;

رجال في خندق الدفاع عن الثورة ..الحلقة الثانية 680

2009-06-01 04:11:14

رجال في خنادق الدفاع عن الثورة

أشرنا في الحلقة السابقة التي تناولناها من كتاب "رجال في خنادق الدفاع عن الثورة" إلى حياة المواطن اليمني وأساليب النظام الإمامي.

لقد أقفل النظام الإمامي على نفسه وعلى اليمن كل النوافذ معتمداً على مبررات كان يعتقد بأنها كفيلة بإستمراره في السيطرة على البلاد والإبقاء على الشعب اليمني مختلفاً غارقاً في بحيرات من الظلام والجهل.

تحت عنوان "من صنعاء إلى الحديدة. . والرحلة إلى المجهول" يعترف المؤلف بأنه كان يجهل كل شيء بسبب محدودية وسائل النقل، فالحياة في اليمن صعبة وشاقة إذ لم يكن هناك أية مقومات للحياة المريحة ولا للحرية وانعدمت الوسائل الضرورية حتى الحد الأدنى منها اللازمة للإنسان وكان ذلك برغم ظهور حالات محدودة للتنقل بواسطة السيارات التي تواجهه العديد من المخاطر وكانت تعتمد في سيرها على طرق بدائية غير ممهدة وتشق بواسطة الأفراد وبتكليف من الإمام لكل القبائل التي تمر الطريق منها وكانت أحدى هذه الطرق هي الطريق الموصلة بين صنعاء والحديدة وبين صنعاء وتعز وكان كل تكليف أو إلزام من الإمام يطلق عليه السخرية باللهجة الدارجة ويقصد بها العمل الإجباري "السُخره" وكان المجتمع اليمني يقبل ويستجيب للعمل التعاوني، حيث كان هذا الشعب قد توارث ذلك منذ القدم حين شيد حضارات إنسانية عظيمة اعتمدت في جوهرها على العمل الجماعي والتعاوني والتي لا تزال شواهدها حتى اليوم.

وكانت كل جوانب الحياة الحديثة معدومة وليس لها وجود لدى النظام وسياسته التي كان في مقدمة أهدافها مبدأ أحكام العزلة.

يقول المؤلف: كل ذلك وأنا ومن معي نحاول الوصول إلى المكان المحدد لمباشرة العمل وكنا نبحث بإستمرار عن ذلك الحلم بتوفر سيارة، ولكن دون جدوى، وكان لزاماً علينا اللجوء إلى الوسيلة الوحيدة التي تعود عليها شعبنا عبر قرون طويلة من العزلة والتخلف، وهذا الوسيلة تتمثل في السير على الأقدام.

وكان لزاماً علينا البحث عن مسافرين إلى الحديدة وحالفنا الحظ بوجود أعداد كبيرة ممن يرغبون في السفر إلى الحديدة، وبمجرد التعرف عليهم أنهلت عليهم بالأسئلة السؤال تلو الآخر حول الرحلة، ومسافة الطريق وعدد الأيام وما يمكن أن نواجه من مخاطر؟.

وكان ذلك يؤكد بما لا يدع مجالاً للشك عن تردى الحالة التي كان يعيشها الشعب اليمني وبالطبع كانت الإجابة تحمل الكثير من الشكوى من متاعب الطريق بمراحلها المختلفة ولابد من التنويه بأن اليمن كانت في ذلك الوقت لا تعرف المحاصيل الاقتصادية أو محاصيل الخضروات، لوقارنا ذلك الوضع بما هو موجود حالياً من محاصيل وخضروات مختلفة على مدار السنة.

الوصول إلى مدينة الحديدة

كنت أعتقد أن كل تلك المتاعب التي واجهتنا أثناء السفر سوف تنتهي بمجرد الوصول إلى مدينة الحديدة، والتي كان يصفها رفقاء السفر ممن لهم خبرة ومعرفة بها بأنها عروس البحر الأحمر، وكان يطلق عليها "البندر" وتجدر الإشارة إلى أن وصولنا مدينة الحديدة كان في فصل الصيف الذي فيه ترتفع درجة الحرارة وتكون الرطوبة في أشدها.

وفي تلك الأثناء توجهنا إلى العرضي "سكن الجيش الإمامي" أفراد من بلك التركي وكان وقتها السيد/ أحمد محمد باشا نائب الإمام بالحديدة، والملاحظ أن الشيء الذي طرأ علينا منذ دخولنا المدينة الهادئة هو معاناتنا أشد المعاناة من حرارة المناخ وإرتفاع الرطوبة ، ومن الأشياء التي لفتت أنظارنا قذارة المكان المسمى بالعرضي.

وكانت مدينة الحديدة لا تختلف كثيراً عن باقي المدن والريف اليمني فقد كانت تعاني كغيرها من كل مظاهر التخلف مع فارق واضح وهو تعدد أشكال الأكواخ والعشش والمباني ، حيث كانت مبانيها خليطاً ما بين الطابع التركي والهندي والطابع اليمني إضافة إلى تعدد وإختلاف الجنسيات التي تسكن تلك المدينة بإعتبارها الميناء الوحيد في اليمن في ذلك الوقت باستثناء ميناء مدينة عدن التي كانت تخضع لسيطرة الاستعمار البريطاني.

أن مجتمع الحديدة كان يعيش في عصور التخلف في ظل دولة ونظام يعتبر نفسه غير مسئول عن رعاياه إلا أن يسيطر عليهم، حتى أنه لوحظ على من يزور اليمن وخاصة مدينة الحديدة من عرب أو أجانب أنهم كانوا يجدونها متروكة كما خلقها الله سبحانه وتعالى وبالطبع وجدنا ميناء الحديدة عبارة عن حوض صغير غير مجهز، ولكنا عرفنا بعد ذلك أنه لا يملك مقومات الميناء بالمعنى المتعارف عليه من الأوجه الفنية والعملية وذلك لعدم قدرة البواخر على تفريغ حمولتها بسبب كثرة الصخور والمساحات الكبيرة على الشاطئ المجاور.

ولذلك وجدنا يومها لا يستقبل السفن ولا يوجد به رصيف حيث كانت ترسو البواخر بعيداً عن موقع الميناء في البحر ومنها يتم نقل البضائع بواسطة المراكب الشراعية أو ما يسمى "بالسنابيك" المتوسطة إلى مسافات محدودة ومن ثم تتقدم السنابيك الصغيرة لاستلام الحمولات والتي بدورها تقوم بتوصيلها إلى القرب من حاجز الميناء لتقوم قوارب التجديف الصغيرة بإتمام عملية النقل إلى الشاطئ حيث يستقبلها العمال الحمالون لتوصيلها إلى مكتب الجمارك الذي كان يطلق عليه اسم العسكلة وكان عبارة عن مبنى صغير جداً لا يتسع إلا لبضعة أشخاص ولا يصلح للتخزين وأذكر أنه كان يحتوى في ذلك الوقت على عدد من قطم التمر ومجموعة من أكياس السكر، وكان ذلك هو محتويات مخازن الميناء أما الصادرات من الميناء إلى الخارج فكانت تتمثل في البن والقطن والملح والجلود ومن الحبوب الدجرة والذرة.

ومن الجدير بالذكر أن الميناء في ذلك الوقت كان يعتمد على عدد محدود من وسائل النقل التي خلفها الانجليز بعد الاستغناء عنها وكانت تقوم بمهمة نقل البضائع من الميناء إلى السوق وإلى مخازن التجار.

الطفل محمود الحاكم الفعلي لليمن

وكانت تتردد في تلك الفترة أخبار مفادها بأن هناك اتجاه لإقامة ميناء جديد في منطقة الكثيب بواسطة شركة روسية، وهذا ما بعث في نفوسنا الأمل في أن يتجه النظام صوب تحديث البلاد والشروع في إنقاذ اليمن من أوجه التخلف، كما سمعنا حينذاك بأن الصين الشعبية تباشر بشق طريق الحديدة صنعاء، وقد توقف الإمام / أحمد عند هذين المرفقين فقط، أما بقية المرافق الضرورية والأساسية فلا تدخل في اهتمامه أو برامجه ، حيث كان الاعتماد في سياسته على الإبقاء لكل شيء على ما هو عليه ، كما كان يعتمد على مبدأ الإغلاق الشامل وإبعاد المجتمع اليمني عن العالم وعما يجري حوله في بلدان العالم الذي يعيش القرن العشرين وتتجه أنظاره نحو الفضاء الخارجي ومما يثير السخرية هو أن الحاكم المطلق الذي كان الإمام أحمد يعتمد عليه هو طفل لم يتجاوز سن الرابعة عشر يدعى/ أبن محمود ، ومن عايش تلك المرحلة يعرف أن ذلك الطفل كان الحاكم الفعلي لليمن.

أسلحة روسية لمواجهة أعداء النظام

وكان من المفارقات في الأسبوع نفسه الذي وصلنا فيه مدينة الحديدة أن وصلت صفقة أسلحة روسية كان قد تم التعاقد عليها من قبل ولي العهد آنذاك/ محمد أحمد حميد الدين " البدر" مع روسيا "الإتحاد السوفيتي"، بينما كان الإمام / أحمد لا يرغب في شراء أسلحة روسية الصنع أصرارا منه على عدم تحديث القوات المسلحة أو تزويدها بالأسلحة المتطورة.

ولكن تلك الصفقة أتت من خلال ولي العهد بهدف إظهار مدى قوته أمام منافسيه في الخلافة ، وكان عمه الحسن أبن يحيى حميد الدين في المقدمة ، حيث تمكن من إزاحة محمد عن ولاية العهد في عام 1955م أي قبل الانقلاب الذي قاده عبدالله يحيى حميد الدين ، ومعه الشهيد/ أحمد الثلايا ورفاقهم من الضباط والجنود الأحرار بينما الحسن تمكن من الهرب إلى خارج اليمن وحينها أمر الإمام أحمد بإعدام أخويه/ عبدالله والعباس والشهيد الثلايا وعدداً آخر من الذين شاركوا في قيادة وتنفيذ الانقلاب.

والأكثر من ذلك أنه أتضح للإمام/ أحمد وولي عهده البدر أن الحسن ومعه أخوه عبدالله والعباس غير مقتنعين بأحقية محمد أحمد حميد الدين "البدر" بولاية العهد ولذا لم يكن المقصود بصفقة الأسلحة تسليح الجيش وإنما مواجهة أعداء البدر ممن ينادون بعدم أحقيته لولاية العهد. <

الأكثر قراءة

الرأي الرياضي

كتابات

كلمة رئيس التحرير

صحف غربية

المحرر السياسي

سيف محمد الحاضري

2024-10-14 03:09:27

القضاء المسيس ..

وكيل آدم على ذريته

أحلام القبيلي

2016-04-07 13:44:31

باعوك يا وطني

أحلام القبيلي

2016-03-28 12:40:39

والأصدقاء رزق

الاإصدارات المطبوعة

print-img print-img
print-img print-img
حوارات

dailog-img
رئيس الأركان : الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر

أكد الفريق ركن صغير حمود بن عزيز رئيس هيئة الأركان ، قائد العمليات المشتركة، أن الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر، مبيناً أن تشكيل مجلس القيادة الرئاسي الجديد يمثل تحولاً عملياً وخطوة متقدمة في طريق إنهاء الصراع وإيقاف الحرب واستعادة الدولة مشاهدة المزيد