كتب/ فاروق مقبل
من نظر إلى خلجات وجهه وتراقص جفن عينيه وهو يتحدث عن الجنوب يستطيع أن يقرأ تفاصيل أكثر دقة وحقيقة أكثر رسوخا منذ قبل للوهلة الأولى كنت أعتقد أن على سالم البيض قد أستوعب التاريخ وأن الرجل الذي غرق بالصمت منذ صيف 94م وحتى الآن أي طوال 16 سنة معتكفا يتأمل في واقع سياسي مرير متمنيا أن يمحو كل لحظة فيها عدا تلك اللحظات التي قعد فيها يوقع بقلمه اتفاقية قيام الوحدة اليمنية، كنت ظن أن الرجل يتأمل الأخطاء التي واكبت مرحلة الوحدة تلك الأخطاء التي انتقلت تبعاتها إلى دولة الوحدة في عجلة من الإسراع بدخول التاريخ من أوسع أبوابه المفتوحة وأنه سيكون بعد 16 سنة حكيم الوحدة اليمنية لا مهرجاً في مربع طابور العودة نحو الوراء كما بدا على شاشة الجزيرة مساء الخميس الماضي الذي صادف أنه نفس اليوم الذي أعلن فيه فك الارتباط منذ 16 سنة ولت والعودة باليمن إلى الصفر.
لكن والحق أقول لم أعد مهتما بما قاله البيض منذ اللحظة التي بدأت شفتاه تنطق بغير ما كانت شاشة وجهه تعكسه علانية على مرأى العشرات من فلاشات الكاميرات التي راقبته حرفا حرفاً وخلجة خلجة ونفساً نفساً.
نعم، فحين وقف على سالم البيض مصافحا أخيه علي عبد الله صالح بعد لحظات من توقيع أهم اتفاقية في التاريخ العربي والعالمي قبل اليمني كان الرجل واثقا من نفسه كل الثقة بعكس مؤتمر الخميس الماضي الذي بدت فيه ملامح الرجل المرتبك بأهداب وجفون تتراقص بأنفاس تتدافع نفس يسابق نفس وكأن الرجل على عجلة من الأمر أو إنه كان يريد التواري بعيدا عن الأنظار بعيدا عن الأسماع.
وحتى أكون أكثر صدقا فيما أقول كان والدي يهاتفني بعد لحظات من فراغ الرجل من المؤتمر وبالحرف الواحد قال :" من مؤتمر البيض وملامحه الرسالة وصلت "، وعندما أبديت عدم فهمي لما يدور في رأس والدي حفظه الله قال : أن تعابير ملامح البيض كانت المسمار الأخير في نعش حراك الفوضى ودعاة تمزيق اليمن، ويواصل كلامه من ملامح البيض تأكدت أن الأمر ليس إلا " فجعه بالموت يقبل بالحمى ".
ربما يكون والدي على حق فتلك الملامح التي ظهر بها البيض أو التي عكسها في موقفه ذلك ما كانت لتكون ولو كان مكانه رجلاً ضعيف يدعي أن لديه حقاً مسلوباً إذ سيكون أكثر ثقة بنفسه وأكثر قوة ليبدو صادقا أمام الآخرين في كل حرف ينطق به.
لكني أيضا ذهبت للاعتقاد بأن يكون الرجل مرغما على قول ما قاله أو محرجا من طوال صمته أو ما إلى ذلك من المبررات التي سعيت لاختلاقها بغية إقناع نفسي بمبررات لا طائل منها عدا إنني كنت مقتنعا أن الرجل حين أعلن الانفصال كان مدفوعا ويريد إنهاء الاقتتال كونه يدرك أن قرار الانفصال سيجد من يرفضه جملة وتفصيلا في المناطق الجنوبية من اليمن الواحد قبل أن يجد من لا يقبل به في المناطق الشمالية وكانت قناعتي تلك تزداد رسوخا عاماً بعد عام وحتى مساء الخميس الماضي 21مايو 2009م
اليوم بات التساؤل المشروع لكل مواطن يمني من الجنوب أو من الشمال حول سبب صمت البيض كل تلك السنوات ؟
ولماذا يصر البيض وهو من يجد في ذاته القائد السياسي لشعبه اليمني على التعاطي مع مشاريع صغيرة وصغيرة جدا لا تجد فقط من ينبذها وإنما من يكفر بها تماما ؟
هل كانت صورة الرجل المهزوزة وكلماته المتقطعة وحرصه الزائد على التدقيق في الأوراق التي دون عليها ما يجب عليه قوله حرفيا هي الصورة التي يجب علينا كيمنيين أن نتعاطى معها ونقبل بها لقائد سياسي ؟ أم أنها لرجل أراد أن يحشر أنفه فيما يجري داخل اليمن من إرهاصات هي أكثر شبها بما تخلفه فقاقيع الصابون في عيون الأطفال من حرقة تدفعهم لرفض الاغتسال كل صباح. ؟<