د/عبدالسلام المخلافي
ثمة فهم للوحدة اليمنية يمنح من مدونات التراث السياسي العربي القديم ومن الخبرة السياسية لبعض النظم العربية يرى أن الوحدة تمت بين ملاك طبيعيين وليسوا حتى اعتباريين بموجب اتفاق شراكة طرفاه هم ملاك المناطق الجنوبية وملاك المناطق الشمالية وأن هذا الاتفاق يصبح لاغيا إذا رأى أحد طرفيه أنه لم تعد له مصلحة في استمرار الشراكة لذلك لا غرو أن يكون دعاة الانفصال إما أشخاص كانوا ينتمون إلى الفئة التي كانت تحكم المحافظات الجنوبية عند توقيع اتفاقية الوحدة أو أشخاص سبق لهم حكم بعض المحافظات بتخويل من المستعمر البريطاني وكلا الفريقين تحركه دوافع لاستعادة ما يعتقد أنه ممتلكات كانت تخصه ويود أن يستعيدها من أغراب، وقد كانت هذه الدوافع والأحلام وراء لجوء علي سالم البيض إلى استخدام القوة لمحاولة انتزاع ممتلكاته واستعادتها إلى حوزته وسلطانه وقد مني بالفشل الذريع حينذاك وهاهو اليوم يحاول كره أخرى لكن هذه المرة داخل استوديوهات وليس من داخل قواعد عسكرية وظن هذا الرجل وأضرابه من دعاة الانفصال بدون ذاكرة تاريخية تساعدهم على استعادة الخبرات التي مرت بهم والاستفادة منها في بناء مواقفهم وتحديد مستوى أو سقف لتطلعاتهم وأحلامهم التي يمكن أن تكون قابلة للتحقيق، إن أصحاب هذه التصورات مفقودة برؤية نخبوية متعالية لا ترى في الجماهير إلا مطايا ووسائط تستخدم لكن ليس لها حق إبداء الرأي فيما يتصل بشئونها.
يبدو ذلك جليا في هذا التجاهل الفاضح لواقعة مركزية ومحورية هي واقعة الاستفتاء على دستور الجمهورية اليمنية الذي شارك فيه عموم مواطني الجمهورية اليمنية في المحافظات الشمالية والجنوبية والذي أصبح من لحظة حيازته على أصوات اليمنيين أساساً لكل ممارسة سياسية مشروعة ومعترف بها، وكذلك فيما يسندونه للمتعاونين معهم من مهام إنها مهام تتراوح بين إثارة الشغب، إطلاق الرصاص، إتلاف الممتلكات- أي تحويلهم إلى أدوات عمياء صماء ضارة مجرد أدوات وحسب ولو أنهم يثقون في الجماهير وصحية الموقف الذي يدعون إليه لكان من الأفضل لهم أن يمارسوا اعتراضهم بصورة حضارية من خلال تأسيس حزب سياسي يكون بمثابة المجس أو المحك الذي يتعرفون من خلاله ما إذا كان المجتمع يساندهم أم لا من خلال الإقبال أو العزوف فيحورن بذلك على الرشادة الاجتماعية والسياسية من خلال الرسائل التي تصلهم تباعا منالمجتمع والتي يمكنهم في ضوءها بناء مواقفهم السياسية تجاه الوحدة أو غيرها، أن عزوفهم عن العودة إلى المجتمع وإتباع أساليب متطرفه وعنيفة في التعبير عن آرائهم ليس له من دلالة سوى عدم تقتهم التامة بتضامن المجتمع معهم. وقد أظهرت عديد من الدراسات التي سعت لتفسير ظاهرة التطرف أي الأسباب التي تدفع بعض الناس إلى الانزلاق إلى اختيار العنف بدلا عن الأساليب السليمة أن المتطرفين في الغالب لا يجدون قبولا مرضيا بأفكارهم مصاحب بضعف قاعدتهم الاجتماعية وغياب التعاطف مع دعواتهم يحملهم إلى السعي لفرض معتقداتهم واختياراتهم على المجتمع عن طريق العنف والترويع والإخافة الاجتماعية والسياسية على العكس من ذلك الأحزاب أو الجماعات التي تتمتع بامتداد شعبي وقاعدة ولاء عريضة تحرص على إشاعة أجواء الاستقرار والسلم الاجتماعي وترفض أي لون لممارسة العنف والتفسير المباشر لهذا الوضع هو وجود تنوع مصالح وممارسات سياسية وفكرية لأطراف اجتماعية للتعبير عنها بعضها يتسم بالعدمية والخراب وتتجسد مصالحها في أعمال التدمير وإيقاف عجلة التنمية وتحويل المجتمع إلى مجموعة كلاخوزات وعزب وبمقدار نجاح الأكثرية في احتواء فعل التطرف والحد من أثره فإن فرص التنمية السياسية والاجتماعية تكون كبيرة، ولعل أسوأ النتائج تتحقق عند فشل مجتمع ما أو جماعة سياسية معينة في احتواء المشاكل التي يحملها التطرف إما بسبب فشل الإجراءات المتخذة، أو بسبب الفشل في تحديد الارتباطات الداخلية والخارجية التي تقف وراء التطرف وأهدافها، أو الفشل في تكوين إحتشاد وطني للقوى الفاعلة يرتفع فوق كل الصغائر والخلافات لهزيمة التطرف ودحره ولذلك فإن مواجهة المتطرفين الذين يسعون إلى فرض تجزئة التراب الوطني يتوجب أن تشتمل على خطوات ومراجعات مهمة.
أ- إزالة اللبس المثار بين مسألة السلطة والسيادة، بين الحكومة كإدارة متبدلة ومتغيرة والتراب الوطني ذو الطبيعة الثابتة والعابرة في آن معاً إن التوقيع على اتفاقية الوحدة تم بين سلطتين وإدارتين على تسهيل إعادة توحيد تراب وطني، لكن لا تملك أي سلطة أو حكومة اتخاذ قرارات تنتقص من تلك الوحدة الترابية بعد استعادتها بل إن من المهام الرئيسية لأي حكومة الحفاظ على وحدة التراب الوطني واتخاذ كافة التدابير بما في ذلك إعلان الحرب لمنع أي مساس بسيادة الوطن ووحدته الترابية..
وإعادة الوحدة في اليمن هي نموذج سبقته عشرات الأمثلة في العالم ومثلما أنه ليس مقبولاً الاحتجاج بالظلم أو غياب العدالة كذريعة لإعلان محافظة تعز أو ذمار الانفصال فإن الأمر كذلك في المحافظات الجنوبية لا فرق إنه وطن لا يقبل التجزئة ولا إعادة التقسيم لتوفير أملاك ومناطق نفوذ لهذا الطرف وذاك أو لتحقيق مآرب خارجية أو لممارسة ضغوط من أجل تحقيق مستوى من الإمتثالية لمطالب محلية أو خارجية.
ب- هنالك حاجة لمراجع مواقف وربما سياسات تم إتباعها بصورة عفوية بقصد تعميم الحرية على من كان يعتقد أنهم تعرضوا للحرمان منها.. وفي حقيقة الأمر كان الحزب الاشتراكي قد بذل جهداً كبيراً للحد من أثر القوى القديمة التي تعادي التقدم وتقاوم التحديث لأنه يتسبب في تقويض المشروعيات التي تستند عليها وقد كان المفترض أن يتم الاستفادة من هذه القوى بسبب هذا النسيان قد حصلت على دعم وتحفيز بعثها من قبورها لتسترد بعض عافيتها لا لتسهم في تعزيز وحدة الوطن ونهضته وإنما لتعمل من أجل إجهاض كل المكاسب الوطنية تحت أحلام العودة إلى الأمجاد العابرة وتظهر الخبرة التاريخية لبعض الشعوب أن اتساع دور الروابط الطبيعية والسلالية في ظل كل الظروف يؤدي إلى تأجيج الصراعات الاجتماعية وتجزئة الأوطان وتدنيه الطموحات الوطنية وإزهاق أي إمكانيات لممارسة أي دور على الصعيد المحلي أو الإقليمي أو الدولي و أن السبيل الوحيد لإقامة مجتمعات سياسية قوية يتوقف على حجم الاستثمار في تحقيق تنمية سياسية واجتماعية تعتمد فيها المشروعية السياسية أو ممارسة أدوار اجتماعية عامة على قبول المجتمع وتفضيلاتة السياسية وليس بالاستناد إلى أمجاد غابرة أو نسب شريف أو سند قبلي ما.
ج- كما هو معلوم فإن علي سالم البيض عندما أراد فرض الانفصال قد اعتمد على الجفري وليس على رفاقه في الحزب ولهذا دلالته، إن إعداد كوادر الحزب الاشتراكي والثقافة السياسية التي تربوا عليها كانت ثقافة ذات توجهات أممية منفتحة وغير عصبوية أو شوفينية بكيفية عامة ولدى الحزب قيادات كبيرة بكل المقاييس على المستوى الوطني والعربي ناضلت من أجل الوحدة وقدمت من أجلها الكثير ولا تزال كذلك كما احسب ولديها ما تقدمه وتسهم به من أجل الحفاظ على الوحدة وأتصور أنه لابد في هذه الظروف السياسية من إقامة تحالف قوي معها و غيرها من الأحزاب المؤمنة بالوحدة وفي حدود فهمي فإنه لا يوجد ما يمنع من ذلك التحالف أو تعميق مستوى التشاور وإدامته بحسب مستوى التحديات بما في ذلك إذا اقتضى الأمر تشكيل حكومة وحدة وطنية تنهض بعبئ الإصلاح والتصدي للمتطرفين وإفشال كل خططهم الرامية إلى إيذاء الوطن والنيل من سيادته وكرامته إن هذا تقليد سياسي تتبعه أكثر البلدان ديمقراطية عندما تستدعي الظروف ذلك، وهو من جانب آخر ينسجم مع السياسة المنفتحة للرئيس علي عبدالله صالح والتي بفضلها تمكن من حل كثير من المشاكل وتخطي الكثير من الأزمات والتحديات التي مرت بالوطن.