طه العامري
من نوافل القول أن التنوع المجتمعي سياسيا وثقافيا وشرائح اجتماعية وقبلية عوامل حضارية تشكل بوجودها رأسمالية الإبداع الحضاري والتقدم المعرفي والتطور التنموي , فالنسق المجتمعي الواحد يظل أقل قدرة على الإبداع الحضاري من النسق المجتمعي المتعدد بأعرافه وتقاليده وتراثه وتنوعه الثقافي وهذا النسق المتعدد هو ميزة المجتمع اليمني الذي استطاع أن يرفد الحضارة الإنسانية بتراثه المتنوع والتماهي مع تنوع التضاريس الجغرافية اليمنية والتي بتنوعها منحت اليمن مكانة خاصة وأطيافاً مثيرة للاهتمام الإنساني كما هي واحدة من أبرز المميزات التي تتمتع بها اليمن وهو ما جعلها تحظى باهتمام إقليمي ودولي وحضاري وإنساني , لكن ما لم يستوعبه اليمنيون بعضهم أو جلهم هو قيمة وطنهم وأهميته وتنوعه الحضاري والثقافي الفريد والمتميز والنادر وما ينطبق على هذه المقومات الحضارية والتراثية والثقافية المكتسبة والخاصة والتي تتمتع بهاء اليمن , أقول ما ينطبق على المواصفات الحضارية المكتسبة جغرافيا وثقافيا وتراثيا , ينطبق علي بقية المكاسب الحضارية الوطنية والتحولات السياسية والاجتماعية التي برزت بحكم النضال الوطني لشعبنا وبحكم الإرادة والتطلعات والأماني والأحلام الوطنية وتلك صفات اكتسبناها بحكم العوامل سالفة الذكر وبحكم ظروف ومتغيرات الراهن الوطني والإقليمي والدولي والتطورات الإنسانية , وهذا كله يضعنا أمام مسئوليات ربما لم يستوعبها بعضنا ولم ندرك أهمية ما نحن فيه ولهذا نجد أنفسنا نمارس سلوكيات تدميرية بما يشبه ويساوي من يمارس سياسة (جلد الذات) أو يشبه ذلك البائس القانط الذي يتسول ( الانتحار) بدافع غيض الآخر والثأر منه..؟
بعضنا _اليوم_ يمارس جلد ذاته ويجلد والوطن معه , فيما هناك من يستجدي (الانتحار) من خلال تسويقه كهدف وغاية ووسيلة للتخلص من (عاهاتنا) و(عقدنا) , وهو فعل يضعنا في ذات الصورة التي نسجت أطيافها حكاية ( نسائية) قيل أن أمرأتين اختلفتا ذات يوم علي أمومة طفل بعد أن أدعت كل واحدة منها أنها أم الطفل الحقيقية وأن الأخرى مجرد مدعية فلما احتار العقلاء والقضاة في الفصل بينهما لم يكن أمامهم غير رفع الأمر برمته للوالي وهو أعلى هرم في الدولة والسلطة والنظام والمجتمع وبعد أن استمع الوالي للحكاية من بدايتها حتى النهاية وقول رجال الدولة والقضاء فيها نهض أمام المرأتين واستل سيفا بتارا وطلب من حاجبه إحضار الطفل محل الخصومة والنزاع فتساءلتا المتخاصمتان عن حكمه فقال لهما ليس هناك من حل لخلافكما غير أن أقسم الطفل بينكما فقالت إحدى النساء بموافقتها فيما الأخرى رفضت وأبدت رغبتها بالتنازل عن حقها في الطفل لقاء أن يظل حيا يرزق حينها لم يكون من الوالي غير أن حكم بالطفل لصالح التي رفضت القسمة وهي الأم الحقيقية .. قد لا يكن في القصة تناسق فيما أقول ويقوله الواقع بأحداثه وتداعياته , لكن ثمة تشابه غير منظور يربط بين السرد وبين الراهن وهو ما يجعل كل هذا العبث السلوكي والتداعيات القاصرة شكلاً من أشكال النزق الفاقد للدافع والمبرر وليس ثمة ما يمكن الاستفادة منه في كل هذا سوى التنبه للمدى الذي قد نصل إليه على خلفية كل هذه المشاهد النزقة المعبرة عن تراث فوضوي وقصور في الوعي بحيث فقدنا القدرة على التماهي مع تراثنا وقيمنا ومنجزاتنا , فكانت عظمة الجغرافية والتضاريس والمنجزات أكثر تقدمية وتطوراً من قدرتنا الفكرية التي تخوض فيما لا يجب الخوض فيه من الثوابت التاريخية والوطنية والمكتسبات الحضارية ..
أن أحداثنا بكل القيم التي تمثلها تظل أكثر تقدمية وحضارية وإنسانية من إدارتنا لها وفهمنا لمعطياتها , وتلك هي الإشكالية التي تظهرنا في حالة انفصام بين منجزاتنا ومواقفنا منها , وتلك حالة تدل دلالة قطعية على حالة استهتار تسكننا عنوانها ( الموضوعي) في خدمة (الذاتي) والجزء فوق (الكل) و( الفرد) أهم من ( الجماعة) وتلك ثقافة كانت ولا يزال بعضنا يحاول اجترارها في سبيل بقائه في دائرة الضوء والوجاهة , وهو شكل من إشكال التجديد في لحظة فيها التجديد خيار وفرض عين على ضوء متطلبات الراهن والمستقبل الآتي ..ولا أعرف الزمن الذي قد نستغرقه حتى نصل بأفكارنا ومواقفنا وخطابنا وسلوكنا إلى مستوى ما لدينا من مكونات العمل الحضاري الإيجابي وعلى مختلف المجالات الحياتية ومتطلبات العمل الحضاري ..
ameritaha@gmail.com