بقلم /احمد الحمزي
الوضع العربي منذ تشكيل الجامعة العربية أو منذ ما بعد الحرب العالمية الأولى فالثانية كان في الغالب في حالة انقسام متعدد الأوجه، بما في ذلك تشكل محاور متواجهة أو حالة محورين كبيرين تاريخيا محورا "مصر والعراق".
اليوم باتت إشكاليات الواقع العربي العديدة والمتنوعة إشكاليات عميقة ، بسبب اتساع حجم و قوة الضغوطات العدوانية "الصهيواميركية الصفوية".
فحالة الانقسام والتشرذم إلى محاور متنافرة والتي هي نهج سارت وتسير عليه الأنظمة العربية فرض عليها قديما وحديثا سيسهل ما يصبو إليه حاخامات الغرب وآيات طهران.
في حين أن حالات التوافق العربي لم تظهر إلا في قرارات الجامعة العربية والقمم العربية ظاهرا أو تقاطعا، والدليل عدم تطبيق ما يتفق عليه، أو العودة فورا، وقبل أن يجف حبر البيان أو القرار الذي اتفق عليه إلى وضعية الخلاف أو الانقسام.
وإذا ما حاولنا أن نعرف سبب هذه الانقسامات وما الذي سهل هذه العملية دون أن نتخذ من هذه الأسباب التي سنتطرق إليها سببا مشروعا لتكريس هذا الانقسام، فان ثمة سببان رئيسيان لحالة الانقسامات في الوضع العربي: الأول طبيعة التجزئة العربية أو طبيعة دول الاستقلال المجزأة، مثل ما ولدته طبيعة التجزئة من تنافس على الزعامة والقيادة بين الدول الكبيرة أو المتوسطة من جهة، وما ينشأ من تناقض عند محاولة الشقيق الكبير احتواء الصغير في وقت يسعى فيه الأخير إلى أن يمارس الندية التي تنبع من كونه دولة مستقلة ذات سيادة، كما يعترف له بذلك ميثاق الجامعة العربية وميثاق هيئة الأمم المتحدة، فضلا عن الإستراتيجيات الدولية التي تذهب إلى التعامل مع كل دولة على حدة، لأن التعامل مع الدول العربية كتلة واحدة يعني التعامل مع قوة كبرى عصية على الإملاءات.
فيما يتمثل العامل الثاني لحالة هذه الانقسامات في ميزان القوى العالمي والإقليمي الذي تتحكم فيه إستراتيجيات الدول الكبرى ومصالحها وسياساتها بما يعني أن التوحد بين الدول العربية ولو على مستوى التضامن إزاء القضايا والتحديات الوجودية أو السياسية ولاسيما قضية فلسطين، كالتوحد على مستوى تشجيع العلاقات الاقتصادية البينية أو نشوء سوق عربية مشتركة يتعارضان مع تلك الإستراتيجيات والمصالح والسياسات.
ومما تقدم يتضح لنا جليا أن العنوان الأمثل للأزمة السياسية العربية الراهنة ، يتجلى في تغير المفاهيم والمبادئ والأهداف، بعد أن تغيرت طبيعة الأنظمة وتركيبتها وركائزها الاجتماعية والطبقية وتحالفاتها الداخلية بما يتوافق مع الهيمنة الأميركية وأحاديتها، بالإضافة إلى هذا العامل هناك قوة إقليمية دخلت على الخط وبقوة بسياسة متناسقة ومتوافقة مع ما تسعى إليه الهيمنة الأميركية متمثلة في "إيران" فكلا الطرفان رغم خلافهما الظاهر لنا جمعتهما مصلحة مشتركة وهدف واحد هو الوطن العربي، وقد دخلت "طهران" على هذا الخط بقوة سافرة تجاوزت كل الحدود- ولا يقل خطرا عما تقوم به الولايات المتحدة الأميركية وربيبتها إسرائيل- فالتدخل الإيراني في شؤون جيرانه العرب لفترة طويلة لم يعد محصورا في العراق، بل تجرأت طهران على تدريب الميلشيات المسلحة في لبنان وفلسطين واليمن، رغم بُعد هذه البلدان عن الأراضي الإيرانية.
ونتيجة لهذه التدخلات انتقل النظام العربي بمجمله من أرضية التحرر الوطني والاجتماعي كعنوان رئيسي سابق ، إلى أرضية التبعية والانفتاح والارتهان السياسي كعنوان جديد، بعبارة أخرى لم تعد القضايا العربية القومية عموما، والقضية الفلسطينية بالذات ، تمثل صراعا مصيريا لا يقبل المصالحة بين طرفيه : الإمبريالية العالمية وإسرائيل وإيران من جهة- كل حسب إستراتيجية وهدفه- وحركة التحرر الوطني العربية من جهة أخرى، وتحول التناقض الأساسي إلى شكل آخر صب في مصلحة الطرف الأول المتمثل في الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل وإيران، حيث قضى على التوافق العربي العربي واتجه هذا التوافق مع توجه كل دولة عربية حسب الاستقطاب والمحور الذي صنفت فيه، والذي أوصل معظم بلدان النظام العربي إلى حالة تعبر عن فقدانه لوعيه الوطني وثوابته ومرجعياته سواء بالنسبة للقضايا السياسية الاقتصادية الاجتماعية الداخلية أو ما يتعلق بالقضايا الوطنية والقومية.
إذا العرب المنقسمون بينيا سيظلون هم الهدف الأوحد الذي جمع بين كل من الشيطان الأكبر "أميركا" وشره المتمثل في "إيران"- ولا أظن أن هذان المحوران قد صدقا في شئ أكثر من تسمية بعضهما البعض بهذه التسميات- والتي كانت موفقة من كلا الجانبين...وللحديث بقية..<