بقلم :مريم سالم
منذ انسحاب دولة الإمارات من مشروع العملة الخليجية الموحدة والبعض متفرغ لمتابعة ردود الفعل من قبل الخبراء الاقتصاديين والسياسيين في مختلف دول الخليج، لمعرفة تأثير هذا الموقف على متانة الوحدة بين الأشقاء ولاستقراء الآثار المترتبة على الانسحاب الإماراتي في مدى نجاح المشروع من فشله.
وقد تناولت بعض الصحف المحلية والخليجية الموضوع، وركزت على الخطوة الإماراتية التي جاءت في وقت عصيب بالنسبة لاستكمال باقي الخطوات التنفيذية لإقرار المشروع، والتي يرى البعض أنها قابلة للتغيّر في حالة انتفت العقبات التي واجهت استمرارها، كما ينظر البعض إلى موقف الإمارات من الانسحاب بأنه غير مبرر، وهناك من يصف هذا الموقف بأنه صفعة للوحدة الخليجية وانه جاء ليعلن عن طرح الإمارات نفسها كقوة اقتصادية ومالية يجب أن لا يستهان بها.
وقلل بعض الاقتصاديين من تأثيرات هذا الانسحاب على المضي قدما في مشروع العملة، ورأوا أنه لن يؤثر على إعلان العملة الجديدة في عام 2010، وسارعت الدول الخليجية الملتزمة بالمشروع إلى التأكيد على دعمها والتزامها بخطة الاتحاد النقدي الخليجي، نافية إمكانية إرجاء أو إلغاء مشروع العملة النقدية، رغم ما نقلته صحيفة «العرب» عن ناصر القعود نائب الأمين العام المساعد لدول مجلس التعاون الخليجي من قوله إن «انسحاب الإمارات سيضعف الوحدة النقدية».
وفي الإمارات فقد أعلن سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية، أن الباب لا يزال مفتوحا أمام العودة إلى المشروع. واتخاذ دولة الإمارات هذه الخطوة التي يصفها البعض بالجريئة، جاء على أعقاب إعلان الرياض مقرا للمصرف المركزي الخليجي المشترك الذي علق عليه وزير الخارجية بقوله «نعتقد أن الإمارات كانت أفضل مرشح لاستضافة المقر..
الأمر لا يتعلق باختيار السعودية بل بعدم اختيار الإمارات». وأضاف أن «الإمارات مركز مالي وأكثر اقتصادات المنطقة شفافية مما يجعلها مكانا مثاليا لاستضافة المقر على أرضها».
وقد رأى البعض أن هذا الانسحاب يعود لعدة أسباب منها ما جاء على لسان محافظ المصرف المركزي الإماراتي سلطان ناصر السويدي، حيث أكد في مقابلة متلفزة على أن «مسألة المقر لم تكن السبب الوحيد للانسحاب من مشروع الوحدة النقدية الخليجية، بل تضاف إليها تحفظات أخرى أبدتها الإمارات على بعض بنود اتفاقية الاتحاد النقدي ولم تؤخذ في الاعتبار»، وأوضح السويدي أن الإمارات كانت لها ملاحظات جوهرية وأخرى ثانوية على اتفاقية الاتحاد النقدي.
ومن التحفظات الجوهرية «تهميش الاتفاقية للعملة الحسابية» وخلوها من آلية مناسبة تؤمن «تسلسل الدخول في العملة الحسابية لدول مجلس التعاون لفترة معقولة، تتم خلالها تجربة السياسة النقدية وتقييم الأمور التي يجب إصلاحها فيها وانتقالها إلى الاقتصاد وتأثيرها في النظم المصرفية لدول الخليج».
ومع سياسة الباب المفتوح أو الموارب التي تلعبها دولة الإمارات، فإنه يمكن التأكيد على أن الإمارات واجهت تكتلا من قبل البعض في المجلس لعدم تمكينها من الفوز بمقر المصرف الخليجي، وهذا ما نقرأه بين سطور الانسحاب، إضافة إلى أن الخطوة الإماراتية قد لامست هوى لدى البعض ممن يرون أن هذا الموقف كان ضروريا وصحيا، بخاصة في ظل استحواذ المملكة العربية السعودية على مقار وهيئات مجلس التعاون الخليجي ذات الثقل، الأمر الذي يجعل من دول المجلس الخليجي الأخرى تابعة لدولة المركز.
وعلى الرغم من ذلك ساد الاستقرار في عملية اتخاذ القرارات في المجلس الخليجي، واكتفت الدول بإبداء التحفظات رغبة منها في المحافظة على هذا الكيان وتوازيا مع تطلعات شعوبهم، وكان بإمكان الإمارات أن تستخدم حق الفيتو لإفشال مشروع العملة لكنها اكتفت بالتحفظ ومن ثم الانسحاب.
وإذا تتبعنا المشروعات الكبرى التي تخمرت في موضوع الوحدة والاتحاد الأوروبي، ولاسيما في بعض المواقف التي حدث في تاريخ مخاضات التكامل الاقتصادي الأوروبي، سنجد دروسا وعبرا ملهمة وضعت التجربة برمتها على المحك، وأوجدت دعائم قوية وركائز تقوم على مبدأ المساواة. ورغم أن التكتل الاقتصادي الخليجي لا يزال غضا، فإن العواصف والمواقف قد تكسبه خبرات وتجارب تثبت مع الأيام مدى هشاشته من صلابته.
ونتذكر كيف أن حادثة «جبنة فيتا» قد وضعت دولة صغيرة مثل اليونان في مواجهة مع دول مثل فرنسا والدنمارك وألمانيا، واستطاعت أن تكسب قضيتها لأنها كانت تستند على حقيقة تاريخية منحتها وحدها الحق الحصري باستخدام تسمية «فيتا» وتركيبتها للإنتاج والتصدير.
والحقيقة أن ما تراه دولة الإمارات في نفسها بأنها المكان المثالي لمقر المصرف النقدي المشترك، يعبر عن حقيقة تستند عليها وبناء على معطيات واقعية لمتانة الاقتصاد الإماراتي، الذي يتمتع بأفضل وضع يؤهله لتجاوز تبعات تراجع الاقتصاد العالمي، حسب ما جاء في تصريح وكالة التقييم الائتماني العالمية «موديز» التي اعتمدت على قوة الملاءة المالية ومحافظتها على أعلى تقييم سيادي ممنوح من قبل الوكالة عند مستوى ءف2.
إذن الانسحاب الإماراتي لم يكن مبيتا، ولعلها كانت الدولة الخليجية الأكثر حماسا لإصدار العملة، وكانت ستلعب دوراً مميزاً في وضع سياسات النقد وبناء اتحاد مصرفي خليجي قوي، لكن كما يقال تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن.. وبعد ما قاله وزير الخارجية سمو الشيخ عبدالله بن زايد من أن «الباب لم يقفل، وان لا شيء ينتهي في السياسة»، فهل أصبحت الكرة الآن في ملعب الأشقاء؟
كاتبة إماراتية