عبد الجبار سعد
في العام 95م وبعد مغادرة البيض اليمن إلى سلطنة عمان ذهبت في سفر قصير لأداء مناسك العمرة في الديار المقدسة وقادتني الخطى إلى عيادة الدكتور أبوبكر سالم البيض في جدة وقد كنت علمت أنه قريب للسيد البيض. . و تحدثت مع الدكتور الذي كان محبطا مماحدث باليمن بعد معارك صيف 94م و كان متزوجا امرأة أجنبية. . وقال لي إنه كان بصدد عمل مستشفى خاص في حضرموت بعد الوحدة وقد عزف عن الفكرة بعدها وأصيب بصدمة هو وزوجته من الحرب التي أودت بعلي البيض ودولته إلى حد أنه قال لي أن هناك صورا ومناظر لبلاده اليمن كانت تزين العيادة قامت زوجته بإسقاطها من الجدران وأراني بعضها وهي ملقاة على الأرض.
لكن أغرب ماسمعته منه حين سألته عن علي سالم هل هو أخوه فعلا أم أنه مجرد توافق في الأسماء قال لي الدكتور أبوبكر وهو يبتسم :
علي هو ابن عمي صالح وقد درس معي أنا وإخواني باسم الوالد لأننا كنا في الحضر(المدينة ) وعمي صالح في (القرية )البادية. . وقد التحق علي بالمدرسة تحت اسم الوالد فسموه علي سالم البيض لكن أبوه هوعمي صالح البيض وأنا ابن سالم البيض حقيقة وقد بقي إسم الوالد لصيقابه حتى الآن.
المعروف أنه في ذلك الزمان فإن حق التعليم لم يمكن يمنح إلا لأصحاب ( المخلقة ) أو شهادة الميلاد التي تعطي لصاحبها حق الرعاية التعليمية والصحية وغيرها.
****
الإنسان كماقال بعض العارفين بالله يظل يكرر نفسه مالم يغير مساره بقوة قهر أو بتوبة صادقة. . فتراه في كل مرحلة من مراحل عمره يبرز بنفس الصفة التي برز بها أول مرة فالصادق يظل صادقا والكاذب يظل كاذبا والمحتال محتالا والكريم كريما واللئيم لئيما. . مصداقا لقول أشرف الخلق صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم :" الناس معادن كمعادن الذهب والفضة خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا "
فأحيانا يضطر الإنسان لأن ينسب نفسه لغير أبيه لأسباب قاهرة ومقبولة وحين يجد فرصة للعودة إلى نسبته الحقيقية يعود إليها ولكن أحيانا لا يكون الإنسان مضطرا بل يستمرئ أن ينسب نفسه لغير أبيه أولغير أبويه كليهما مختارا. . ومن الفريق الأخير نجد أولئك المتحذلقين الجدد ( أصحاب المخلقة ) الذين يتنكرون ليمنيتهم ويريدون أن ينتسبوا لهوية جديدة قدمتها لهم الإمبراطورية العظمى ذات يوم ولكنهم لم يستطيعوا أن يتهنأوا بها في تلك الفترة لأن حركة التحرير القومية قد عصفت بأحلامهم مع أحلام الإمبراطورية التي لم تكن تغرب عنها الشمس فكأنهم الآن يتداركون مافاتهم من ذلك العطاء فهم كما يدعون ليسوا من أبناء اليمن ولا من رعايا دولته الجمهورية اليمنية ولكنهم من أبناء الجنوب ومن رعايا الملكة اليزابيث أمد الله ظلها ولا يزالون يحتفظون بالمخلقة وبموجبها تمنحهم بريطانياجوازات سفر وتقدم لهم كل الحقوق التي تقدمها لمواطني مستعمراتها.
****
وفي القواعد الأصولية يقولون "السكوت في معرض الحاجة إلى البيان رضا" فإذا قال شخص إن فلانا يتفق معه فيما يقول وسكت فلان هذا عن التعليق يكون سكوته رضا بماقال هذا الشخص. . ولكن في الأحوال العادية فليس لنا أن ننسب له موقفا أو قولا. . وفق القاعدة الأصولية التي تقول " لا ينسب إلى ساكت قول"
على أننا والكثير أمثالنا قد بالغنا في حسن الظن بالسيد علي صالح البيض إلى درجة أننا لم نكن نعير اهتماما لكل أقوال المدعين الذين يقولون أن البيض يشاطرهم المواقف المتنكرة ليمنيتهم والهادمة لمجدهم والمشككة في تاريخهم والباحثة عن نسبة أخرى لهم تعزلهم عن أمة الإيمان والحكمة وتجعلهم يتعمدون البحث عن عيوب ومساوئ يلقونها على هذه الأمة ويبعدون أنفسهم عنها. . لم نكن نصدق أن البيض الذي كان الشريك الأساسي في توحيد اليمانيين يمكن أن يتنكر ليمنيته وينسب نفسه لغير أبيه مختارا. . رغم أن سكوته في معرض الحاجة إلى بيان كان يعتبر وفقا للقواعد المنطقية والشرعية رضا بهذا القول ولكننا كنا نطبق عليه القاعدة التي لا تنطبق عليه وهي قاعدة لا ينسب إلى ساكت قول. . وكنا نحسب أن الفرج سيأتي مع ظهوره بعد طول الغياب. . على أن ظهوره الأخير قد خيب الآمال كثيرا وجعلنا نعتذر إلى الله والناس من مبالغتنا في حسن الظن.
****
لو قدم البيض نفسه باعتباره منقذ الأمة اليمنية لكان له من القبول ما ليس لغيره ولو أنه لم يجحد يمنيته لاستحق الإكبار ولكنه زور نفسه وألحق نفسه بمن هم دونه
وجحد يمنيته وهو يعلم أن جحود الإنسان لأصله كجحوده لأبويه وإلحاق لنفسه في اللقطاء. .
فجاحده كجاحد والديه
وملحق نفسه ببني الزناة
وأخيرا فليس بوسع الإنسان إلا أن يتذكر قول أبي الطيب المتنبي في هذا المقام. .
أولى اللئام كويفير بمعذرة
في كل لؤم وبعض العذر تفنيد
وذاك أن الفحول البيض!! عاجزة
عن الجميل فكيف الخصية السود
****
على كل حال فقد كان لظهور البيض الأخير نفس النتائج التي كانت لظهوره في حرب 94م فقد غير مسار ظهوره الحرب حينها لصالح فريق صنعاء وكانت الأمور في غير صالحه واليوم يكسب الرئيس علي عبدالله صالح الجولة الأخيرة من مسار المواجهة بين فريق الوحدة وفريق الإنفصال من خلال ظهور البيض الأخير وكانت الأمور حقيقة تسير باتجاه معاكس وعلى الجميع الآن أن يتداركوا مواقفهم خصوصا أولئك الذين تمنوا أن يحتفلوا بالوحدة مع البيض!!فقد بدا واضحا أن لا وحدة مع البيض ولا بيض مع الوحدة.