موت الإمام. . وتنصيب ولي العهد
يقول المؤلف عند سماعنا إعلاناً رسمياً عن موت ورحيل الإمام / أحمد وكان ذلك في العشرين من سبتمبر 1962م فكان مثل ذلك الخبر بمثابة بشرى سارة بالنسبة لنا بحكم متابعتنا المستمرة للخطوات وتعدد المحاولات الهادفة إلى التخلص من الطاغية أحمد ونظامه كما كان ذلك الخبر له أكبر الأثر لدى المواطنين المستضعفين والوطنيين وبالطبع كنا نتابع ما يجري في صنعاء إذ تم مبايعة وتنصيب ولي العهد/ محمد البدر إماماً على اليمن بعد عملية الدفن مباشرة.
وصاحب ذلك تفاؤل بعض الناس لاحتمال تغيير سياسة حكمة البدر عن والدة والذي حكم اليمن ما يقرب من عقدين من الزمن، وساد في الوطن إعتقاد بأن البدر يختلف في صفاته عن والده الذي كان يوصف بالقسوة والشدة في المعاملة وعدم الرحمة مع شعبه وكان كثير الشكوك يفقد ثقته بالآخرين وبأقرب الناس إليه وأعتمد على إغلاق اليمن عن العالم وعاش في عزلة وتخلف كادت أن تنهي شعباً بأكمله وأعتمد في حكمه على مبدأ "فرق تسد" وكان حريصاً كل الحرص على إثارة الفتن بين أبناء اليمن الواحد، وكان يسعده تجهيل الشعب وتجويعه، ومارس كل أساليب والده الطاغية يحيى حميد الدين حيث كانت تلك الأسرة تتبع تلك الأساليب لإيمانها بأنها أنسب الوسائل التي تضمن لهم الإستمرار في الحكم.
وبالرغم من مشاعر التفاؤل والأحاسيس التي ملأها الأمل بأن الإمام الجديد سوف ينهج نهجاً مخالفاً لوالده ، ولكن تلك الآمال لم تدم طويلاً إذ ما لبثت أن تساقطت وانهارت عندما أعلن الإمام عن إستمراره في نفس خط وسلوك ومنهج والده بالرغم من أن الإمام الجديد كان على إطلاع وخبرة بما يدور من حوله خارج الوطن وكيف كانت تعيش الشعوب، وقد أكتسب تلك الخبرة في زياراته المتكررة لأوروبا وأمريكا وبلدان عديدة أخرى في العالم ومنها بعض البلدان العربية التي كانت تعيش أوضاعاً أفضل بكثير عن تلك التي كان يعيشها الشعب اليمني.
كان البعض يعتقد بأنه سيأتي بشيء جديد غير الذي جاء به والده ومع ذلك سارع بإعلان توجهاته التي تأتي مع رغبة البعض من أبناء الشعب الذين كانوا على تخوف من حدوث أي تغيرات في سياسة الإمام الجديد، بينما البعض ذهب لأكثر من ذلك حيث كان يدعو له بأن يحافظ على نهج والده ويدعون له بطول العمر.
ومما تجدر الإشارة إليه أنه كان هناك من الأحرار من يعتقد بأن الإمام الجديد سيتبع أسلوباً مغايراً لأسلوب والده بينما يختلف اعتقاد الآخرين منهم، كما يقول المشير عبدالله السلال : أما من بقي من الأحرار لم يصلوا إلى قناعة كاملة بأن البدر الإمام الجديد سوف يكون صورة من والده سواء أرادوا أو لم يريدوا لإن الرجال الذين تجمعوا حوله في الأسبوع الأول والأخير من خلافته هم حاشية الإمام وأنصار عمه الحسن وهم لا يرغبون ولا يريدون تغير أي شيء مما سار عليه الإمام يحيى وابنه أحمد أو المساس بنهجيهما المتخلفين.
بالرغم من ذلك فلم يكتف بإعلان نهجه بل أضاف أنه لن يتسامح مع من يخل بالأمن والنظام وأنه سوف يضرب بيد من حديد، مضيفاً أن والده كان يقطع الرأس من الرقبة وأنه سيقطع الجسم من الظهر ، ولازلت أذكر ذلك الخطاب الذي كانت كل محتوياته تهديداً ووعيداً عندها أدرك الأحرار والوطنيون والمثقفون الحقيقة وقد أصيبوا بالذهول والدهشة في البداية وتلاشت تلك الأحلام والآمال الكبيرة في الوصول إلى ذلك اليوم الذي يتخلص فيه الشعب اليمني من ظلم وقهر الإمام/ أحمد وحكمه الجبروتي الجائر لإعتقادهم بأن أحداً لا يماثله في الجبروت والبطش.
وبعد سماعهم لذلك الخطاب الجديد للإمام الجديد فقدوا كل آمالهم في استمرار حكم بيت حميد الدين، تلك الأسرة التي اعتمدت في تربيتها ومعايشتها لهذا الشعب على أسلوب الإذلال والإمتهان لشعب له جذور تاريخية تأبى كرامته وجباله وسهوله ووديانه الرضوخ طويلاً.
عندها كان على الأحرار أن يضعوا لأنفسهم برنامجاً لمواجهة الموقف الجديد ومعهم المثقفون وأبناء القبائل الشرفاء والتجار الوطنيون للوصول إلى ذلك القرار الشجاع والعملاق والهادف إلى اقتلاع جذور الإمامة من على هذه الأرض اليمنية الشريفة قبل أن يصل الحسن الذي كان يحلم بتسلق العرض بدلاً عن أخيه الطاغية / أحمد والذي بوصوله قد يحدث نوع من الوفاق بينهما باعتبار أن الحسن غير راض بولاية ابن أخيه محمد البدر وهو السبب الذي أدى إلى خروجه من اليمن واستمرار إقامته الجبرية في أمريكا لسنوات طويلة.
ولذا ما أن سمع بوفاة أخيه الطاغية / أحمد حتى بادر بإرسال برقية تأييد ومبايعة للبدر.
ولم تمضٍ ستة أيام من الأسبوع الأخير من شهر أيلول "سبتمبر" 1962م وهي أيام حكم الإمام الجديد حتى تمكن تنظيم الضباط الأحرار ومعهم الشعب اليمني من القيام بالثورة المباركة في السادس والعشرين من نفس الشهر لتطوى صفحات سوداء من تاريخ اليمن.
أخبار الثورة. . . والساعات الأولى:
تحت هذه العنوان يقول المؤلف: ففي الساعات الأولى ليوم 26 سبتمبر 1962م وقبل شروق الشمس أذيع أول بيان للثورة وفي هذا اليوم التاريخي كنت مع الزملاء من سائقي الدبابات وهم: محمد صالح قشرة ، وأحمد علي محمد ، ومن فوج البدر وهم الرقيب أول / علي عوسجة ، ورقيب ثاني / أحمد ماطر، ورقيب ثاني / أحمد أبوهادي وآخرون في السخنة بجوار الدبابات الجاثمة في هذا المكان بموجب توجيهات الإمام/ أحمد حميد الدين ، وما إن تناهى إلى مسامعنا ذلك البيان حتى شعرنا بأن بلادنا وشعبنا ولد من جديد، وما هي إلا ساعات فقط بعد إذاعة البيان الأول للثورة حتى وصلتنا برقية من الأخ المرحوم/ محمد الرعيني الذي كان وقتها برتبة نقيب جاء فيها: "الأخ الملازم / محمد حفظ الله المطري والأخوة ضباط الصف وجنود الدبابات بالسخنة يتم وصولكم إلى الحديدة حال وصول هذه البرقية إليكم مع الدبابات الموجودة لديكم وشكراً توقيع محمد الرعيني"، وأذكر بأن عملية التجهيز أخذت حتى نهاية اليوم وكان تحركنا الساعة السابعة من مساء ذلك اليوم بالرغم من أن الجاهزية للدبابات ضعيفة، والسبب المباشر في ذلك هو الوقوف الطويل على الجنازير دون تحريك. <