كتب/ فاروق مقبل
من سناح وقعطبة الضالع إلى كرش وشريجة لحج الكل هناك مستعد أن يروي حكاية نهارات سود لتشطير بغيض ومرعب وليالي جحيم وأشباح عاشوها قسرا وقهرا ، رجال ونساء وشيوخ وأطفال والحال نفسه في مناطق الحدود الشطرية السابقة ، في يافع في ردفان في طور الباحة في الصبيحة ....الخ ، وكلهم مستعدون للبكاء والفزع والخوف وإطلاق زفرات ساخنة بسخونة تلك الأيام والليالي التي عاشوها وكأن الزمان لم يمر منذ تحقيق الوحدة اليمنية قبل 20 عاما بالتمام والكمال وبدون رجعة .
لكن البعض اليوم في تلك الأماكن مستعدون لرفع براميل التشطير وأعلام التشطير والمطالبة بفك الارتباط تماما وكأن الأمر مشابه لما تزخر به محاكم تلك المناطق من ملفات الطلاق والتفكك الأسري .
لكن المشكلة ليست فيما يريده البعض أو بعض البعض بل إن المصيبة أن يكون هناك من يصر على أن نتعامل مع ذلك الأمر على إنه حراك سلمي ولعبة ديمقراطية مسلية ، لسنا ندري هل يجب أن تضحك لها السلطات أو تتعامل معها بحزم وتواجهها بالقانون.
وعلى هذا فمن يصر على ذلك لم يسترجع مشاهد الحياة السياسية في لبنان قبل نحو عامين، فحين تأزمت أجواء بيروت خرج الشعب البيروتي حاملا علم لبنان عاليا ، ومن لم يجد له علم وجد وردة حمراء أو صفراء فنطقت الورود ورفرف العلم ،ونكست فوهات "الكلاشنكوف " والجمت فوهات المدافع على نحو بعث الذهول ، وأمام ورود الصبايا البيروتيات وعلم وحدتهن ارتعبت الحكومة وارتعبت المعارضة وخرس كل مزايد، و كانت لبنان فوق الجميع وحدة واحدة من الشمال إلى الجنوب من حزب الله إلى تيار المستقبل من المسلمين إلى المسيح من العاطل إلى العامل من التراب إلى أعماق و أعلي شجرة الأرز من صيدا إلى بعلباك ولم ينظر شعب لبنان صوب الحاضر بل صوب المستقبل الذي يريدوه، كانت أجواء بيروت 75 حاضرة برصاصها ونيرانها ومذابحها وتجارها وأشلاء صغارها وخرائب مدنها وكانت بيروت 2006 حاضرة بقوة أكبر في كل شارع في كل جولة في كل تقاطع، وكان الجزارون تجار الحرب تجار بيروت 75 يحدون سكاكينهم وصبايا بيروت كن يلوحن بالورود مرتديات علم لبنان الواحد من الشمال إلى الجنوب .
لسنا في لبنان لكن ثمة فرق بين ورود حراك بيروت وبراميل حراك الجنون اليمني وتلك هي المشكلة، مشكلتنا مشكلة صمت المعارضة اليمنية ومشكلة تساهل السلطة وتغيب الشعور بالمسئولية الوطنية بفعل المكابرة والعناد، السخرية، والاستهتار .
تلك هي المشكلة، المعارضة هنا لم تستوعب بعد الفرق بين حراك ورود وأزهار وعلم لبنان، وحمى براميل وأعلام التشطير في جنوب اليمن، ولم تستوعب بعد الفر ق بين ما كان يطرحه وليد جنبلاط وعون في لبنان وما يطرحه مسدوس وباعوم والنوبة في جنوب اليمن .
المشكلة أن الحزب الحاكم هنا لم يستوعب بعد كيف أن نبيه بري والسنيورة في بيروت تمكنا بمواقفهما كبرلمان وحكومة من حفظ لبنان واحد موحد ومستقر .
ولما لم يستطع الراعي ومجور هنا كبرلمان وحكومة من حل مشكلة وصلت حد وضع البراميل ورفع علم التشطير والدعوة لتمزيق اليمن.
المشكلة هنا تكمن في عدم فهم وزارة الإعلام اليمنية والصحف الرسمية والحزبية والمستقلة كيف تتعامل مع المشكلة تماما كما تعاملت معها وزارة الإعلام ووسائل الإعلام في لبنان .
ولهذا نحن في مشكلة، الشعب في مشكلة، اليمن في مشكلة .
الشعب في مشكلة من يرى ولا يملك حيال وليس لديه حكمة .
المعارضة في مشكلة من يجد في نفسه يملك ولا يملك حلا في الوقت ذاته .
حراك البراميل في مشكلة من لا يملك مشروع وطني وبالتالي فهو ينفذ مشاريع غيره بيده ولا يدري ماذا يريد وما هي النتيجة؟ .
الحكومة في مشكلة من فقد القدرة على التحرك الصحيح وليس لديها بديل للقائم عدا نفس الأشخاص الذين أكل الدهر منهم وأكلوا منا وشربوا وسمنوا حتى البلادة ولم يعد يروا في الوطن عدا عظمة لا تشبع لهم رغبة.
فمن أين لنا بحراك يرفع الورود ويتدثر بالعلم اليمني ومن أين لنا بحكومة تستبدل كل براميلها الفارغة ببراميل مملؤه بحبوب القمح؟.<