غالب حسن البحري
إن المتتبع للاحداث السياسية على المستوى الوطني بشكل عام وعلى المحافظات الجنوبية بشكل خاص يلاحظ مستوى الطرح والتناول للكثير من المشاكل الاقتصادية والاجتماعية التي تواجه الوطن بشكل عام وليس المحافظات الجنوبية كما تدعي بعض الأصوات النشاز والتي تسعى إلى إثارة الصراعات بين أفراد المجتمع الذي تنفس الحرية يوم 22 مايو 1990م، بعد أن ذاق مرارة الحياة في عهد التشطير عهد الحزب الاشتراكي الذي لم يخلف إلا الثأر بين أبناء المحافظات الجنوبية، وهذا الطرح عن المحافظات الجنوبية من قبل بعض الأحزاب يحمل عدة معاني تجعل الإنسان يتوقف عندها ويبحث عن الأسباب التي أدت إلى هذه الدعوة الخارجة عن إطار القانون ومن ورائها فالكل يعلم أن المحافظات الجنوبية أصبحت جزءاً من أراضي الجمهورية اليمنية وامتداداً طبيعياً لها وليست مقاطعة مستقلة، وقد عبرت عن رأيها في أول انتخابات نيابية عام 1993م، عندما أعلنت تحررها من الحزب الاشتراكي عبر نتائج الانتخابات النيابية والرئاسية والمحلية التي جرت في اليمن الموحد وأثبتت للعالم أن الحزب الاشتراكي لم يعد يمثلها وأنه لا يحق له أن يتكلم باسم المحافظات الجنوبية التي ما زالت تتذكر جيداً تاريخ الحزب الأسود في صراعه الدموي طوال سنوات حكمه التي استمرت أكثر من عشرين عاماً والجنوب في صراع دائم ومستمر بين أقطاب السلطة واليوم يريدون إعادة مجدهم التاريخي في تأجيج الصراع بين أفراد المجتمع ويستكثرون عليه الاستقرار الاجتماعي الذي تحقق لأبناء المحافظات الجنوبية والإنجازات التنموية الكبيرة المتحققة لهذه المحافظات في جميع المجالات الخدمية ويشهد بها جميع سكان المحافظات الجنوبية والشرقية والزائر لهذه المحافظات يدرك الفرق الكبير بين عهد ما قبل الوحدة وبعدها، وأن رهان المعارضة على ما يسمى أبناء الجنوب أصبحت نغمة ممقوتة وغير مقبولة من قبل جميع أبناء اليمن الغيورين على وحدة الشعب اليمني واستقراره.
وإن المواقف السلبية للمعارضة تجاه القضايا التي تحدث في بعض المحافظات تؤكد أنها راضية عن هذه الزوابع المثيرة للإزعاج والقلق وتشويه سمعة اليمن وذلك بحجة خلافها مع السلطة وتعتبرها وسيلة من وسائل الضغط على الدولة لتحقيق أهدافها التي لم تتمكن منها بالوسائل العادية الأخرى، وهذا الموقف السلبي الانتهازي من أحزاب المعارضة يمثل خروجاً عن الثوابت الوطنية وتلاعباً بمصالح البلاد والسعي لإثارة الصراع للاستفادة منه في تلبية مطالبها، وهذا السلوك لا يخدم الوطن ولا يخدم المعارضة، لأن المجتمع اليمني أصبح بدرجة عالية من الوعي ويدرك مصلحة الوطن العالي المتمثلة في الثوابت الوطنية التي ضحى من أجلها شعبنا اليمني وهي الثورة والجمهورية والوحدة والتي حررت الإنسان اليمني من براثن الظلم والاضطهاد وأنه لا يمكن المساومة على مثل هذه المبادئ مهما كانت التضحيات وعلى أحزاب المعارضة أن تدرك هذه الحقيقة وتعرف أن الرهان على المساومة بالمبادئ الوطنية رهان خاسر ولا يمكن التعامل معه مهما كانت أساليب الطرح والتناول لقضايا المجتمع ومشاكله،وعليها أن تهم بمشاكل المجتمع في جميع محافظات الجمهورية والارتقاء بدورها إلى مستوى التحديات التي تواجه البلاد والمشاركة في تصحيح الاختلالات التي قد ترافق عمل السلطات الحكومية المركزية والمحلية من خلال رصد وكشف المخالفات والمطالبة بمعالجتها وفقاً للقوانين واللوائح المنظمة لهذا الشأن وبالوسائل السلمية الغير مضرة بمصالح المجتمع والدولة.
وبالنسبة لسكان الجنوب الذين تتغنى بهم بعض القوى المأزومة نقول لهم أن سكان الجنوب هم أيضاً امتداد طبيعي لسكان الشمال وتربطهم روابط أخوية لا يمكن التفريق بينهم مهما كانت نتائج المؤامرات التي تحاك ضد هذا البلد المتطلع لصنع المستقبل الواعد بالخير بعد أن استعاد وحدته وأنهى إلى الأبد حالة التجزئة التي فرضها الاستعمار البريطاني عندما قام بتقسيم الوطن العربي بعد انتصار الغرب على الدولة العثمانية التي كانت تحكم الوطن العربي ومنها اليمن إضافة إلى هذا فقد تذوق الجميع أبناء اليمن حلاوة الوحدة التي فتحت باب الحرية والديمقراطية والتعددية الحزبية وأنهت الحروب والحقد والكراهية التي كان يغذيها أعداء الوحدة.
لقد كبرت اليمن بالوحدة وأصبحت رقماً مؤثراً في المحيط الإقليمي والدولي وهذا ما أزعج بعض القوى الإقليمية التي اتجهت لمحاربة الوحدة اليمنية وإضعاف دورها في المحيط العربي والدولي من خلال إظهار اليمن بمظهر الدولة الغير مستقرة وانها منطقة غير آمنة وغير قادرة على القيام بأي دور إقليمي أو دولي وكذا غير مناسبة لجذب الاستثمارات، وهذا يمثل تحدي يحتم على الجميع دولة ومعارضة مؤسسات وأفراد ، منظمات مجتمع مدني العمل صفاً واحداً لمواجهة هذه التحديات التي تهدد أمن واستقرار اليمن وتتحمل مؤسسات الدولة المختلفة مسؤولية حشد الطاقات وتوحيد الجهود لمواجهة التداعيات والسلبيات التي تسعى إلى النيل من وحدة الوطن واستقراره، وإذا كانت التعددية والديمقراطية تشكل عامل تهديد لوحدة الوطن وتشويه سمعته وإزعاج للمجتمع وإقلاق للأمن والاستقرار فإنها مرفوضة من قبل المجتمع الذي يبحث عن الأمن والاستقرار الاجتماعي في جميع محافظات الجمهورية وخاصة المحافظات الجنوبية التي عاشت حقبة من الزمن تحت الصراع الدموي بين أقطاب الحزب الواحد الذي كان يحكم الشطر الجنوبي قبل الوحدة.
إن العالم اليوم يتهيأ للعيش تحت مظلة العولمة ونحن نتصارع تحت مظلة المناطقية الممقوتة والمذهبية الجامعة التي يغذيها أعداء الأمة لاستمرار الصراع وخلق الفتن بين أبناء الوطن، والأحزاب في العالم المتقدم تتنافس من أجل خدمة الوطن وتطوره وأحزابنا تتنافس من أجل تمزيق الوطن وتخلقه لأنها تنطلق ممن مصالح ضيقة ذات أبعاد اجتماعية متخلفة، وهذا هو السبب في تخلف أحزاب المعارضة وعدم قدرتها على التأثير واستقطاب الجماهير وفرض نفسها كقوة مستمدة من قوة الجماهير التي تمثلهم، ولهذا نلاحظ أن معظم أحزابنا تبحث عن مواقع من خلال المساومات وإثارة بعض الصراعات انطلاقاً من مبدأ خالف تعرف.
إن المحافظات الجنوبية كغيرها من محافظات الجمهورية شهدت نهضة عمرانية وتطوراً ملحوظاً في جميع المجالات خلال عمر الوحدة المباركة وأستطيع القول أن المحافظات الجنوبية تعيش اليوم أزهى مراحل التاريخ التي مرت بها طوال السنوات الماضية ودليل ذلك عودة الآلاف ممن شردوا خلال سنوات الاستعمار والسنوات العجاف من حكم الحزب الاشتراكي وانتعاش الحياة الاقتصادية والاجتماعية ولا ينكر هذا إلا إنسان جاحد ومكابر لثمار الوحدة والحقائق الموجودة على الأرض.
ومن الخطأ الرابط بين الأخطاء الإدارية والثوابت الوطنية وجعلها ورقة للمساومة فهذا يعتبر من المحرمات ولا مجال للبحث والتفاوض فيها، وعلى الدولة سرعة مراجعة الأداء الإداري لأجهزتها الإدارية والأمنية القضائية ومعالجة الاختلالات التي تحدث هنا وهناك ومحاسبة كل من يتسبب في إحداث مثل هذه المشاكل وفقا للقوانين واللوائح النافذة والابتعاد قدر الإمكان عن أساليب المداراة والمراضاة وتوزيع بعض المزايا والمناصب الإدارية لاستقطاب العناصر التي تقوم بمعارضة الدولة لأن هذا الأسلوب هو الذي يشجع الآخرين على القيام بافتعال المشاكل لتحقيق رغبات ذاتية وهذا ما تعاني منه الدولة نتيجة لسياسة المداراة وغياب التطبيق الفعلي للقوانين ومعاقبة الخارجين عن الثوابت الوطنية أو المساس بها،وقد أدى هذا الوضع إلى إضعاف هيبة الدولة أمام تزايد المشاكل وحدوث نوع من عدم الاستقرار والسيطرة على الأوضاع، وأن معظم المشاكل التي تواجه الدولة هي ناتجة عن السلوكيات الخاطئة للأجهزة الحكومية الإدارية والأمنية والقضائية المتعطشة لإشباع رغباتها على حساب واجباتها الوطنية، وذلك في ظل غياب تقيم الأداء وتطبيق مبدأ الثواب والعقاب، وهذه هي نقاط الضعف الأساسية التي أدت إلى تفاقم المشاكل والخروج عن الثوابت الوطنية في كثير من المناطق التي ظهرت فيها بعض الصراعات وتتطلب معالجات سريعة وحاسمة للخروج من هذه الزوابع وعدم التهاون فيها مهما كانت الأسباب والنتائج أمام الحفاظ على الثوابت الوطنية.