حنان محمد فارع
مبارك للشعب اليمني مرور تسعة عشر على تحقيق الحلم الذي طالما كان يراود مخيلة أجيال على مدى العقود والقرون الماضية من أقصى الشمال إلى أدنى الجنوب وأصبح في وقتنا الحاضر واقعاً ملموساً وأشرقت شمس الحرية المفعمة بالآمال والطموحات الكبيرة ومثلّ منعطفاً تاريخياً وسياسياً هاماً وانطلاقة للتغيير الشامل في إطار توحيد الإنسان والأرض .
تعلق كل اليمنيين بأمل تحقيق الوحدة على امتداد التاريخ النضالي وكانت من ضمن أهداف ثورتي سبتمبر وأكتوبر المجيدتين وغدت خياراً شعبياً ووطنياً حراً خالصاً وتحول فيما بعد إلى خيار رسمي حيث سعت كل الجهود لتحقيق الغاية المنشودة في سبيل سيادة الإرادة الشعبية المشروعة ، وما عزز تلك الإرادة الشعبية العارمة هي الحقيقة التاريخية الأزلية القديمة قدم اليمن حيث شغلت الوحدة ملوك اليمن القدماء فقد بذلوا كل ما في استطاعتهم لتوحيد الأرض اليمنية الممزقة لعدة دويلات وكيانات صغيرة شديدة الضعف يسهل الإجهاز عليها ، وهذا إن دل على شيء إنما هي دلالة أكيدة على رغبة الإنسان اليمني القديم في بقاء هذه الأرض موحدة، فخلود اليمن يكمن في الانضواء تحت كيان سياسي موحد .
إرادة الشعوب لا تُكسر ، بالفعل انتصرت إرادة و خيار الشعب اليمني الذي عانى كثيراً من الطامعين والمحتلين وقدم التضحيات الثمينة وأريقت دماء غزيرة من أجل الحرية والاستقلال ، وجاءت الوحدة كضرورة حتمية فهي لا تمثل جماعة معينة ولا حركة ولا حزباً سياسياً ولا مذهباً ولا فرقة ولم تكن حدثاً عابراً أو مصادفة بل هي إنجاز وطني وتاريخي كبير تأصّل وتجذّر كقناعة في وجدان وضمير كل يمني .
الوحدة اليمنية التي باتت اليوم مولوداً يافعاً تمكنت من الصمود و تخطت جميع العثرات أمامها وتجاوزت المحن الصعبة واعتبرت كل عائق بمثابة تحدٍّ وإثبات للوجود ، فالوحدة هي الوضع الطبيعي بينما التفكك والتجزئة هو الاستثناء ، وأصبحت قادرة اليوم على تجاوز تلك الدعوات والأصوات النشاز التي لا تخدم الوطن وتسعى إلى التشتت والتمزق وغرضها إضعاف قوة وقدرة البلاد ، وتحت مظلة المطالب الشعبية تبرر مساعيها الخبيثة لتفريق الشعب وتمزيق الأرض والسعي في بث ثقافة الحقد والكراهية التي تؤثر كثيراً في العلاقات الاجتماعية بين فئات المجتمع الواحد .
إن الدعوات الانفصالية ليس لديها ما يبررها ، فالكثير من البلدان العربية والعالمية يحتوي نسيجها السكاني على ثقافات متباينة وتتكون من عدة طوائف ومذاهب شتى، بل وديانات مغايرة وأقليات متعددة ؛ لكنها تجسد حالة من التعايش المشترك وتحافظ على الاختلاف والتنوع دون الحاجة للدعوة بالتفريط في الوحدة الوطنية والتناحر والضغينة ، حتى وان دارت صراعات بينهم البين ، فإنها تنأى بنفسها عن العبث بالمساس بوحدة الإنسان والأرض .
الوحدة اليمنية اتجاه لا رجعة عنه؛ فهي توفر الموطن الآمن الذي سيعيش في كنفه الأجيال القادمة والتمتع بدولة ذات ثقل سياسي وتاريخي وتمثل رادعاً يكبح جماح الطامعين والحاقدين، إن اعتماد أسلوب الحوار والديمقراطية هو الحصن الواقي لحماية الوحدة من النزاعات والمكايدة والدسائس ويضمن لها الاستقرار والسلام والبقاء على التآزر والتآخي .