نبيل مصطفى الدفعي
كالعادة صباح كل يوم جمعة يحضر أغلب رواد المقهى ونحن منهم. ولكن هذه المرة فضلت شرب الشاهي على الطاولة التي يتجمع حولها الأصدقاء أنيس وهو موظف عادي لا يذهب إلى عمله غالباً إلا في وقت تسليم الراتب فحسب قوله لا أحد من المسؤولين يسأل عنه . والوالد حسن وهو على باب الله ساعة سمسار تجارة وساعة سمسار بيوت. وبجانبنا جميعاً كان يجلس الحاج مراد وهو كبير السن ولكنه يمتلك ثقافة وتجربة حياتية تجعله جليساً مفيداً من عدة نواحي.
هكذا كنا جالسين لشرب الشاهي في أمان الله وجميعنا يشغل نفسه بالنظر إلى المارين في الشارع المقابل لنا وحتى لا يجري أي تبادل لأحاديث ومناقشات فيما بيننا طويلة في وقت الصباح هكذا جرت العادة خاصة عندما نشرب كأس الشاهي الأول في الصباح. ولكن في هذه المرة أو صباح هذا اليوم الذي كنا جالسين فيه قفز الأخ أنيس فجأة من مقعده وقال انظروا.. انظروا إلى هذا الرجل الذي غادر المقهى.. الذي يحمل شنطة بيده وبداخلها مطبعة "آلة كاتبة" طبعاً جميعنا وبعد أن افزعتنا قفزته قلنا له ما له هذا الرجل وأيش تريد منه؟ أجاب علينا قائلاً هذا جاري يعمل كاتباً أو طباع عرائض بجانب إحدى المحاكم وبسببه حياتي فكر في البيت بسبب معايرة زوجتي لي به فعندما تسمع أن جارنا اشترى لبيته وعياله حاجة كل يوم يحضرها بعد عودته من العمل تثور ثورة زوجتي علي.هنا قاطعه الوالد حسن قائلاً له لماذا لا تحضر لهم أشياء عند عودتك كما يفعل جارك. أجاب أنيس مسرعاً أما أنا فمن أين لي فأنا موظف وعلي الراتب آخر كل شهر . فقال له الوالد حسن طيب يا أخي بدل ما تحسد جارك تعلم منه أو كلمه وأطلب منه يشغلك معه. أجاب أنيس لا توجد معي آله كاتبة وقد طلب منه أن يشغلنا معه قبل عام ووافق فقال الوالد حسن طيب تمام الرجل طيب صرخ أنيس لا طيب ولا حاجه اشتغلت معه وطلب مني أن أحضر الزبائن إلى عنده أي عمل له دعاية بين الناس الوافدين إلى المحكمة وكنت أجيب زبائن وكان يعطيني كل يوم عندما ننتهي من العمل ألف وخمسمائة بالشمس مش هذا ظلم وقد تركت العمل معه. هنا تدخل الحاج مراد قائلاً يا بني يا أنيس أنت بطران وهو مش ظالم لأنه يتعب أكثر منك أنت ماذا تفعل تكلم الزبون وتتمشى بالظل وأن حضر الزبون معك أهلاً وسهلاً وأن لم يحضر مع السلامة وهو عكسك يتعب أنت يا أبني يا أنيس تذكرنا بقصة أخوين ذهبا ليعملا في مخبازة واحد منهم اشتغل فوق الموفى والتنور عند النار طوال اليوم يعجن ويخبز والثاني كان يعمل عند الباب حق المخبازة كان يدعو الزبائن وينادي على الآخرين من المباشرين لاستقبالهم. وفي آخر يوم من الشهر عند استلام الراتب من صاحب المخبازه الذي أعطى الأخ الذي يعمل خبازاً راتب أكثر من راتب الأخ الذي يعمل عند باب المخبازة. وعندما احتج وصرخ الذي يعمل عند الباب على الراتب لأنه أقل من راتب أخيه، قال له صاحب المخبازة أسمع يا أبني أخوك خباز ويعمل فوق النار طول اليوم أما أنت ماذا تعمل تبيع كلام عند الباب فقط. والله من وراء القصد.<