شكري عبدالغني الزعيتري
حكي في تاريخ فراعنة مصر عهد رسالة نبي الله تعالي موسي حين أرسل لبني إسرائيل قيل أن فرعون ذاك الزمان سأل : لماذا تدعي الإلوهية بقولك أنا ربكم الاعلي .. ؟ فأجاب فرعون قائلا : إن قلت قولا سواء كان على صح أو خطأ . قالوا من حولي ممن جمعتهم من الخاصة والعامة (أحسنت ما قلت وصنعت ) . وان أمرت بشئ سواء كان علي حق أو باطل . قاموا المأمورين لنفذوا بسرعة البرق . فلا من يخطئني أمام خطئ ولا من يشد من أزري أمام صحيحي ولا من يناقش أو يسأل أو يعقب أو يضيف سوي أن قولي يسمع وأمري ينفذ ويزد علي ذاك أنهم يتغنون وينشدون ويرتلون أقوالي وأفعالي ويلبون أوامري وينتهون عن نواهي حتى أني شعرت بان احد ليس مثلي من البشر وتملكني الغرور والكبر بان شعرت باني اله البشر إذ أري نفسي بفعل رعيتي أن لي الإلوهية في الأرض وحين جمعت الخاصة والعامة وقلت أمامهم أنا ربكم الاعلي فاعبدوني ... فسرعان ما سجدوا أمامي .. و قد كان من وزراء فرعون ممن هم مقربين وزيرا سمي (هامان ) وهو الوزير الذي كان يخطط له ويفكر كيف يسيطر ويخضع له بشر مصر ويستعبدهم . وفي يوم من الأيام جاء (هامان) يريد مقابلة فرعون لقضية تشغله في فكرة وتفكيره وحين وصل إلي بوابة قصر فرعون يريد الدخول على فرعون استوقفه الجند الحراس . فقال لهم أريد الدخول علي فرعون .. ؟ فرد عليه الجند الحراس مولانا الملك فرعون مشغول يخلق الجمال . فانصرف هامان عائدا إلي قصره دون أن يقابل فرعون . وفي اليوم الثاني في الوقت المخصص لمقابلة فرعون لوزرائه وخاصته لأعمال مملكته جاء هامان وحين قابل فرعون . قال هامان لفرعون تكذب علي جنود ك الحراس أمس وتقول لهم بأنك مشغول تخلق الجمال وهم علي قولك يقولون لي بأنك مشغول ويمنعوني من الدخول عليك (علي هامان يا فرعون ) أنا من علمك علي العامة فيرتد علي ما علمتك ... وأمام هذه الحكاية من حكايات ( فرعون وهامان ) وهذا السرد نقول كذلك اليوم يعيد التاريخ نفسه ولكن بصورة غيرة ظاهرة وليس ما يكون فيه خروجا سافر عن الإيمان بالله سبحانه لفراعنة اليوم كما فعل فرعون الأمس في مصر وإنما بظهور أفعال فراعنة اليوم والتي تطفي عليهم قداسة يريدونها لأنفسهم ويكون منبعها رعيتهم (غالبية أبناء الشعب بعلم أو جهل أو براءة لا ندري )
وبما يقترب من الإشارة إلي ما كان كائن عند فرعون الأمس إذ يظهر لنا فراعنة اليوم ) بان يسعي كثير من البشر العرب وكلا في بلدة من البلدان العربية بالقول بأن حاكمهم الملك أو الرئيس علي اطلاع بكل شئ وأنه هو وحده من يجمع ويفرق ويذهبون للتصفيق والتكبير والتهليل له في كل صغيرة وكبيرة .. وأمام كل صحيح أو خطأ .. حتى وصل الأمر في بعض بلدان عربية أن تهمش مؤسسات عمل مدنية ومؤسسات نظم حكم وهيئات متخصصة تجاه كثير من الأعمال هو اختصاصها بان يتم الرجوع إلي ملك البلاد العربي أو الرئيس ليأخذ منه الضوء الأخضر بموافقته تجاه أعمال تكون ليست اختصاصاته بهدف نيل رضاه وإشعاره بان له فقط الولاء وحدة وليس للشعب وليس للوطن وليس لحاجة العمل وإنجاحه .. بينما يكون فرعون اليوم لا يريد ذلك لأنه لا يريد وجع الرأس أو يريد أن يقوم كلا بعملة بحسب ما تحتمه مصلحة العمل وفي بعد عنه فرعون اليوم .. وأمام هذه التصرفات التي يقوم بها الأتباع والحاشية والسدنة ولا يعلمون أن فرعون اليوم لا يهمه ذلك بقدر اهتمامه بنجاح العمل والتخفيف من أعباء شعبة الواقعة علي رأسه وأثقلت كأهلة وان نظرة فرعون اليوم قد تغيرت وتحولت وأصبح عنده الولاء له يظهر فيمن يسعي لإنجاح عمله واجتهاده لمساعدته لحل مشاكل شعبة .. إلا أن الأتباع والحاشية والسدنة والخاصة يصرون علي استمرارهم علي ما كان في السابق ولم تتطور عقليتهم وفهمهم لواقع اليوم والمستقبل إذ يصرون أن يستمروا بتوجههم وكأن لا وزارات ولا قيمة ولا صلاحية لوزراء ولا وكلاء ولا مدراء عموم ولا انظمة ولوائح وقوانين (بالبته) .. وحين يأمر الملك أو الرئيس احد وزرائه أو خاصته بشئ ترى لا احد يراجع خطئ كائن إن وقع ويتضمنه الأمر المعطى ولا يصحح من قبل احد . لأن ابن ادم خطاء وخير الخطاءين التوابين كذا قال رسولنا الكريم (ص) . إذ قد يصدر فرعون اليوم أمر أو توجيها مخالف لقانون ويكون في حالة نسيان لان قدرات البشر محدودة ولن يستطيع حفظ واسترجاع كل القوانين في تفكيره في لحظة الاحتياج لإصدار أمر أو إصدار توجيها بتنفيذ عمل ما .. وأمام هذا تري الخاصة يذهبون سمعا وطاعة هذا من جانب الخاصة الأتباع والحاشية والسدنة ... أما من جانب العامة ترى الكثير يصفق وينادي بأرفع صوته بالتهليل والتكبير لأقوال وأوامر وأفعال الملك أو الرئيس ولكل ما هو لمصلحة فرد من البشر مع عدم درايتهم ما المنفعة التي سيستفيدونها من تصفيقهم وتهليلهم وتكبيرهم وما سيجنون ممن يصفقون لهم من الأفراد . كما ترى الكثير من العامة أيضا يفعلون بالمثل ويقلدون أو كما يقال لهم ويوجهون ليعملوا الأفعال عملوا وكأنهم دماء (لعب ) لا يفكر احدهم فيما يطلب منه أن يفعل وبصرف النظر كان فيما يفعل خطأ أو صح .. وبصرف النظر أن كان فيه مصلحة لوطن وشعب أم ضرر .. وأمام هذا و كأن الحال يقول عند المجاملين والمبجلين والمتمرزقين والمتسللين من الخاصة .. والدماء (اللعب ) من العامة .. بان رئيسهم أو ملكهم وما يطرحه وما يأمر به وكأنه أشبه بان يكون قران (استغفر الله ) ولا حق لأحد في التخطئة أو التعديل أو الدحض . استغفر الله من هذه أقوال لان قدرات البشر محدودة .. إذن نجد أن الناس هم من يؤلهون ويصبغون الإلوهية والقداسة للحاكم العربي الفرد من البشر .. إذ يصل بكثير من الخاصة والعامة إلي أن يقدسون ملكهم أو رئيسهم وكأنه قداسة من الطهارة ولا يخطئ .. وكثيرا منهم تراهم عند الوقوف أمام ملكهم أو رئيسهم يتلعثمون أن حدق بأحدي عينية .. ويجف لعابهم أن رأوا شرارة غضب واحمرار في وجهة .. وترتعد أجسامهم بان تفقد اتزانها إن صاح غضبا لشئ .. وتنتفض أيديهم أن مدت إليه أيدهم لإعطائه ملف أو ورقة عمل ما يطلبه .. وكأنهم يرونه صح فيه قول الملك المدعي (نمرود ) حين قال لسيدنا ايراهيم عليه السلام (أنا احي وأميت) و فسر حينها لسيدنا ابراهيم ذلك بقوله بأنه يستطيع القتل لمن يريد فيميته .. ويستطيع الإبقاء علي من يريد فلا يقتله فيحييه ) .. هكذا يتم التعامل مع ملك أو رئيس حاكم عربي من قبل خاصته وكثير من عامته ... إذن نخلص إلي القول أن من حول الرئيس أو الملك هم من يرفعونه إلي مراتب القدسية والطهارة والتنزه عن الأخطاء بعدم مراجعتها حتى يصل الحال بالبعض من الرؤساء أو الملوك أن يغتر بنفسه ويتكبر ولا ولم يعد يقبل التخطئة أو المراجعة أو التعديل من احد من حوله سواء من خاصة أو عامه .. وعند نمو حالة الغرور والكبر والتكبر عند رئيسا أو ملكا ما يأتي من يدعي من عامه أو خاصة بأن رئيسهم أو ملكهم يحيط نفسه بالألوهية والقداسة .. وأخيرا نقول اليوم وفي وجود هذه القدسية من يجرؤ ومن عنده الشجاعة أن يتفوه بخطاء عند وقوعه من رئيس دولة أو ملك مملكة عربية ليراجع الخطاء ويقترح الصح فيصحح الخطاء .. بل حتى أننا نجد انه يمتد هذا من فقدان الجراءة والشجاعة لدي الكثير أمام رئيس مؤسسه أو مدير عام مرفق حكومي إذ تفقد هذه الجراءة والتعامل بمصداقية مع الرؤساء خوفا من إغضابهم ... ليس لان رئيسهم أو ملكهم سيبطش بهم ( لا ) .. وإنما لأنهم ذوي مصالح شخصية وأنانية وهي الغالبة وعندهم الفود والتفيد من وراء سلطتهم ومراكزهم ونفوذهم على من يرأسونهم ومن حقول عملهم العام .. وخوفا علي فقدان كراسيهم لسلطة ما وان صغرت وعلي مستوى مؤسسة عامة ... ورغبة في استمرارهم كقادة لمؤسساتهم .. ولهذا يعشعش ويعيش الخوف في قلوبهم ويخافون من المصارحة لرئيسهم أو ملكهم حتى لا يفقدون تلك المزايا الوظيفية وتلك الغنائم المالية بينما يكون رئيسهم أو ملكهم يتمنى من يعينه علي حكم صائب غير معوج .. حكم عادل غير ظالم .. حكم صحيح غير خاطئ وعندما يري الملك أو الرئيس عدم توفر في من حوله من الأشخاص من يتصفون بالشجاعة عند ظهور خطئ يعتقد أن كلهم في حالة غباء لا يفهمون ولا يدري بأنه الخوف علي مصالح شخصية وأنانيتهم هي من تمنعهم أن يطرح فكرا أو مقترحا أو يعقب أو يضيف وقد يكون صحيحا ولكن فيه ما يخالف لما طرحة رئيسهم أو ملكهم .. وهكذا يرى الخاصة ممن هم حوله في حالة من الغباء فيتسأل حينها في نفسه : كيف سيكون العامة .. ؟ فيجيب على نفسه : بالتأكيد نعاج . فيعود يحدث في نفسه قائلا بالمثل اليمني ( سراج يغنزز ولا ظلام ) أو يقول (اعور أفضل من أعمى ) ... إذن نقول البشر من الخاصة والعامة هم من ينزه أفراد ويقدسونهم حتى يتملك الشيطان من إقناع أولئك الأفراد من أن يقتربون من القداسة التي هي احدى صفات الإلوهية فيصل الحال بان يتعود ذاك الرئيس أو الملك بان تضيق صدورهم أمام أي نقد أو اقتراح لصواب يصعد من الادني تجاه قول قيل أو عمل أمر بتنفيذه وتأخر تنفيذه .. هذا ما يحدث في عصرنا الحديث عصر العلم والتقدم سواء من قبل ملك أو رئيس عربي وحتى من قبل رئيس قطاع عمل أو من مدير عام .. بل يمتد أحيانا إلي مدير إدارة صغير في مرفق عام إن كان له حفاوة عند القائد والمسئول الأول في المرفق الحكومي ويدعمه لصلة قربي أو تزلف من الصغير أو حرافه في أعمال لا إنسانية أو لا أخلاقية ويقوم بها وتعجب فرعون صغير في قطاع عمل حكومي صغير ( استغفر الله تعالى من كل ذنب أذنب ) .
Shukri_alzoatree@yahoo.com