرة تهدد الوطن برمته بغض النظر عن أسبابها لكن علنيا جميعاً سلطة ومعارضة أن نعترف بأننا أخطأنا وأننا جميعاً شركاء في صنع المنجزات وكذلك الحال عندما تصبح هذه المنجزات مهددة فإننا شركاء أيضاً كما أنه من الواجب أن يعرف كل واحد منا قدره ومستوى مشاركته في أسباب وصولنا إلى ما نحن فيه الآن من أزمة خطيرة لا تهدد الوحدة فحسب بل إنها تزعزع إيمان الإنسان اليمني بالله وبوطنه وبقدرته على حماية منجزاته.
إن الواقع الذي نعيشه اليوم يتطلب من عقلاء اليمن التدخل لإخراج الوطن من محنته وبمشاركة وطنية وشعبية واسعة وتحت مظلة الدستور والقانون يجب أن يجري حوار واضح وصريح بين كل الأطياف وعلى كل المستويات .
وألا نختزل هذه الحوارات على مستوى كبار القوم بل يجب أن يمثل فيها الإنسان العادي فهو أيضاً يهتم بوطنه ووحدته وقد يكون أكثر إلماماً من كبار القوم لأنه صاحب المعاناة الحقيقية نتيجة لما يجري.
هذا الحوار المقترح يجب أن لا يكون كما سبقته من حوارات عدة بل يجب أن يرتقي إلى مستوى الحوار الذي انبثق عنه الميثاق الوطني وتمثل في قيام المؤتمر الشعبي العام الذي جمع كل أفكار اليمنيين بتناقضاتها في بوتقة واحدة أنصبت لمصلحة اليمن في النهاية بل إن هذا الحوار الناجح الذي جرى بداية الثمانينات هو سبب استقرار اليمن حتى الآن.
إن هذا الحوار الذي اقترحه يجب أن يكون شفافاً وصريحاً يخرج لنا بنتائج طيبة تحفظ اليمن وأهله وإن تطلب ذلك إلغاء الحزبية رضينا أو رفضنا فإنها سبب ما نحن فيه لأنها جاءت لنا وهي أكبر من مستوانا أصلاً ثقافياً وعلمياً واقتصادياً وهذا من باب الصراحة التي أقترحها كما أن الحرية التي أعطيت للصحافة لم يتم استخدامها الاستخدام الأمثل كأن تتمسك هذه الصحف بالثوابت الوطنية واحترام الدستور والوحدة الوطنية بموجب الحرية التي أتيحت لها وأن تكون هذه الصحف حرباً على الفساد وسلاماً على الوطن ووحدته فالصحف اليمنية لم تحترم هذه الثوابت ولم تحسن التعامل مع ثقافة الإنسان اليمني البسيط، وحسناً فعلت وزارة الإعلام بتوقيفها بعض الصحف التي تمس الثوابت الوطنية ولو أن هذا القرار جاء متأخراً لأنه كان من الواجب على هذه الوزارة إيقاف "الأيام" عن الصدور من بداية ما يسمى بالحراك لأن هذه الصحيفة لم تؤد رسالتها الثقافية والإعلامية على أكمل وجه بل إنها راحت تنفث سمومها في وسط البسطاء لتصل بنا إلى ما وصلنا إليه من ثقافة الكراهية.
قد أكون ذهبت بعيداً عن الموضوع المستهدف إلا أن ما أسرده أسباباً يجب أن يضمنها أي حوار مقترح كما أنه يجب أن يؤخذ بالاعتبار حق كل شخص سواءً في السلطة أو المعارضة على قدر مساهمته في الإنجازات الوطنية وأن لا نصبح مطبلين لهم إذا أنجزوا ونبعد عنهم ولا نشاركهم هذا الإنجاز وإذا أخفقوا حملناهم مسؤولية هذا الإخفاق ونحن نشاركهم فيه فلكل جواد كبوة.
إن على المثقفين سلطة ومعارضة أن يتحملوا المسؤولية أمام الله والشعب وأن يصلحوا ما أفسده الزمن بفعل الثقافة النتنة التي جاءت بها بعض الصحف.
إن على المثقفين وأقصد الوطنيين منهم أن يصلحوا الخلل الثقافي الذي أصاب عقلية اليمني البسيط وأن ينشروا الثقافة الوطنية الوحدوية التي تبعد عن عقلية البسطاء أنهم كانوا يعيشون في دولتهم الشطرية مستوى معيشي أفضل من بعد الوحدة.
إن على الإخوة في المحافظات الجنوبية أن يعوا أنهم دخلوا الوحدة بدولة فاشلة ونظام منبوذ عالمياً وحملوا إلى كاهل الدولة اليمنية الواحدة ثلاثين ألف شهيد من أحداث يناير وديون تتعدى الثمانية مليارات وجاءوا أيضاً إلى الوحدة بدولة البنية التحتية فيها معدومة تماماً والسجن والقتل هو الذي كان سائداً من قبل نظام الجنوب آنذاك ولأني أقترح أن تكون الصراحة هي الحل فعلينا أن نعترف أن الجنوب وصل إلى مستوى علمي وثقافي وبناء مؤسساتي منعدم في دولة الشمال الذي كان يرزح تحت حكم قبلي ونظام تعليمي محدود يسود هذا النظام العار القبلي والتناحر المناطقي رغم المساعدات التي كانت تصب من الأشقاء الخليجيين..شيء واحد علينا وعندما نعترف به وعندما ندخل الحوار نأخذه بالاعتبار وهو أننا في عهد التشطير كنا مهانين أمام العالم شمال وجنوب نبدد قوتنا لقتل بعضنا حتى جاءت الوحدة لتحملنا إلى العزة والكرامة ونيل الاحترام من كل شعوب الأرض التي وقفت لهذا الإنجاز احتراماً وإجلالاً فقد توحد اليمن في ظل تشرذم معظم الدول عند انهيار المعسكر الشرقي إن القدر الإلهي هو الذي سخر لنا ظروف وحدتنا هذه الوحدة التي إن تمسكنا بها أمنا وإن فرطنا تضررنا وإذا انهارت سندفع الثمن جميعاً.<