بقلم :د. نسرين مراد
منذ بداية الحرب على الإرهاب عقب هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001 حملت تلك الحرب بذور فشلها في أحشائها. اعتمدت الحملات الإعلامية المصاحبة للحرب أسلوب الكذب المركّز بلا هوادة.
ذلك بدءاً من اتهام تنظيم القاعدة وحركة طالبان الأفغانية بتدبير وتنفيذ الهجمات الإرهابية. خلال سير الحرب قامت القوات الأميركية بارتكاب جرائم حرب واختراقات لحقوق الإنسان. اتخذت هذه شكل إبادة جماعية وتدمير ممتلكات واعتداءات على أكثر الأماكن قدسية وحرمة. ليس باستطاعة ذاكرة الشعوب نسيان تلك الجرائم بسهولة.
اختارت الإدارة الأميركية المواقع الضعيفة المنهكة بفعل الحصار والحروب الأهلية والطبيعة الديمغرافية الهشة للهجوم عليها. من الانتصارات المزعومة في ميادين الحرب نسج الإعلام الأميركي بطولات وهمية خيالية.
هذه تهدف إلى إخافة الآخرين وحملهم على الاستسلام عن بعد! دون إقحام الآلة العسكرية الأميركية في المواجهة. لم تُقدم الإدارة الأميركية على المواجهة المباشرة مع نقاط قوية أخرى مثل كوريا الشمالية وإيران وروسيا ومواقع معادية تقليدية أخرى. هنا يمكن التأكد أيضاً أن المقصود بالعدو «الإرهابي» هو الإسلام والمسلمون، خاصة الضعفاء منهم، وأوطانهم ومقدراتهم الطبيعية وثرواتهم.
تواجه السياسة والعسكرية في العراق هزيمة نكراء محققة على أيدي المقاومة والممانعة العراقيتين للاحتلال. ثبت لكافة شرائح الشعب العراقي وطوائفه الإثنية وقياداته السياسية أن مصطلح تصدير الديمقراطية للعراق ما هو إلا لذر الرماد في العيون.
وتحويلها عن أهداف تكتيكية وإستراتيجية أخرى. المقاومة العراقية للاحتلال بمختلف الأشكال تتصاعد وتتوسع وتتعمق وتشمل حالياً جل الشعب العراقي. المصروفات الأميركية على الحرب وتقوية ودعم الحلفاء باتت تنهك الميزانية الأميركية. هذه الأخيرة الآن بحاجة إلى كل فلس لاستعادة عافية الاقتصاد الأميركي المترنح.
المقاومة الأفغانية من جهتها باتت في وضع أكثر صلابة وقوة وقدرة على إلحاق الهزيمة بقوات الاحتلال الأميركي. الطبيعة البشرية-الجغرافية على جانبي الحدود الأفغانية الباكستانية تتوطد وتتفاعل بشكل متصاعد ضد الاحتلال الأميركي. قد تصل الأمور إلى وضع قد يصبح الوضع المرعب في العراق ضد الاحتلال مثل كعكة بالمقارنة معها!.
الآن تحاول الإدارة الأميركية فتح جبهة داخلية ضد حركة طالبان الأفغانية داخل العمق الباكستاني. لكن هذا البعد في المواجهة مع ضخ أعداد إضافية من الجنود الأميركيين لن يكون كافياً لتحقيق انتصار ولو متواضع ضد الشعب الأفغاني المقاوِم. هذا الأخير يعاني يومياً القتل والدمار والتخريب والإذلال بواسطة الآلة الحربية للناتو بقيادة الولايات المتحدة. نتائج الحرب هذه لن تزيد الوضع إلا تأزماً واضطراماً على المدى القريب والبعيد.
دولياً تصل سمعة الإدارة الأميركية السياسية والأخلاقية والمعنوية في حربها على «الإرهاب»، تصل الحضيض. لا يبدو أنه سينفع الإدارة الأميركية انتخاب رئيس ذي أصول أفريقية لتحسين صورة وجه أميركا في الخارج. على العكس من ذلك سوف تكتشف الشعوب «المستهان بذكائها» أن الإدارة الأميركية ماضية في الضحك على اللحى والذقون بشكل جماعي حاشد.
في النتيجة ذلك ما سيزيد العزلة الأميركية في المجتمع الدولي من قبل من تطلق عليهم الأخيار والأشرار، على التوالي من هم معها ومن هم ضدها، وعلى حد سواء. بات من الأفضل للإدارة الأميركية أن تواجه حقيقة الأمور والأوضاع كما هي. بالذات عليها أن تعتذر للعالم الإسلامي على حربها على ما تسميه سراً وجهراً ب«الإرهاب الإسلامي»، وأن تدفع ثمناً مناسباً لأخطائها وجرائمها. ذلك إن أرادت الإدارة الأميركية حقيقة أن يغفر لها العالم أخطاءها وخطاياها وجرائمها.
داخلياً فالأوضاع الأميركية باتت من النوع الذي لا تُحسَد عليه. تشمل تلك الأوضاع الاقتصاد والصحة والتعليم والأزمات المالية المتلاحقة. بالإضافة إلى الأزمات المالية الداخلية فلقد استنفدت الإدارة الأميركية الأموال التي كانت مخصصة لتمويل العمليات العسكرية. في ذلك لجأت الإدارة الأميركية إلى سرقة واستنزاف وابتزاز الحلفاء والأصدقاء للتعويض على خسارتها المتراكمة. ذلك ما أثقل ميزانيات الدول الصغيرة وجعلها عبئاً على أنفسها وعلى الاقتصاد العالمي المتهاوي.
ما كان يبدو للرئيس الأميركي السابق على أنها حملة «صليبية» صغيرة، تبدأ وتنتهي بسرعة وسهولة باتت اليوم كابوساً يؤرق الأميركيين في الداخل والخارج. تضاعفت الحروب والحوادث التي لها علاقة بالحرب على «الإرهاب» أكثر من أي وقت مضى.
هنالك جدل حول الحرب على «الإرهاب» يدور في كافة الأروقة الدولية الكبيرة والصغيرة، وحتى في البيوت والنوادي والمقاهي. جدل من النوع المنهك للعقول والمشتِّت للطاقات والقدرات والأعمال البنّاءة. ذلك ما يوطّد حقيقةً لانتشار الإرهاب وتعزيزه بنشر الفقر والبؤس في أماكن جديدة متفرقة ومتزايدة من العالم.
على العالم بأكمله أن يتجه بخطوات ثابتة موحدة لمقاومة الإرهاب الحقيقي وانتشاره. بالذات فالسياسة الأميركية، التي تعتمد سياسة الحفاظ على المصالح الأنانية والكيل بمكيالين في تحركاتها، هي المسؤولة بشكل رئيسي وشبه أوحد عن انتشار ظاهرة الإرهاب.
مثلاً ماذا تفعل الشعوب العراقية والأفغانية والفلسطينية واللبنانية وغيرها، إذا ما كانت السياسة الأميركية تنتهك وجودها وحرماتها على مدار الساعة يومياً؟!. الأعمال الأميركية «المبرَّرَة» بمحاربة أو مواجهة «طالبان والقاعدة» هي في الواقع من النوع الذي يمكن تصنيفه بالإرهاب. على المجتمع الدولي أن يمتلك الشجاعة الكافية ليحدد مصطلح الإرهاب الحقيقي ويعاقب من يرتكبه.
إذن! والعالم يقترب من صرف عقد من السنين على بدء الحرب الأميركية على «الإرهاب» لا تلوح في الأفق أية بادرة على قرب تحسّن الأوضاع. يزيد الأمر تعقيداً والمشاكل استفحالاً الإعلان بين الفينة والأخرى عن انتشار أوبئة قادرة على الفتك بالبشرية.
ذلك نوع آخر من الإرهاب البيولوجي الدولي الذي لا يأتي إلا على كبار المسيطرين على صنع القرار السياسي بالأرباح الهائلة. الحرب الأميركية على «الإرهاب» تصل إلى طريق مسدود. ذلك بسبب ضعف الرشد في تحديد معاني المصطلحات وسلوك الطريق المضلِّل للوصول إلى الأهداف. ما استعملته الإدارة الأميركية من كذب وتضليل وماأوقعته من جرائم وويلات بالآخرين يرتد عليها الآن بشكل مصيري مُحكَم.