محمد أحمد الهوني
رئيس تحرير العرب العالمية.
يحيي اليمن اليوم الذكرى التاسعة عشرة للوحدة في ظل حديث عن أزمة، وارتفاع أصوات تطالب بالانفصال وكأن الوحدة هي السبب الذي أعاق تطور اليمن وعطّل جهوده التنموية، وليس الخلافات السياسية وتدخل أطراف خارجية من وراء الستار.
إننا في مؤسسة "العرب" كنّا من الداعمين للوحدة اليمنية، وما زلنا ندافع عنها ونعتبرها خطا أحمر ما ينبغي الاقتراب منه، خاصة والعالم يسرع الخطى باتجاه الوحدة والتكتلات، بل وتطالب التكتلات العالمية الكبرى الدول التي تنتمي إلى فضاء إقليمي معين بضرورة الإسراع بخلق تكتل خاص بها حتى يتم إبرام اتفاقيات شراكة معها.
أيا كان حجم الأحداث التي تجري في اليمن ومبرراتها والمستفيدون منها، فإن الطريق السالك أمام هذا البلد هو الحفاظ على وحدته أولا، ثم البحث عن الأسباب الحقيقية التي أعاقت الاندماج، ثم التوافق حول حلول سريعة لها.
العناصر التي تتحدث باسم الجنوبيين لا تقيم في اليمن وإنما في بعض دول الجوار الخليجية، وهذا يُلقي بظلال من الشك حول طبيعة هذه المعارضة وارتباطاتها والغاية من تحركها، فمن يريد أن يكون شريكا في السلطة عليه أن يكون شريكا في البحث عن الحلول وأن يُقدّم البرامج والخطط العملية ويناقشها في النور أمام الناس مستفيدا من السقف العالي للديمقراطية اليمنية ولحرية الصحافة ومما جُبل عليه اليمنيون من جرأة وشجاعة في الرأي.
لكن، أن يختفي البعض من الساحة، ويكتفي بعدّ أخطاء الآخرين وفبركة القصص والحكايات، ويشجّع العمليات الإرهابية، ويصفّق لها، ويمد اليد للتحالف مع منفّذيها، فهذا يعني أنه يعمل ضد اليمن ولا يؤمن بالوحدة ولا بالشراكة ولا بتطوير الحياة السياسية في بلد يحتاج أولا إلى التوافق الوطني ليحقق الاستقرار ويبدأ جهود التنمية والإصلاح.
ولا بدّ من الإشارة بوضوح إلى أن الدول التي تحتضن بعض الذين يحرّضون على اليمن ويغذون التحركات الاحتجاجية هي طرف في ما يجري ومسؤولة عن نتائجه، فمن أبسط أخلاقيات الأخوة والجيرة وتقاليدها في ثقافتنا العربية الإسلامية أن يرفض الأخ التدخل في شؤون أخيه وجاره، وإلا فتح أمامه الباب ليقابله بالمثل.
كان يمكن لهذه الدول أن تكون واسطة خير وأن تحضّ العناصر التي تحت أيديها على العودة إلى بلادها والنضال لتطوير واقع البلاد كما تفعل قوى المعارضة الأخرى، وهي قوى ذات مشروعية سياسية وشعبية ويتعامل معها النظام اليمني باحترام ويستشيرها ويقيم لها وزنا.
ماذا تستفيد تلك الدول من أي فوضى قد يشهدها اليمن؟
لا شك أن التعاون الذي بدت معالمه ظاهرة للعيان بين العناصر الجنوبية المستقرة في بعض دول الجوار، وبين تنظيم القاعدة، لا يعني سوى أن الأوضاع في اليمن ستجلب الفوضى الأمنية لدول الخليج، وخاصة من جهة تنظيم القاعدة الذي ظل يبحث عن نافذة يعود عبرها إلى المنطقة، وليس أفضل من تضاريس اليمن وشيوع السلاح فيه ليكونا ورقتين بيد هذا التنظيم ليعيد معاركه وتفجيراته واستهدافه لاستقرار تلك الدول وخاصة للوجود الأجنبي بها.
إن اليمن الذي يُجاهد النفس لإنجاح الشراكة السياسية بين مختلف ألوان الطيف السياسي الوطني، يحتاج إلى الدعم المالي والسياسي الخليجي ليواصل معركته ضد الفقر والأمية والجفاف والفساد، وهذه الأخيرة هي جزء من أزمة هيكلية لا يمكن لأي قرار سياسي أن ينتصر عليها دون خلق مقومات تنمية تنتصر على الاحتكار وتفكك قوى الشد إلى الوراء.
فضلا عن أن جزءا كبيرا من الأزمة الاقتصادية التي يعيشها البلد ناجمة عن تأثيرات الأزمة الاقتصادية العالمية التي دوّخت أعتى الاقتصاديات وأكبر الشركات، فما بالك ببلد متواضع الإمكانيات مثل اليمن، ثم لماذا اليمن وليس بلدا آخر من الدول التي تعيش نفس الظروف والتأثيرات السابقة؟
لقد كان الموقف السعودي مما يجري في اليمن مشجّعا جدا برفضه أي توتير أو قلائل مهما كانت الجهة التي تقف وراءها والأجندة التي تحركها، كما أن الخطوة الإماراتية بالبدء في بناء ألف وحدة سكنية للمتضررين من الفيضانات في محافظتي المهرة وحضرموت بقيمة 30 مليون دولار كانت خطوة هامة ومؤشرا على تفهم الخليجيين لوضع جارهم وعلى أن استقرار الخليج لن يكون واليمن في وضع صعب.
لكن فهم طبيعة الأزمة والجهات التي تُحركها لا يعفي من مطالبة الحكومة اليمنية بأن تُسرّع جهودها لامتصاص أسباب الغضب الجنوبي وأن تُفرّق بين مثيري الشغب المنفّذين لأجندات خارجية مشبوهة، وبين المواطن الجنوبي العادي الذي يشعر بأن الوحدة شغلتها عنه قضايا السياسة والإرهاب ولم تحقق له الكثير على مستوى الجهد الاجتماعي وتطوير حياته شأنه شأن شقيقه الشمالي.
فضلا عن هذا لا بد من أن تأخذ مبادرة الرئيس علي عبد الله صالح بالدخول في شراكة مع المعارضة واقتسام السلطة معها طريقها إلى التنفيذ دون تأخير لأنها ستزيد من متانة التوافق الوطني ليقدر على مواجهة المؤامرات الخارجية.