محمد خالد الأزعر
فور أن تتلصص نذر كارثة صحية وبائية إلي مكان ما، تتجلى الكثير من آيات التضامن لمعالجتها داخل المجتمعات الوطنية وفيما بينها إقليمياً ودولياً. فالهيئات المختصة محلياً تتواصل مع المراكز والعواصم.. ثم تعجل الحكومات إلى تبادل ملاحظاتها وبياناتها بخصوص الوباء، ويتوالى وصول التقارير ذات الصلة إلى منظمة الصحة العالمية وسائر المؤسسات الدولية المعنية. وتصبح هذه الأخيرة مرجعية مطاعة ومتبوعة، لا تتجاهلها دولة ولا جهة إلا ضل سعيها وخاب رجاؤها في مواجهة لعنة المرض المحلقة.
عالمنا اليوم شاهد على الاستنفار والتعاون الجماعي، سريعي التكوين في مواجهة إنفلونزا الخنازير؛ بالتزامن مع وقفة مماثلة ضد إنفلونزا الطيور.. وعرفنا الشيء ذاته قبل سنين لمقاومة جنون البقر.بقدر ما تثور المخاوف في أوقات الأزمات المهددة لحياة قطاعات واسعة من البشر؛ العابرة للحدود بكل أشكالها، بقدر ما يسعد المرء لمشهد التكافل الإنساني العالمي، الذي تستدعيه هذه الأحوال الطارئة. . الاصطفاف لصد ما هو أكثر قسوة من جنون البقر وإنفلونزات الطيور والخنازير وبقية الحيوانات وغضبات البيئة.. ألا وهو الحروب المدمرة، الأهلية منها والدولية. الإجراءات الوقائية والتواصل المخلص عالمياً، أنقذت أرواحاً لا تحصى عدداً في جهات المعمورة، حتى أن ضحايا الأوبئة المذكورة بكل خبثها وصنوفها لم يتجاوزوا المئات. . أين هذه الأرقام الهزيلة مما حصدته وتعد بحصده الحروب بين البشر؟ الحربان العالميتان أزهقتا أرواح أكثر من سبعين مليون إنسان. وفي ساعات قليلة أفنت قنبلتا هيروشيما ونجازاكي أكثر من مئتي ألف نفس. ولا يكاد عدد صرعى الأوبئة وإغارتها المتتالية على إفريقيا يعادل جزءاً يسيراً من قتلى الحروب الأهلية هناك.