بقلم / خالد السرجاني
الزيارة التي يقوم بها الرئيس الأميركي باراك اوباما إلى منطقة الشرق الأوسط، لن تحدث أية تحولات نوعية فورية في علاقة الولايات المتحدة بدول المنطقة، فهي تعتبر بمثابة أول تعارف بين الرئيس الأميركي وقيادات المنطقة عن قرب خاصة قيادات الدول التي قررت الإدارة الأميركية أن تعطيها أهمية مركزية في علاقاتها بالمنطقة باعتبارها من الدول الحليفة تقليديا مع الولايات المتحدة، ونخص بها كلا من المملكة العربية السعودية ومصر.
إضافة إلى ذلك فان الزيارة وما سبقها من تطورات أخرى على صعيد العلاقات الأميركية بدول العالمين العربي الإسلامي تعتبر خطوات رمزية مهمة على صعيد إزالة الفجوة النفسية التي ترسبت في نفوس العرب والمسلمين من جراء سياسات الرئيس الأميركي السابق جورج بوش، وأركان إدارته من المحافظين الجدد.
فالحاصل أن التحركات الأميركية والعديد من الخطوات التي قام بها الرئيس باراك اوباما، تؤكد أن إدارته تريد أن تفتح صفحة جديدة في علاقات أميركا مع العرب والمسلمين لكنها تدرك أيضا أن ذلك لا يتحقق عبر خطوات رمزية.
وإنما عبر خطوات على الأرض تتعلق بالقضايا التي تهم العرب والمسلمين، فما فعلته الإدارة السابقة لم يقتصر على خطوات رمزية يتم إزالتها بخطوات أخرى مشابهة، وإنما امتد تأثير هذه السياسة إلى الواقع المعاش لدى سكان العديد من البلدان العربية والإسلامية ناهيك عن العرب والمسلمين الذين يعيشون في الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية.
فالرئيس اوباما الذي أعلن عن انه يرى أن حل الدولتين هو المناسب لما يتعلق بالصراع الإسرائيلي الفلسطيني، ونقل عن أركان إدارته انه لديه خطة تتعلق بهذا الشأن، لكنه لن يعلنها خلال زيارته حتى لا يتم ذلك من منصة في دولة عربية بما يستفز إسرائيل ويجعلها ترفض الخطة قبل التفاوض عليها، لابد وان يعقب زيارته إلى المنطقة بخطوات عملية على صعيد حل الصراع العربي الإسرائيلي.
فالرئيس الأميركي عندما ينهى زيارته إلى المنطقة يكون قد استمع إلى كافة الأطراف ذات الصلة بالملف الفلسطيني الإسرائيلي، وبالطبع يكون قد استطلع آراءهم جميعا فيما ينوى طرحه من مبادرات وخطط وتصورات حول حل الصراع بين الطرفين.. والحاصل أن الرئيس الأميركي اوباما عندما قرر أن يغير من سياسة سلفه بوش تجاه العرب والمسلمين، وبدأ في ذلك برنامج علاقات عامة تستهدف تحسين صورة بلاده لدى شعوب المنطقة، فانه يستهدف من ذلك إيجاد حلول للولايات المتحدة تجاه العديد من الأزمات التي تواجهها الولايات المتحدة في النظام الدولي معظمها في منطقة الشرق الأوسط.
فالولايات المتحدة تريد مساعدة بعض الدول العربية في العديد من هذه الأزمات وعلى رأسها أن تتحمل جزءا من عبء العراق، الذي وعد الرئيس اوباما الناخب الأميركي بان يسحب القوات الأميركية منه.
وهذا الأمر لا يمكن أن يتحقق من دون أن تتحمل الدول العربية جزءا من عبء التواجد الأميركي هناك، أو على الأقل أن تساعد عبر اتصالاتها ودعمها اللوجستى في تأمين هذه العملية من دون تكلفة أميركية كبيرة سواء ماديا أم معنويا.
وقد أيقن الرئيس الأميركي انه مطلوب من بلاده أن تقدم إلى العرب والمسلمين خطوة تمثل إثباتا منها لحسن النوايا.
وهذه الخطوة لابد وان تتعلق بالصراع العربي الإسرائيلي، ويبدو أن هذه الخطوة لن تكون الخطة المتوقع طرحها انما ستكون الضغط على إسرائيل من اجل وقف الاستيطان في الأراضي العربية المحتلة. فقد بدا ذلك واضحا من تصريحات أكثر من مسؤول أميركي أوضحوا أن الرئيس الأميركي فعل ذلك خلال لقائه برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو.
وتريد الولايات المتحدة من الدول العربية أن تكون معها في تحالف مواجه لإيران سواء حربا أو سلما، أي أن تلتزم بالسياسة الأميركية تجاه إيران، وهذا الالتزام قد يكون عبر تقديم تسهيلات لوجستية في حال قررت الولايات المتحدة توجيه ضربة عسكرية إلى إيران، وقد يكون المشاركة في حصار النظام الإيراني وعزله في إطار حرب باردة تمارس على إيران من اجل إيقاف برنامجها النووي.
ويبدو أن ما قام به الرئيس الأميركي من لقاءات مع قادة المنطقة أكدت له أن عليه تحريك عملية السلام الراكدة حاليا حتى تقدم الدول العربية ما هو مطلوب منها. ليس فقط لان الدول العربية تتعامل مع الصراع العربي الإسرائيلي باعتباره.
هو أصل المشكلات في منطقة الشرق الأوسط وبالتالي فان حله يعد مقدمة لتفكيك باقي المشكلات التي تواجهها المنطقة، ولكن لان الأنظمة العربية تدرك أن مشاركتها في أي تحالف مع الولايات المتحدة فيه خطورة عليها، لان شعوبها لن تتقبل ذلك بسهولة، ولكن مشاركة الولايات المتحدة الأميركية في حل الصراع العربي الإسرائيلي يمكن أن تحدث نقلة نوعية على هذا الصعيد.
كل ذلك يؤكد أن الفترة التي ستعقب زيارة اوباما إلى المنطقة ستكون حاسمة على أكثر من صعيد، ليس فقط فيما يتعلق بالعلاقة بين الولايات المتحدة ودول المنطقة، وليس فقط على صعيد طرح مبادرة أميركية خاصة بالملف الفلسطيني الإسرائيلي، وإنما على العلاقة بين بعض الدول العربية وإيران، وأيضا ما يتعلق بالتحالفات التي ستتم بين الدول العربية بعضها البعض، والتنافس الذي سيتم بين دول أخرى على خلفية من ستكون الدولة المركزية في علاقة الولايات المتحدة والمنطقة.
وأيضا ما يتعلق بعلاقات العرب مع دول في المنطقة مثل تركيا، ستكون منخرطة هي الأخرى في استراتيجية الولايات المتحدة في المنطقة، وخلاصة القول أن مرحلة ما بعد زيارة اوباما ستكون هي الأهم مقارنة بالمرحلة التي سبقتها.<
*كاتب مصري