محمد أمين الداهية
لليوم السابع على التوالي وهو ما زال يتردد على عيادة ذلك الطبيب النفسي الذي هو في الأصل صديقه ورغم تلك الوصفات الطبية التي كان يستخدمها إلا أن ذلك الكابوس الذي كدر عليه صفو حياته وأحرمه النوم الهادئ ما زال أقوى من تلك العقاقير والكبسولات التي لم تجد نفعاً تجاه الكابوس المرعب الذي لم يستسلم لأطباء أو أدوية، بل يزداد إصراراً لمهاجمة ضحيته ورشقه بكلمات هي أقوى وأعنف من الكوابيس الأخرى التي تلقن من تزوره جرعات من أنواع العذاب المختلفة، هذا الكابوس الذي أضجر الرجل كان يأتيه مجرد أن يغفو و يخفي عينيه أملاً في النوم مما جعله كالمجنون فلم يعد يستطيع مزاولة عمله بالشكل المطلوب، حتى الطريق إلى منزله بعد عودته من العمل يخطأها تماماً فلا يشعر إلا وهو في حي غير حيه. . أصدقاءه وزملاءه أقرباءه لاحظوا عليه هفواته وشرود حسه، وكانوا يسألونه باستمرار ما الذي أصابه إلا أنه كان يخفي ما يعاني ويستحي من أن يخبرهم بأنه يعاني كابوساً فضيعاً يقرعه بهذه الكلمات التي يعتبرها قاسية ((أيها المجرم لقد تعديت حدودك، خنت أمانتك، وظلمت الناس أخذت مال فلان، ونهبت أرض فلان، ولا زلت في غيك تعيث في الأرض فساداً، أيها المجرم أتظن أنك ستفلت بأفعالك هذه، سيقبض عليك وستحاكم وستودع السجن، هذا إن لم تعدم. هناك فرصة أمامك تب وعد إلى رشدك)) فبمجرد ما يسمع هذه الكلمات الأخيرة ((تب وعد إلى رشدك)) يفيق مفزوعاً وهو يصرخ ((لا لا لا)) لأنه يعرف أن التوبه تجبره على إنصاف من ظلمهم، وإن تلك الإراضي التي بسط سيطرته عليها لا بد من إرجاعها لأصحابها. وأن عليه أن يقلع عن الفساد والإفساد وكل ذلك يأباه ولا يتماشى مع ضميره، طبيبه الخاص الذي يقصده يومياً يحاول في كل مرة إقناعه بأن ذلك مجرد كابوس وأن الواقع لا يشمل شيئاً من ذلك، وأن مسألة القبض و المحاكمة والسجن وما إلى ذلك، مصطلحات لا تشمل الأقوياء، ثم إن الضحايا الذين تم القبض عليهم ومحاكمتهم بصورة أو أخرى فذلك بسبب حماقاتهم وعدم إدارتهم للنصب والاحتيال بمسؤولية تضمن عدم تورطهم في حالة لا قدر الله وقعوا في المسائلة القانونية ، وبعد هذه المحاولات المتكررة لعلها تحسنت حالته نوعاً ما وبعد جلسات أخرى تشافى من ذلك الكابوس الذي يجدي نفعاً عند أصحاب الضمائر الحية، التي تكون في غيبوبة وتفيق عند سماع صوت الحق فتعود إلى رشدها وتتحول من وبالٍ على الوطن والناس إلى دواءً يستطب به ويداوي أي ألم يشكو منه.