أشرنا في الحلقة السابقة إلى قيام العقيد/ أحمد فرج في قيادة الدبابة التي أتت لليمن آنذاك ضمن صفقة أسلحة روسية ليقع في المشكلة الثانية بعد خروجه من المحنة الأولى وهي تشغيل أول دبابة. . . يقول المؤلف هنا وعند الاقتراب من بوابة العرضي وفي غياب من يرشدني عند الدخول خاصة وأن الباب كان ضيقاً ولا يتسع بما فيه الكفاية، وكان يستلزم الأمر وجود مرشد للسائق لمرور من أي مضيق، ومع ذلك في ظل الثقة بالنفس التي كانت في أعلى درجاتها أستمريت في التقدم نحوا لبوابة وعند وصولي إليها ونتيجة لميل الدبابة تعرضت البوابة للصدمة من الدبابة تسببت في خراب عقد البوابة بكاملة وصاحب ذلك ضجة كبيرة تجمع على إثرها العساكر وانتابتهم حالة من الاستنكار الشديد والضجة.
وهنا كان الخوف قد بلغ مني كل مبلغ فسارعت إلى إيقاف الدبابة في مكانها السابق وأوقفت محركها وخرجت منها ومشيت بين جموع العساكر المستنكرين وكأن شيئاً لم يكن متجاهلاً ما تردد منهم.
وتذكرت حينها أن الحادث الأول لم يمر عليه أكثر من ثلاثة أشهر فقط وهو حادث بسيط وله ظروفه ، التي سبق توضيحها أما هذا الحادث فحجمه كبير خاصة أنني قمت بتشغيل الدبابة والخروج بها إلى خارج العرضي بدون إذن وفي غياب خبراء التدريب ونتج عن ذلك خراب عقد البوابة ومع ظهور فجر اليوم الثاني وصباحه تم إيداعي السجن بأمر من ولي العهد جاء فيه بالنص: "أمير المركز! يكون حبس المذكور وقيده ، الذي أمر بإعادة بناء البوابة من معاشي والتحقيق معي لمعرفة الأسباب ومن وراءها".
الغياب عن "اليقلمة" عقابه السجن
ويتضح من الأمر بأن ولي العهد وصل إلى قناعة بأن الحادث كان مقصوداً وأذكر أن راتبي في ذلك الوقت كان سبعة ريالات وهو مرتب شبل لم يبلغ السن القانونية حيث كان ينقص عن راتب الجندي ثلاثة ريالات ، وكما هو معروف بأن مدة بقائي في الحديدة والتي لم يمض عليها إلا فترة قصيرة عرفت فيها السجن ومعاناته وأطلعت على أسباب سجن بعض المسجونين الذين تعرفت عليهم أثناء سجني الأول عقب الحادثة الأولى ، حيث كان البعض منهم قد أودع السجن لأسباب بسيطة لا تستحق مدة طويلة باعتبار أن المخالفات المرتكبة بسطيه مثل: عدم حضور طابور اليقلمة "الهتاف بحياة الإمام وأن يحفظه الله"، والتي كانت تكرر ثلاث مرات ،أوأن يكون السبب تأخير غير مقصود عن الخدمة المكلف بها ليلاً أو نهاراً، عندها وبعد استعراض تلك الأسباب التي كان البعض يسجن عليها ومقارنتها بسبب سجني الثاني كانت الحياة تسود في عيني ويضيق بي صدري وأشعر باليأس من إمكانية الخروج من تلك المحنة.
عبد الله السلال. . وشهادة للتاريخ
يستطرد المؤلف هنا. . فيما كنت في سجني تحيط بي مجموعة من الهموم التي لازمتني بعد ما حدث سمعت شاوش السجن وهو يتحدث مع زملائه بأن ولي العهد قد وصل في اليوم السابق إلى الحديدة ، وأنه قام في ذلك اليوم بزيارة الميناء الذي يتواجد فيه الخبراء الروس وربما يصل في اليوم التالي إلى العرضي لزيارته وذلك لتفقد الدبابات والأسلحة التي وصلت من روسيا، وكان لذلك الخبر وقع شديد عليّ، إذ ضاعف من خوفي وقلقي وكانت تراودني بعض الأسئلة والمخاوف،وكان أهمها أن يطلبني ولي العهد ويتعرف على شخصيتي ، وأنني الشخص الذي قام بالحادث الأول وأنني نفس الذي كرر ذلك بحادث آخر أكبر وأخطر ،وما يرافق ذلك من تشديد للعقوبة بإيداعي السجن الشريف "هكذا كان يسمى" وكان هذا السجن سيء السمعة إذ كان يتم إيداع المساجين فيه لفترات طويلة خاصة أصحاب المخالفات الكبيرة، كل ذلك ضاعف من شعوري بضياع الأمل وبالفعل كانت توقعات الشاوش صحيحة إذ قام ولي العهد في اليوم التالي بزيارة للعرضي وأذكر أن الساعة كانت حوالي الواحدة ظهراً، وكان يرافقه المرحوم المشير/ عبدالله السلال رحمة الله وطيب ثراه وكان وقتها برتبة عميد، وقام بتفقد الدبابات، عندها وجه السؤال للأخ النقيب/ عبدالله البصراوي عن حادثة البوابة التي اصطدمت بها الدبابة، وشرح له الحادث وكان الشرح يشير إلى مدى قدرة البصراوي الكبيرة على التعامل مع الأحداث حيث وضّح فيه أن الحادث بسيط ومحدود ويحدث طبيعياً عند التدريب والتعامل مع المعدات. وفي نفس الوقت وجه المشير السلال رحمه الله استفساراً للبصراوي سائلاً عن الجندي الذي صدم البوابة فبادر البصراوي بأن الجندي أودع السجن بأمر من مولانا مشيراً بيده إلى ولي العهد.
عندها طلب المشير السلال رحمه الله من ولي العهد السماح بطلب الجندي ومشاهدته فرد ولي العهد بالإيجاب بقوله: "لا مانع لا مانع".
عندها قام النقيب/ عبدالله البصراوي بطلبي من السجن ، وتم إحضاري بصحبة عسكري مكبلاً بالقيود الحديدية على قدمي، وعند وصولي سلمت على ولي العهد باليد بعد تأديتي للتحية العسكرية، بينما كانت بعض المجاميع من العساكر والحضور يقُّبلون رُكَب ولي العهد وهو يشير بيده محاولاً منعهم من تقبيل الركب، بعد ذلك اتجهت نحو المشير السلال رحمه الله وسلمت عليه ولا زلت أذكر تلك البدله العسكرية التي كان يرتديها، ووجه سؤاله لي قائلاً: أنت الذي قمت بسياقه الدبابة؟ قلت نعم. . . أنا الذي سقتها وصدمت البوابة عند عودتي ، فعاود مساءلته لي بقوله: هل أمرك احد بإخراج الدبابة ؟ فأجبته على الفور: لا ، وهذا الخطأ الذي ارتكبته، ثم سألني : من هم الذين علموك قيادة الدبابة ؟ قلت : لم يعلمني أحد ، ولكني كنت أشاهد الخبراء الروس خلال العمل وهم يحركون الدبابات وكنت أستغل ذهابهم لدار الضيافة فأقوم بتحريك الدبابة بعد العصر من كل يوم وبهذه الطريقة تعرفت على بعض الجوانب المتعلقة بقيادة الدبابة ، عندها سألني: هل كل زملائك يعرفون سواقة الدبابة؟ فأجبته: لا، ليسوا كلهم، البعض منهم فقط فتدخل البصراوي بقوله: ربما يكون العدد أربعة أفراد ممن يعرفون قيادة الدبابة وهم صغار السن وفقاً لشروط مولانا مشيراً بيده إلى ولي العهد التي وردت في برقيته ، فرد عليه ولي العهد مستفسراً عن البرقية. . ؟! فأوضح البصراوي تلك التي أرسلتموها عند تشغيل الدبابة عن طريق الخطأ المرة السابقة ، وأمرتم فيها بضرورة اختيار خمسة وعشرين جندياً من الشباب الأقويا النشطين.
هكذا جاء في برقيتكم بالنص. . وأضاف البصراوي في حديثة الموجه لولي العهد: ولكن تصوروا يا مولانا أننا لم نجد في البلكات غير "1" أفراد أعمارهم أقل من 30 سنة وهذا هو أصغرهم جميعاً.