يكاد العالم بمحاوره الإقليمية والدولية يحصر جل اهتمامه في مشهدين، هما المشهد الباكستاني وما قد تسفر عنه المواجهة الدامية الدائرة بين الدولة ومواطنيها , يليه المشهد اللبناني وما قد تترتب عليه نتائج الانتخابات اللبنانية المقبلة المزمع إجراؤها في أوائل شهر يونيو حزيران القادم ..
هذا الاهتمام الإقليمي والدولي المحوري بتبعات هذين المشهدين يكشفان عن حدة الصراع المحوري والمدى الذي ذهبت إليه رؤى محاور النفوذ وطريقة إدارته للصراع بعد أن جعلت هذه المحاور من كل من لبنان وباكستان نقطة تحول لمسار قطار الصراع المصالحي المحوري , وعليه فإن مستقبل الشرق الأوسط مرهون بكل أحداثه وتبعاته في نهاية تداعيات المشهدين سالفين الذكر , إذ ومن خلال ما سوف تؤول إليه تبعات وتداعيات المشهدين سيكون تقرير مصير المنطقة وأحداثها وتحديد مسار هذه الأحداث بدءاً من القضية الفلسطينية مروراً بالسودان والصومال والحرب على الإرهاب والوضع في العراق وأفغانستان وبقية القضايا الشائكة والمعقدة التي تطفح بها خارطة المنطقة أو ما يطلق عليه "مجازاً" بالشرق الأوسط بكل ما يعتمل فيه من قضايا شائكة ومعقدة وقابلة للانفجار في أي لحظة من لحظات الرغبة المحورية بإحداث المزيد من التعقيدات أو استحداث المزيد من الظواهر الأزماتية التي تظل تحت الطلب وخاضعة لرغبة محاور النفوذ والهيمنة والتأثير , والواضح أن ما يتصل بالانتخابات اللبنانية القادمة قد أخذت طريقها للتوظيف من قبل الكثير من محاور النفوذ الإقليمية والدولية وغدت هذه الانتخابات محل اهتمام كل من أمريكا والكيان (الصهيوني) من ناحية وهي محل اهتمام (إيراني) من الناحية وبين الاهتمامين هناك الاهتمامات التحالفية التي تقف في صف ( واشنطن) أو صف (طهران)..!
واللافت أن الكيان الصهيوني يعد أكثر الأطراف قلقا ولذلك جاءت زيارة نائب الرئيس الأمريكي إلى بيروت لتكشف حقيقة الاهتمام الأمريكي والرغبة الأمريكية في قطع الطريق أمام النفوذ الإيراني والإبقاء على الخارطة السياسية اللبنانية كخارطة توافقية ليس فيها غالب ولا مغلوب والأهم أن لا تتمكن قائمة ( المعارضة اللبنانية بقيادة حزب الله ) من تحقيق أغلبية نيابية تمكنها من تشكيل حكومة منفردة بعيدة عن قوى (14 آذار بقيادة تيار المستقبل) هذا التنافس والصراع ليس صحيحاً أنه يأخذ جانب أو صورة التنافس والصراع (المذهبي) مع التسليم بحقيقة الهوية (الطائفية) للنظام اللبناني , لكن ما يحدث اليوم هو صراع سياسي وصراع إرادات يتمثل هذا الصراع ويتجسد في محورين: الأول تمثله (المقاومة والمعارضة اللبنانية ) المدعومة من قبل سورية وإيران , والآخر تمثله النخبة اللبنانية الحاكمة وتقف خلفه أمريكا ودول الاعتدال العربي , وفي مكونات الفعاليات اللبنانية الحاكمة والمعارضة هناك أكثر من طيف سياسي ومذهبي وعقائدي , إذ في كل النطاقين يوجد "الشيعي والسني والمسيحي والدرزي" والموحد والملحد وهذا يعطي الهوية لشكل الصراع السياسي الذي يعطيه البعض هوية (مذهبية) وهذا غير أكيد , في المقابل فإن تبعات رد الفعل المتوقع على نتائج الانتخابات قد تكون مؤلمة اتساقا مع معطيات المقدمات الاستباقية الصادرة عن محاور الفعل , إذ ترى واشنطن وعلى لسان نائب رئيسها أن شكل ونوع العلاقات المستقبلية بين واشنطن وبيروت محكومة بنتائج الانتخابات المقبلة وهوية الحكومة اللبنانية القادمة , فيما يرى الكيان (الصهيوني) وعلى لسان كبار قادته الذين يولون الانتخابات اللبنانية أهمية خاصة أن انتصار المعارضة اللبنانية بقيادة ( حزب الله ) ستكون كارثة على الكيان الصهيوني وعلى علاقة هذا الكيان بكل دول المنطقة والأمر يسحب نفسه بالتالي على
مجريات المفاوضات مع الجانب الفلسطيني في ظل حراك داخلي صهيوني بلغ ذروته في استصدار قوانين وتشريعات مثيرة للجدل وتفصح عن هوية عنصرية ربما هي أخطر من سياسة الجدار العازل والممارسات الصهيونية المتبعة في إدارة سياسة ( التهويد) والتهجير وتدمير كل الإرث الحضاري العربي على امتداد الأراضي العربية المحتلة..
فيما (طهران) بدورها ومن باب التوظيف والاستغلال السياسي وفي سياق جدلية الصراع تقول وعلى لسان رئيسها أن فوز المعارضة اللبنانية سوف يوسع من الجبهة الممانعة والمقاومة وعليه فإن مجمل المعطيات والشواهد تدل على أن رهانات كل الأطراف المحورية محصورة في مشاهد تشكل بأهميتها فاتحة لكل الأفعال الاستراتيجية القادمة في المنطقة..
في المشهد الباكستاني تبدو الصورة أكثر إيلاما من الأولى فالحرب المستعرة في الوسط الباكستاني لا تنذر بنهاية الانتصار للدولة وجيشها بل تبشر بتمزق النسيج الاجتماعي لهذه الدولة وتشير إلى أن هذه الحرب التي تخوضها الحكومة الباكستانية بتوجيهات خارجية سوف تنتهي بنهاية المكانة الاعتبارية للدولة والحكومة الباكستانية وسوف نجد أنفسنا أمام تداعيات باكستانية أشد خطورة من تداعيات كانت أو لا تزال سائدة، فالحرب المزعومة على الإرهاب ليست في الحقيقة إلا جزءا من سيناريو غايته تجريد الباكستان من قدراتها وإسقاط حقها كدولة نووية عبر وضع منشآتها تحت الوصاية الدولية كمقدمة لتفكيكها وفي سياق لعبة دولية تقضي بترتيب الخارطة الآسيوية ويأتي في سياقها هذا التصعيد الكوري الشمالي والخلاف مع المجتمع الدولي وتلك ورقة رابحة بيد ( الصين) التواقة فعلا للمساومة والعمل على تصفية القدرات النووية الباكستانية مقابل تصفية القدرات النووية الكورية الشمالية وفق تفاهمات دولية جديدة في الشرق الأوسط ، الرابحان الوحيدان في هذه المعادلة هما الكيان الصهيوني وإيران والخاسر هم العرب بكل مكوناتهم ومسمياتهم ..
لكل ما سلف فإن تداعيات الخارطة الدولية غدت ودون شك مرتهنة بنتائج هذين المشهدين والمتمثلان في المشهد اللبناني والباكستاني وهو ما يزيد الصورة المزيد من الأطياف المطلسمة والسريالية لدرجة يصعب قراءتها وفق منطق الحال الراهن ..!!
إذ تبدو كل المؤشرات والمواقف آخذة للاستعداد لما بعد هذين المشهدين وعليهما يرتب العالم بمحاوره قرارهم وردود أفعالهم وهذا يعني أن بقية التداعيات لا قيمة لها بل وستكون وقودا لمرحلة ما بعد انتهاء الحرب الباكستانية والانتخابات اللبنانية وحتى ذلك الحين قد يكون الصراع مع كوريا الشمالية هو مفتاح الأزمات وبوصلة الاحتقانات ..!!<