بدت (كوريا الشمالية) وكأنها اعتمدت سياسة حافة الهاوية خياراً لا رجعة فيه ولا بديل عنه وهذا إلى حد ما ما يعبر عن حقائق واقع الحال الذي تعيشه هذه الدولة ( الاشتراكية) التي تعد آخر معاقل ( الماركسية) .. ولكوريا الشمالية في هذا الكثير من الدوافع التي تبرر لها مواقفها خاصة بعد أن تخاذل الأطراف الدولية المنضوية في أطار (اللجنة السداسية) عن الوفاء بتعهداتها في تقديم المساعدات التي سبق وأن وعدت بهاء هذه الأطراف لكن الوعود شي والتنفيذ شي أخر , وقد عانت بيونغ يانغ خلال الفترة الماضية الكثير من التصرفات التي صدرت عن بعض أطراف (السداسية) فيما يتصل بالمساعدات وحاجة كوريا الشمالية بصورة بدت بيونغ يانغ وكأنها ( عالة تتسول المعونات الدولية) ناهيكم أن النزعة الوطنية لدى قيادة وشعب كوريا الشمالية حاضرة بكثير من الاعتزاز والرغبة في الحياة الحرة الكريمة بعيداً عن ثقافة الإذلال التي تمارسها عديد أطراف دولية نافذة علي هذا البلد الذي خرج بسياسة (حافة الهاوية ) جاعلاً منها خيارا وخياراً استراتيجياً لا يبدوا أن ثمة إمكانية للعودة عنه متوفرة , وهو ما يهدد شبه القارة الكورية بل والنطاق الجغرافي الآسيوي بكل مكوناته , إذ ليس لدى (الشمال الكوري) من خيار غير المواجهة وحسم المشهد بغض النظر عن التبعات التي قد تترتب على هذا الخيار الكوري (الشمالي) في ظل انجراف (الجنوب الكوري) بكل مكوناته الرسمية والشعبية وقدراته المادية في سياق المحاور النافذة وحساباتها وهو ما يجعل تلك المنطقة من العالم على ضوء الخيار الكوري (الشمالي) الجديد على حافة بركان ليس له من حل إلا بأن تمضي (بيونغ يانغ) في مشروعها النووي وتعزيز قدراتها العسكرية ومن ثم تصديرها لمن يرغب وبما يمكنها من الارتقاء بحياة شعبها الاقتصادية , أو المواجهة التي لن تكون في صالح أي طرف والبديل عن المواجهة هو ( الوحدة) .. نعم الحل البديل عن المواجهة في شبه القارة الكورية والنطاق الأسيوي هو ( وحدة الكوريتين ) فالوحدة هي الحل بين الأشقاء وفي تحقيقها يمكن استقرار وتقدم شبه القارة الكورية واستقرار النطاق الأسيوي بكامله , والمؤسف أن قضية (الوحدة الكورية) ليست بيد الكوريين بل بيد محاور النفوذ والهيمنة وهي ذاتها المحاور التي عملت علي تقسيم شبه القارة ودفعت الأشقاء لمعترك حرب طاحنة أسفرت بتقسيم شبه القارة الكورية بطريقة مؤلمة وقاسية لأن التقسيم أخذ بعدا ثقافيا وأيدلوجيا وعقائدياً ثم ومع عامل الوقت زادت التدخلات من تغذية النزعات في أوساط الشعبين , ثم جاءت التحولات والمتغيرات الدولية بكل دراميتها لتضع (الشمال الكوري) أمام استحقاقات اقتصادية قاسية ولم يكون بالتالي أمام بيونغ يانغ غير اللجوء لترسانتها العسكرية والتلويح بهاء أمام ممارسات بشعة جوبهت بهاء من قبل محاور النفوذ ومن قبل الأشقاء والأصدقاء ولم يكون من خيار أمام بيونغ يانغ غير التلويح بالأوراق المتاحة بيدها وهي التجارة العسكرية وهذا حق مشروع لهاء أمام غطرسة أطراف (السداسية) وتغاضي المجتمع الدولي عن معانات الشعب الكوري الشمالي وظروفه الاقتصادية وهذا الشعب ولولا تماسكه وتماسك نظامه وقيادته لماء تمكن من الصمود أمام التحديات التي واجهته والتي فرضت عليه ومع ذالك صمد وتماسك وبقى ثابتا علي مواقفه ولم يكون ثمة خيار متاح أمامه بعد طول مفاوضات وحوارات وتعهدات غير المضي قدما بخياراته والتي يمكن من خلاله أن يعيش بقدر من الرخاء والاستقرار الاقتصادي من عائدات تجارته العسكرية التقليدية لكن هناك حصار مفروض علي الشمال الكوري الذي لا يسمح له بتجارة السلاح التقليدية ولا بتطوير قدراته النووية ..لكن بيونغ يانغ أخيرا قررت ممارسات المزيد من الضغط علي الأطراف الدولية بحثا
انفراج داخلي يؤدي إلي تحسين الوضع الاقتصادي , في ظل تخاذل حتى كوريا الجنوبية عن تقديم مساعدتها الإنسانية والاقتصادية لأشقائها في الشطر الأخر من شبه القارة التي قسمتها المصالح الدولية والرغبات المحورية ولا تزل هذه المحاور برغباتها سيفا مسلطا علي رقاب الكوريتين بشطريها الجنوبي والشمالي , فالجنوب الكوري الرأسمالي مرتبط بكل من أمريكا واليابان وبقية المنظومة الرأسمالية فيما الشمال الكوري مرتبط بكل من روسيا والصين وبقية الدول القريبة من هذا المحور لكن من ترتبط بهم (كوريا الشمالية ) ليسوا بقدرات ونفوذ الأخر وبالتالي جاءا القرار الكوري الشمالي ليضع العالم بكل مكوناته ومسمياته وعقائده أمام أمر واقع لا بديل له غير أن يعمل هذا العالم بمحاوره علي توحيد شبه القارة الكورية كما عمل في السابق علي تمزيقها وشطرها إلي شطرين , وهذا من الصعب القبول به من قبل حلفاء الجنوب الكوري الذين يضعوا كوريا القضية الكورية أمام ( الصين) بمثابة خازوق يلوحوا به أن شأوا ..!!
وهذه المعادلة تجعل (الصين) تنظر بقدر من القلق إلي ما يحدث عند أقدام التنين وخاصة في باكستان وأفغانستان فيما هي تراوغ في سبيل انتزاع (تيوان) باعتبارها جزءا من السيادة الصينية فيما تيوان ومضيقها المهم إستراتيجيا يندرجان ضمن أولويات أهتمام محاور النفوذ , وهذا يجعل أي حلول مرتقبة لمثل هذه القضايا فعل من ترف في مسرح تستحيل فيه الحرب ويستحيل فيها السلم ليبقى المجهول هو خيار تداعيات شبه القارة الكورية فيما الصين وهي الأقرب لكوريا الشمالية قد تجد في القدرات النووية الباكستانية والمشهد الأفغاني ورقة مساومة تشهرها أمام بقية الأطراف الدولية أن حاولت هذه الأطراف تغير المعادلة القائمة في شبه القارة الكورية دون رغبتها وإرادتها وهذا ما سوف تكشف عنه قادم الأيام وتداعياتها ..