طارق الحميد
مما يميز قيادات تنظيم القاعدة، في كل مكان، جهلهم السياسي، وحبهم للظهور الإعلامي، وهو أمر ايجابي حيث يساعد دائما على كشف خطرهم للمعنيين وللرأي العام، وآخر الأمثلة على ذلك تصريحات القاعدة حول اليمن.
فإعلان زعيم القاعدة في جزيرة العرب، أبو بصير ناصر الوحيشي، في التسجيل الصوتي الذي بث يوم أمس عن دعم القاعدة لليمنيين الجنوبيين الساعين لانفصال الجنوب عن الوطن الأم، يعد أمرا حاسما لمن هم مترددون في إعلان موقفهم من قضية الانفصال في اليمن.
تنظيم القاعدة اعتبر انفصال الجنوب عن اليمن أمرا كفله الدين، بحسب الوحيشي، وهو لا يقول ذلك من باب تسويغ الانفصال وحسب، بل إن هذا ما تؤمن به القاعدة فعليا، حيث أنها تسعى إلى زعزعة الاستقرار، بسبب عدم إيمانها بالدول والأنظمة. فالقاعدة تؤمن بدولة الخلافة من ناحية، ومن ناحية أخرى هي تعلم أن أي وطن مستقر آمن لا يمكن أن يكون صالحا لأنشطتها وسعيها التخريبي، فالقاعدة لا تنمو ولا تقوى إلا في الدول المنهارة، وحيث وجدت النعرات القبلية والطائفية.
حدث ذلك من قبل في أفغانستان، ويحدث اليوم في جنوب باكستان، وكذلك في العراق بعد سقوط النظام السابق واندلاع الفوضى، وتأجج نار الصراعات الطائفية بالعراق، والأمر نفسه يحدث في الصومال الذي يعد مؤشرا جديدا على خطورة القاعدة. فمن ينظر إلى الخريطة سيجد أن الصومال ليس ببعيد عن اليمن، وهو دولة منهارة فعليا، وبالتالي فإن إضعاف الدولة اليمنية، واقتطاع جزء منها وتحويله إلى مناطق تدريب واستقطاب لمقاتلين جدد للقاعدة، يعني أن التنظيم سيسيطر على منطقة مضيق باب المندب. وهذا تلقائيا يعني أن السعودية، وبالطبع دول الخليج، وكذلك الملاحة البحرية على البحر الأحمر، تكون قد وقعت في كماشة دولة القاعدة الجديدة، مما يعني استنزاف جديد لدول المنطقة، وبوادر نذر شر لا يعلم نهايتها إلا الله.
ولذا فإن دعم القيادة المركزية في اليمن اليوم بات أمرا واجبا، وليس ورقة مساومة، أو ملفا قابلا للإهمال والتأجيل، فالخطر أكبر مما يعتقد البعض، وشره سيعم، ولن يخص اليمن وحده، أو السعودية وحدها. .وبدورها قامت الرياض بإعلان موقفها بشكل حاسم مما يحدث باليمن حين قال النائب الثاني الأمير نايف بن عبد العزيز إن بلاده تتعاون مع اليمن من «دون تحفظ»، وهو الأمر الذي أكده الأمير سعود الفيصل بقوله إن بلاده «مع اليمن في كل الطريق».
وقد يقول قائل إن الداعين للانفصال في جنوب اليمن ليس لهم علاقة بالقاعدة من قريب أو بعيد، وإن نواياهم صادقة، ولمطالبهم وجه حق، ولكن ما يجب أن يعيه هؤلاء، وغيرهم، هو أن الطريق إلى جهنم دائما ما يكون معبدا بالنوايا الحسنة، كما يقال.
كما أن النعرات الطائفية والقبلية لا تبني الدول، ولا تحل مشاكلها، والتظلم لا يعني تشريع الظلم، وهذا أمر يجب أن نعيه في أوطاننا العربية، حيث بات من الواضح أن المواطنة، ومفهوم الوطن، أمر ما يزال غير ناضج لدى كثير من أبناء العالم العربي، ساسة كانوا، أو مواطنين.
tariq@asharqalawsat.com