بقلم/ صلاح الدين محمد
مما لا شك فيه أن العالم و بعد صراعات مريرة و حروب مدمرة بين أقطاره اختار أن يتجه إلى الوحدة على الرغم من اختلاف أعراقه و ألسنته و دياناته و ما إلى ذلك، لكن تبقى اللُحمة في عالمنا العربي تميل إلى الانفصال على الرغم من وحدة عرقه و لسانه و دينه وفوق كل ذلك توحيده لخالقه، و كل هذه عناصر إذا اجتمعت وحّدت و إذا اختلفت فرّقت، و لكن النظريات و البديهيات تأتي بالعكس في العالم العربي و لا تتكافأ المُدخلات مع المُخرجات في جُلّ معادلاته.
التلميح و التصريح هنا كلاهما مؤدّاه واحد لذا سنتعرّض للتصريح و بشكل مباشر في مخاطبة القارئ العربي بشكل عام و القارئ اليمني على وجه الخصوص، حيث تلوح في الآفاق نغمة الانفصال الجنوبي عن الشمالي في اليمن، ظنّاً أن هكذا انفصال سيُعيد حقوق الجنوبيين لهم بعد أن استحوذ عليها الشمال و تحكم في أرزاقهم! قد يكون هذا ما حدث بالفعل، و لكن لِننظر إلى المشهد الذي يمكن أن يصبح عليه اليمن السعيد إذا قُدر له الانفصال.
قبل الخوض في هذا السيناريو القادم، دعونا نقرأ قليلاً عن ماضينا و نرى كيف كان حال الأمة العربية حينما اتحدت و كيف صار حالها حين استقل كل قُطر من أقطارها على حِدَة، و في المقابل دعونا ننظر إلى الغرب كيف كان حاله قبل الاتحاد الأوروبي مثلاً و كيف أصبح الآن، والأمثلة في الاتحاد والانفصال كثيرة نخصّ بعضها بالذكر.
الاتحاد الأوروبي قام على دول مختلفة الأعراق و اللغات إلا أنها قامت على فكرة التكامل و المصالح بعد أن ذلّلت صعوبات إدارة هكذا اتحاد، و أصبح الاتحاد الأوروبي يشبه ما يمكن أن يطلق عليه أحد أقطاب القوة في العالم تحت الإنشاء.
كما أن الولايات المتحدة الأمريكية ما صارت إلى مركز الصدارة العالمية و تصنيفها على أنها القطب الأوحد لهذا العالم لولا مسمّاها "الولايات المتحدة"، وأمثلة الاتحاد كثيرة تماماً كأمثلة الانفصال، التي تؤيدها جهات من الخارج و أحياناً من الداخل و أحياناً يجتمع الاثنان معاً.
ففي السودان مثلاً، و هو سلّة الخير للعالم العربي وربّما العالم أجمع، أراد له الغرب عدم الاستقرار و النّهوض و لا تملّ له المحاولات سواء الداخلية أو الخارجية من الدعوة و العمل على الانفصال، بدايةً، انفصال الجنوب عن الشمال، ثم ربما انفصال دارفور عن الكيان الواحد، و ربما انفصال جزء آخر ليصبح السودان "ستّين حتّه"، و يتحول بذلك من جزء من العالم العربي إلى جزيئات، كما هو الحال في العراق بعد أن طَحنت رحى الحرب موارده التي أصبحت تُسلب نهاراً جهاراً، حتى آثاره لم تسلم من السّلب و النّهب وفكرة الانفصال ليست عنه ببعيد، كما أن الصراع الدائر حتى الآن بين شيعته وسنته لا ندري إلى متى سيستمر وإلى أين سينتهي!
ومن المُرجّح أن الحال سينتهي به إلى انفصال أجزائه و تبقى المسألة مسألة وقت ربما لن يكون طويلاً إلّا أن الوضع في اليمن يبدو مختلفاً و غريباً إن صحّ التعبير، فاليمن ليس كمثل باقي الأقطار العربية المرشّحة للتقسيم. فالدول العربية الأخرى بها بذور الانفصال والانقسام ممثّلة في اختلاف الديانات والمذاهب كما هو الحال في مسلمين ومسيحيين وسنة و شيعة رغم أنها ليست اختلافات جوهرية و لا تؤدّي بالضرورة إلى المطالبة بالانفصال أو حتى التصارع على الاستقلال.
لكن اليمن له خصوصية، فهو شعب له أصالته و نستمدّ منه نحن العرب أصالتنا، لأن اليمن هو أصل العرب وأفصحه لساناً و منه الحكمة و الإيمان كما قال رسولنا الكريم (صلّى الله عليه و سلّم)، وسواء انفصل الجنوب عن الشمال أو بقي متّحداً، نحن العرب لا نعرف إلا يمناً واحداً و لكن لننظر إلى السيناريو الذي ينادي به بعض أهل الجنوب الآن و رغبتهم في الانفصال.
هبْ أن اليمن السعيد انفصل إلى شمال وجنوب، وهبْ أن انتخابات أُجريَت و تمّ التصويت الشعبي لصالح الانفصال وأصبح اليمن الجنوبي منفصلاً عن الشمال. أظن أن الرئيس علي عبد الله صالح سيبقى على سدة الحكم في الشمال و سيخضع الجنوب لانتخابات رئاسية يترشح لها عدة أفراد أملاً في قيادة القُطر، أو القطير، الجديد.
هنا كما عودتنا الانتخابات العربية ربما سنرى انتخابات تُزوّر أو يكمن في ثناياها الصراعات القبلية ليرتقي أحد المرشحين لرئاسة سدة الحكم بعد بطش و صراع وربما تقتتل القبائل، وبدلاً من انفصال الجنوب ليستقلّ نتحدث فيما بعد عن مباحثات سلام بين الأطراف المتنازعة فيه وهذا سيناريو لن يشذ عن قاعدة الصراعات العربية العربية التي يتحيّن فرصتها الغرب وبعض عملائه لينقضّ على الفريسة مبعثرة الأشلاء لتأخذنا الأحداث إلى منعطف وربما منحدر أخطر ما فيه هو احتلال الجنوب أو فرض قرارات أُمَمية ملزمة عليه ومجحفة له.
وحتى إذا استقر وضع الجنوب بعد الانفصال و أصبح له حاكمه و برلمانه، فلن يشذ الحاكم الجنوبي عن القاعدة العربية العامة وهي البقاء في الحكم إلى ما شاء الله، ثم يعدّل الدستور لصالحه ليبقى في السلطة، ثم يفكر في التوريث إلى آخر هذا السيناريو الكئيب.
إذاً ما الحل؟ من منظور شخصي قد يكمن الحل في وساطة عربية إسلامية يقوم بها أناس ثقات من الزعماء العرب و رجال الدين الأوفياء لمخاطبة الرئيس اليمني لأن يعطي الفرصة لمشاركة أهل الجنوب في إدارة السلطة بل و المشاركة فيها عن طريق انتخابات يشارك فيها الشمالي و الجنوبي وبرلمان للنّواب من أطراف اليمن قاطبة وعدم تهميش كل من هو غير شمالي، لأن اليمن هو اليمن الذي لا يحق له الانفصال بأي حال لأنه بالفعل يمثل وحدة النسب العربي و أصوله.
كما أن انفصال الجنوب يعرّض أمن العالم العربي كله للخطر، حيث يقع اليمن على مضيق حيوي و جوهري وهو مضيق باب المندب الذي يمثل مطمعاً غربياً لا يتوقف، و مركزاً استراتيجياً حيوياً في حركة التجارة البحرية و القواعد العسكرية تحلم قوى الهيمنة في العالم أن تناله في قبضتها.
بالطبع للزعماء العرب دور عليهم أن يلعبوه في هذا الركن من عالمنا العربي لأن انفصال اليمن يجعل منه جزيئا سهل البلع و عندها لن يستطيع أحد أن يتحدّث عن نظرية الأمن القومي العربي ولا أي أمن قومي من أي نوع، و السؤال الذي يطرح نفسه هنا مَن مِن الزعماء العرب يظن أنه قادر على القيام بمهمة لمّ شمل اليمن؟ أم يُترك الأمر لجامعة الدول العربية؟ النتيجة ربما معروفة في كلتا الحالين!<
* باحث في العلاقات الدولية