سنواصل في هذه الحلقة ما تطرقنا إليه سابقاً عن المشوار النضالي في ملاحقة بقايا أذناب النظام الملكي الذي لم يصمد أمام دعاة التحرير من الثورة. . يواصل المؤلف حديثه بالقول:
حيث كان يعتقد بأن الدبابات وصلت من صنعاء وقطعت المسافات الطويلة والصعبة دون إن يتذكر وجود أعداد من الدبابات في باجل والسخنة مما ضاعف من هزيمته، وقال البعض أن البدر كان يهدد الثوار بقوله: "إنهم عملوها وسيدفعون الثمن بإذن الله"، وقد أراد بهذا الكلام إشعار كل من حوله بالإطمئنان.
حمود الجائفي. . . ومطاردته البدر المخلوع
يواصل المؤلف حديثه: في الوقت الذي كنا فيه نتجه إلى حجة وصل رسول حاملاً رسالة من مدينة عبس التي وصلها الأخ/ حمود الجائفي والذي وجه الرسول لإبلاغنا بالعودة إلى مدينة عبس ، عندها نفذنا ما جاء في الرسالة والسير حتى وصلنا مدينة عبس ، وكان الأخ/ حمود الجائفي رحمه الله في استقبالنا وما هي إلا لحظات حتى أصدر توجيهاته بسرعة التحرك إلى المحابشة وضرب البدر ومن معه وعندها قمنا بتموين الدبابة مع أجراء الصيانة اللازمة والسريعة، وبعدها استعدينا للتحرك وأذكر بأن المواطنين على امتداد الطريق كانوا يخرجون لمشاهدة الدبابة ومن الحوادث المريعة في هذا الخصوص أننا كنا نواجه صعوبة في تفريق المواطنين الذين يتجمعون حول الدبابة عند توقفها فنستخدم لتفريقهم الكلام تارة وتارة اليد ولم نكن نفلح في ذلك إلا بتشغيل محرك الدبابة وعندئذً يتفرقون في عدة إتجاهات وبسرعة خوفاً من صوت الدبابة الغريب على مجتمع يعيش في عزلة داخل وطنه عن العالم ولم يسمع أو يشاهد وسائل النقل الحديثة معتمداً على الدواب في التنقل وتسلق الجبال بينما كان العالم من حوله قد قطع شوطاً في التقدم.
وبينما نحن في الطريق وجدنا دبابة يقودها الأخ/ يحيى الحاذق وصلت قبلنا متوجهة إلى مدينة حرض منتظراً أية أوامر جديدة ،وواصلنا نحن السير حتى وصلنا إلى منطقة ربوع المحرق والتي يطلق عليها "الجوانح" وذلك تزامناً مع وصول البدر إلى المحابشة ومعه أعداد كبيرة من أبناء القبائل المغرر بهم والذين جمعهم حوله عند عبوره الطريق من المناطق المجاورة، وكان بعض من التقى بهم من القادمين من المناطق التي مر عليها المخلوع الذي كان يوحي لمن حوله بأنه سوف يقاوم الثوار والثورة سالكاً أسلوب والده الطاغية/ أحمد.
وفي اليوم الثاني أو الثالث وصل البدر إلى المحابشة ومعه ذلك الجمع الكبير المحيط به والذي كان يطمئنه بعدم هزيمته في حجة ويساعده على التصور بأنه قادر على تحقيق أهدافه وإفشال الثورة وخاصة بعد أن تمكن من تسليح المناصرين وتزويدهم بالمعلومات التي سخرت الدين والعقيد الإسلامية لإشباع الناس بأفكارهم كما أعتاد والده على ذلك من قبل، وأتتنا معلومات وصلتنا بأن السعودية سوف تزوده بكل ما يحتاج من عتاد وسلاح ومال، وبمجرد وصوله إلى مدينة المحابشة ألقى خطاباً دعا فيه المحيطين إلى المحافظة على بلادهم ودينهم وأنه لن يترك أولئك الماردين العصاة والخونة وأنه سوف يلقنهم دروساً قاسية لخروجهم عن الطاعة ، كما وصلتنا معلومات ونحن نشاهد المدينة عن قرب أنها تعاني من الازدحام وتضيق بمن يصلها ممن جاءوا لمناصرة البدر من المغرر بهم ، وسألنا بعض المواطنين الذين قابلونا عن سبب الأنوار البارزة من منازل المحابشة وهل هذه حالة عادية أم لا وعرفنا أن المدينة في ذلك اليوم على غير عادتها لأن المشائخ يلزمون الناس بالحضور للسلام على البدر وتهنئته بسلامة الوصول ويعلنون تأييدهم له ، وكان البدر يحث المواطنين على اليقظة وحماية ممتلكاتهم ودينهم والشريعة المحمدية طالباً منهم عدم الإنقياد لأعداء الإمامة والبقاء في البيوت ويدعوهم للجهاد في سبيل الله.
وبعدها تأكدنا بأن البدر باقٍ في مدينة المحابشة وبعد تشاور بيننا قررنا ضرب المدينة بطلقتين أو ثلاث من طلقات الدبابة وذلك بدون أن تكون لدينا توجيهات للضرب ، وبالنسبة لي شخصياً لم أتدرب على الضرب بالمدفع ولم أشهد نظرياً أو علمياً الضرب بالمدفع، ومن الجدير بالذكر بأن الدبابة التي كنت أقودها تحمل مدفعاً متحركاً عيار "100 ملم" وهو من النوع الثقيل، حيث تم توجيه الدبابات والتنشين على المدينة بعد تقدير المسافة وتعمير المدفع بالقذائف بعد الفحص على أجهزة ضرب النار من قبل أفراد الطقم الذين تلقوا تدريبات نظرية في السابق. . وأصبح لزاماً مواجهة الموقف وما قد يقدم عليه البدر المخلوع ومن معه، وقام أقدم أفراد الطقم الأخ/ الرقيب أول/ علي عوسجة بإعلان جاهزية المدفع للضرب فقلت له أضرب ، فتم الضرب ، ولا أخفي بأن الضربة القوية كانت شديدة للغاية والأولى من نوعها حيث أحدثت دوياً في الجبال المجاورة استمر أكثر من عشرة دقائق بعد أن أصابت القذيفة وسط المدينة ، وبعد ثوان لاحظنا اختفاء أنوار "الأتاريك" ، وأتضح لنا بعد ساعات أثر تلك الطلقات المدوية القريبة على السكان في المدينة وجدنا حيث اختفت جميع الأنوار التي كنا نشاهدها تتحرك في الدخول والخروج من المدينة في تلك الليلة.
وفي الصباح الباكر وشعبها المواطنين من المناطق المجاورة يتوافدون علينا مصطحبين معهم الأبقار والأغنام عقائر يرجون منا قبولها وعدم تكرار الضرب بالدبابة التي أخافت سكان المدينة والقرى المجاورة رجالاً ونساء وأطفالاً وشيوخاً وإيقاظهم ليلاً وأقسم البعض منهم أن العديد من السكان يباشرون الرحيل إلى المدينة ومن ديارهم وقراهم ، وحينئذ ألزمناهم بالبقاء في ديارهم ووعدناهم بوقف الضرب ومتابعة البدر المخلوع ومراقبة كل من يأويه أو يفتح بابه له أو يناصره أو يتحرك معه.
وفي هذه الآونة كان الأخ/ حمود الجائفي رحمه الله في عبس يتابع الموقف وتحركات البدر حيث أصدر توجيهات جديدة تقضي بالتوجه في اتجاه وشحه، الأمر الذي جعلنا نعود إلى عبس وهناك قمنا بتجهيز الدبابة وكنا نجهل الطريق إلى وشحه وحاولنا وقتها العثور على من يدلنا عليها.
وقد صاحب تلك التوجيهات الإشارة إلى مرور دبابتين إحداهما ستبقى في حرض والأخرى سوف تصل إلى وشحه وأن آثار الجنازير ستكون هي دليلنا للطريق إلى وشحه ، وفعلاً واصلنا السير سالكين خط الجنازير بدون مرافقين من مشاة للحراسة أو الحماية كما لم تكن هناك سيارة تحمل محروقات وتعيينات إلى غير ذلك من وسائل الإمداد المتعارف عليها أو الحد الأدنى منها حتى وصلنا منطقة حرض وكان الزميل / حسن الحنضلي أول من التقينا به مستغربين منه سبب عدم مواصلته السير إلى وشحه فرد بأنه قد سبقه إلى وشحه الأخ/ يحيى الحاذق.