نبيل مصطفى الدفعي
كان عدد الجالسين في المقهى لا يتجاوز العشرة لاحظت ذلك خلال قدومي إلى المقهى لشرب الشاهي وتبادل الحديث مع بعض الأصدقاء والمعاريف والذين هم عادة من رواد المقهى الدائمين، فأتخذت لنفسي مكاناً بجانب الوالد عثمان وهو من كبار السن المتقاعدين عن العمل ممن قضوا احد الأجلين كما يسمونهم.
المهم عادنا ما جلست إلا وسمعت واحد يشتم ويصيح ويقول الناس ما عاد فيهم أمانة والواحد مفروض ما يثق بأحد، ترحم واحد تريد ترزقه يقوم يسرقك المهم التفت جهة من يشتم فوجدت انه من يشتم هو بعينه الحاج احمد بشحمه ولحمه. وفوراً توجهت بسؤالي للوالد عثمان ماذا جرى للحاج احمد اجابني وهو يضحك ولد صغير قام بتنظيف حذائه ومسحه بالبويا واراد ان يعطيه اجرة ولكن كانت معه خمسمائة فأعطاها للولد ليصرف بالبقالة لان صاحب المقهى لا يوجد عنده صرف وليأخذ اجره من الفلوس ولكن الولد هرب بالفلوس ولم يعد وهو الآن يصيح عنشان الخمسمائة ريال حقه، وواصل حديثه والله لا ادري ايش بايعمل لو حدث له مثل ما حدث لواحد اسمه مستر عمر قبل خمس سنوات وصمت اثار فضولي فقلت سريعاً واصل يا عم عثمان ماذا حصل للمستر عمر فقال العم عثمان هذا الرجل فقد عقله وتعرف ليش فقلت له ليش يا عم عثمان ، قال المستر عمر كما يسمونه طيب جداً وخلوق وفي يوم واحد ثيابه ممزقة وشكله محتاج لمعونة وقد لجأ اليه وقال له راجياً انا تعبان ولم انم من خمس ليال وهارب من اهلي لانهم بايقتلونا وعندي ثار تعاون معي الله يخليك ليوم واحد فقط وسأدبر عمري طبعاً رحمه مستر عمر وقال باعمل اجر عند الله واخذه البيت عنده واكله أي عشاه وخلاه يغتسل ونام عنده ليلتها وعندما اصبح الصباح ثاني يوم لم يجد الرجل ولم يجد الفلوس التي كان يدخرها للمستقبل وكان سرق ذهب زوجة المستمر عمر وهنا صارت صدمة له واختل عقله من بعدها يا ابني الامانة ضاعت عند بعض الناس واتقي شر من تحسن اليه واذا اكرمت الكريم ملكته واذا اكرمت اللئيم تمرد والواحد اصبح يحتار في تعامله مع الناس واصبح صعب التمييز بينهم فبعضهم يظهر لك انه طيب وهو في نفسه اسود القلب والا اسمع احسن الواحد يطبق ما ذكره الجاحظ في كتابه عن الحيوان وان هناك صفات متماثلة بين الانسان والحيوان وذلك واضحاً في الاخلاق خاصة حيث يقول اذا رأيت رجلاً غليظاً في طباعه قوياً في بدنه لا تأمن شره فألحقه بعالم النمور، واذا رأيت الرجل خبيثاً كثير الروغان مثل الثعلب فهو من عالم الثعلب واذا رأيت من يمشي بين الناس بالنميمة ويفتن بين الناس ويفرق الاحبة فألحقه بعالم الظربان "دابة صغيرة" واذا رأيت انساناً نهماً دائم الجوع لا يشبع ابداً فهو من عالم الذئاب واذا رأيت انساناً يلدغ من نفس الجحر مرات عديدة فألحقه بعالم الحمير، واذا رأيت انساناً يقتل القتيل ويمشي في جنازته أي يفترس ثم يذرف الدموع فهو من عالم التماسيح واذا رأيت انساناً قوي الجسم مفتول العضلات ولكنه ضعيف الارادة منقاد فهو من عالم الثيران واكمل وهو يضحك اسمع ما فيش عندي وقت احسن تجي عندي وتأخذ الكتاب لتقرأه ولتقرر في أي عالم انت يا لله سلام والله من وراء القصد.