إسماعيل صالح السلامي
الثأر والعدل لا يجتمعان في مجتمع واحد فإذا سادت العدالة بين الناس انعدمت ظاهرة الثأر أو العكس عندما تغيب العدالة والقوانين النافذة على الجميع يزيد الفساد وتنبع ظاهرة الثأر والتي تعد من أبشع الجرائم وأشنعها، وأسوأ الظواهر وأخطرها فإذا انتشرت في مجتمع أوردت أهله الهلاك ، كونها تفتح أبواب الشر، وتحول حياة الناس إلى صراعات دائمة لا تنتهي قد تستمر مئات السنين.
فهذه الظاهرة من العادات والأعراف والأسلاف السيئة وقد انتشرت بشكل واسع في العصور الجاهلية قبل الإسلام،ولما أشرق الإسلام بتعاليمه السمحا وتشريعاته الواضحة والعادلة، قضى على هذه الظاهرة وشرع القصاص، حيث يطبق بالعدل، ويقوم به ولي الأمر حتى لا تنقلب حياة الناس إلى فوضى، وليس لأحد من الناس حتى ولي الدم فعليه أن لا يتسرع بالقتل حتى يتم التأكد من حقيقة الأمر والله سبحانه وتعالى قد وضح في محكم آياته بقوله تعالى (( ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ومن قتل مظلوماً فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف في القتل انه كان منصورا)).
هكذا تمكنت عدالة الإسلام من محو ثأر الجاهلية ومثل ذلك في أي زمان وأي مكان فالعدالة والثأر كالشمس والقمر لا يظهران في آنٍ واحد ولكن من الملاحظ أن ظاهرة الثأر قد اتسعت وزاد انتشارها في عصرنا هذا وخصوصاً مع انتشار حمل السلاح الذي يسهل عمليه القتل والانتقام الشخصي الفردي أو الجماعي فقد سادت هذه الجريمة في الكثير من المجتمعات اليمنية ويرجع السبب في انتشار جرائم القتل إلى انعدام العدالة في معظم المحاكم وانتشار الرشاوى وغير ذلك من اشكال الفساد القانوني مما يجعل المغلوب على أمره يلجأ إلى الانتقام الشخصي وأخذ حقه بيده بعيداً عن النظام والقانون فالنظام والقانون لم يعد يعطي حقاً لأحد نظراً لانتشار الفساد والرشاوى في معظم المحاكم التي تمنع من تنفيذ الأحكام الجزائية والقوانين النافذة والأمثلة والشواهد من حولنا كثيرة لا يتسع المقام لذكرها.
فهذه الظاهرة لا ترتبط بالجهل كما يقول البعض وإنما تنتج عن انعدام العدالة والدليل على ذلك لو نظرنا إلى عهد الإمام والملكية لوجدنا أن ظاهرة الثأر لم تكن كما هي حالياً رغم أن ذاك العصر تميز بجهالة الناس وانعدام التعليم والتوعية إلى حد ما ولكن تم القضاء عليها بوجود العدالة والمساواة بين الناس والقوانين الصارمة والحازمة والسريعة، خاصة في بعض الأحيان القتل الشنيع التي لا تحتمل التأجيل والتي لا يقبل فيها التهاون والتأجيل لأن ذاك التأجيل يؤدي إلى الانتقام الشخصي سواء استهداف الغريم أواحد أقربائه وهكذا تتسلسل الفاجعة وتتعد حلقاتها ففي كل وقت يسقط ضحية من الطرفين وتتوسع الحلقة إلى مالا نهاية فغياب العدالة والتأجيل في قضايا القتل هما من وراء تفشي هذه الظاهرة.
من هذه الرؤية فإننا نطالب القضاء الأعلى بالإشراف على جميع المحاكم للحد من انعدام العدالة وتداعياتها من رشاوى وغيرها من مظاهر الفساد القانوني ووضع العقوبات على كل من يحاول التعدي على العدالة أو الإخلال بالتشريعات القانونية أو إعاقه تنفيذها وذلك للحد من ظاهرة الثأر والانتقام الشخصي بعيداً عن تلك المحاكم وكذلك تخفيض المبالغ المالية التي تفرضها المحاكم على المتخاصمين كونها تعمل على عجز بعض المواطنين عن تحملها فيلجؤون إلى حمل السلاح والفرار من وجه العدالة وأخذ حقه بيده مع العلم أنه لا يلجاء إلى القتل إلا شخص انعدمت أمامه الحلول المناسبة ووصل إلى طريق مسدود لأنه يعرف مسبقاً عواقب ارتكاب تلك الجريمة ولذلك فلتفتح المحاكم أبوابها وليسهل ارتيادها حتى تصبح الملجأ الوحيد لجميع المواطنين وسلمكم الله من كل مكروه.<