بقلو/ ممدوح طه
الخطاب الذي يناقض ما يجري على الأرض يفقد المصداقية ويزيد الأزمة على الأرض، والكلمات التي لا يترجمها مطلقوها إلى قرارات وخطوات في الواقع تفقد الثقة ولا تغير الواقع، والحكمة العربية تقول: «لا تقل لي شيئاً ولكن دعني أرى»!
والخطاب الذي يستعد الرئيس الأميركي باراك أوباما لتوجيهه من مصر العربية كرسالة سلام إلى العالم الإسلامي، لفتح صفحة جديدة في العلاقات الأميركية الإسلامية، ولتغيير الصورة الأميركية السيئة لدى العرب والمسلمين، بادرة تستحق التقدير وتستلزم التقييم أيضاً، وتتطلب الإجابة عن هذه الأسئلة أولاً: «هل يمكن تغيير الصورة بينما الأصل لم يتغير بعد ؟. . وهل يمكن تحسين الصورة بين الأصل مازال سيئاً ؟. . وهل يمكن للخطاب المغاير الحسن أن يكون بديلاً عن الواقع المشابه السيئ في فلسطين والعراق وأفغانستان مثلاً ؟!
البادرة محل تقدير باعتبارها دليلاً على إصراره على السير «الكلامي» في اتجاه «التغيير» الذي بشر به، لكن يبقى التقييم ضرورياً لاختبار ما إذا كان سيتبع القول المغاير فعل مغاير ؟. . وهل سيتغير الواقع بعدما غير الخطاب ؟. . وهل سيمكنه تحجيم قوى الضغط الصهيوأميركية لوقف الجريمة وفرض العدالة في فلسطين مثلا بوقف الاستيطان وتهويد القدس، وإقامة الدولة وعودة اللاجئين، ليعم السلام، أم لا؟!
وهل سيوقف المجازر الأميركية ونزيف الدم ضد المدنيين وينسحب من العراق، ويوقف حربه الخاسر ة في أفغانستان وباكستان ليخرج من الفخ أم لا ؟، خصوصا، وهو الرئيس الأميركي الأول بأصوله الافريقية والإسلامية وببرنامجه المغاير، والذي صعدت به الأزمات الأميركية للخروج بأميركا منها، وصولا إلى أميركا جديدة وربما شرق جديد وعالم جديد.
فالأزمة الأميركية أزمة مزدوجة، بغلبة المصالح على المبادئ، وأزمة مركبة قادت أميركا إلى الإفلاس المالي والفشل السياسي والإخفاق العسكري، أزمة مصداقية في خطاب تغيب عنه العدالة والصدق بل ويتسم بالظلم والإملاء، وأزمة ثقة في سياسة تتسم بالانحياز بل وبالعداء، وأزمة ازدواج في معايير القول والفعل خصوصا تجاه ما هو فلسطيني وعربي وإسلامي، وكانت إدارة (بوش تشيني) هي الإدارة الأميركية الأسوأ، سواء في الخطاب أو في الواقع. !
وهو ما بدا للأميركان وللمسلمين، أزمة أخلاقية مجافية للقيم الأميركية وللإسلامية أيضا، بالانقلاب على شعارات الحرية ووثيقة الاستقلال و«مبادئ ويلسون» الداعية إلى إنهاء الاستعمار وحق تقرير المصير، فإذا بها تتحول إلى دولة استعمارية في فلسطين والعراق وأفغانستان، بل ودمرت وقتلت وشردت وعذبت الأبرياء، عدوانا على حقوق الإنسان وكشف الصحافي الأميركي الحر «سيمون هيرش» فضيحتها الأخلاقية الكبرى في أبو غريب وجوانتانامو! وانقلبت على الديمقراطية في كل انتخابات لصالح الأحزاب الإسلامية، والحرام على العرب بحكومة إسلامية يصبح حلالا للصهاينة ب«دولة يهودية»، بل تبادلت مع إسرائيل الأدوار والحروب بالوكالة في إطار «التحالف الاستراتيجي» ضد العرب والمسلمين لتنفيذ المشروع الصهيو أميركي المشترك، بهيمنة أميركا على العالم، وبقيادة إسرائيل للمنطقة كقوة إقليمية وحيدة.
والنووي الحربي حلال لإسرائيل، والسلمي حرام على إيران وباكستان ومصر والسعودية، لتقود المنطقة وحدها بالقوة وبالعدوان والإرهاب، كما راهنت على إسرائيل لحراسة مصالحها في الشرق بينما العرب والمسلمون هم هذا الشرق وليست إسرائيل، ورهنت نفسها وسياساتها للوبي الصهيوني، فسقط الرهان هنا وسقطت الرهينة هناك وباتت في قلب الأزمات. فهل من رهان على التغيير؟!. <